ديمة محبوبة
عمان- كثيرا ما يتم الحديث عن الغضب وتأثيره على الفرد ومن حوله، ولكن هناك من يعانون من نوبات غضب حادة تؤثر بشكل كبير على مسار حياتهم، وتصبح سببا رئيسا في تدهور علاقاتهم الشخصية والمهنية.
بعض الأشخاص يعيشون لحظات من الغضب الشديد لا يستطيعون التحكم بها، مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة تلقي بظلالها السلبية على حياتهم. وغالبا ما يجدون أنفسهم في مواجهة خاسرة مع الحياة، حيث يتكبدون خسائر على الصعيد الأسري والاجتماعي والمهني.
يروي سامر الشيخ، البالغ من العمر 40 عاما، كيف كانت نوبات غضبه سببًا في انهيار حياته الزوجية، قائلاً: "لم أكن أستطيع التحكم بنفسي، فكل موقف بسيط كان يشعل غضبي. كنت أفقد أعصابي على زوجتي وأطفالي، ورغم أني كنت أعد نفسي في كل مرة بأنني سأسيطر على غضبي، إلا أنه في لحظات الانفجار، كنت أشعر وكأنني أفقد القدرة على التفكير".
ويضيف سامر: "أحيانا أثناء نوبات غضبي كنت أقول لنفسي: ماذا تفعل؟ الأمر لا يستحق، ستخسر من أمامك لكن ذلك كان يزيد من غضبي". انتهت حياة سامر الزوجية بعد سنوات من الصراع الداخلي الذي عانى منه، حيث قررت زوجته الانفصال، وأخذت الأطفال معها بحثا عن حياة أكثر استقرارا.
في حين يتحدث مدير المبيعات في إحدى شركات الأدوية خالد، عن تأثير نوبات الغضب على مسيرته المهنية فيقول "كان الغضب يسيطر علي في أوقات الاجتماعات الضاغطة، لم أتمكن من التفاعل بهدوء مع زملائي أو مع رؤسائي، الأمر الذي أضر بعملي وفي النهاية خسرت فرص الترقيات المتاحة، وأصبحت العلاقات مع زملائي متوترة للغاية".
ويؤكد أنه يحاول أن يتدارك ما قد يتم تداركه فهو يعمل بشركة جيدة، ولذلك يحاول التعامل مع هذه النوبات من خلال استشارة متخصصين في الصحة النفسية بعد أن أدرك أن الغضب كان يقوده إلى تدمير الذات.
الغضب العارم له آثار نفسية عميقة على الشخص نفسه، وعلى من حوله، فالأشخاص الذين يعانون من هذه النوبات يعيشون في حالة دائمة من التوتر والندم بعد انتهاء نوبة الغضب، مما يؤدي إلى تزايد مشاعر القلق والاكتئاب.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن نوبات الغضب المتكررة تخلق جدرانا بين الفرد وأحبائه، حيث يتجنب الكثير من المحيطين التعامل معه خوفا من أن تتكرر هذه النوبات.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي يقول: "نوبات الغضب غير المسيطر عليها قد تكلف الأشخاص أغلى ما يملك كالعلاقات الشخصية، الحياة المهنية، وحتى السلام الداخلي".
نوبات الغضب لها تأثيرات عميقة وشاملة على الفرد، سواء على مستوى حياته الشخصية أو المهنية. عندما يعجز الشخص عن التحكم في غضبه، فإن هذه النوبات قد تؤدي إلى سلسلة من التداعيات السلبية التي تتجاوز مجرد اللحظة الحادة لتصبح مؤثرة على جوانب حياته المتعددة. ومن منظور اجتماعي، فإن نوبات الغضب تدمر العلاقات بين الأفراد، والغضب المتكرر يجعل الشخص يبدو غير مستقر عاطفيا وغير قادر على التواصل بشكل صحي، حسب خزاعي.
ويشير إلى أن هذه الحالات المتكررة تؤثر على الأسرة والأصدقاء والشركاء، فالغضب العارم قد يدفع الأشخاص المحيطين إلى الابتعاد، خشية الدخول في صراعات متكررة، لافتا إلى أن الأطفال الذين ينشأون في بيئة يغلب عليها الغضب قد يشعرون بالخوف، ويصبح لديهم مشاكل في تطوير علاقات صحية مستقبلا والزوجات أو الأزواج قد يفقدون شعور الأمان، ما يؤدي في بعض الحالات إلى الانفصال أو الطلاق.
أما في بيئة العمل فيؤكد خزاعي، أن الشخص الذي يعاني من نوبات غضب لا يستطيع بناء علاقات مهنية قوية فالزملاء قد يتجنبون التعامل معه، بينما يراه المديرون كعامل غير مستقر ولا يعتمد عليه في المواقف الضاغطة، مبينا أن الغضب في العمل يمكن أن يؤدي إلى قرارات غير مدروسة، كفقدان فرص الترقيات، أو حتى الطرد من الوظيفة والعلاقات المهنية تعتمد على الاحترام المتبادل والتواصل الفعال، والغضب يفكك هذه الأسس بشكل كبير.
من الناحية النفسية يتحدث المختص في علم النفس الدكتور موسى مطارنة، أن نوبات الغضب تترك الشخص في حالة دائمة من الشعور بالندم والخجل بعد انتهاء النوبة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تدني احترام الذات وزيادة مشاعر الاكتئاب والقلق.
ويرى أن الغضب المتكرر يعكس ضعف القدرة على التعامل مع التوتر والإحباط، وهو ما يمكن أن يتفاقم بمرور الوقت، مما يزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات القلق أو الاكتئاب.
ويبين مطارنة أن هناك أسبابا يمكن أن تكون علامات لو عرفت ستخفف الغضب للشخص، فيمكن أن يساعد التعرف على الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى نوبات الغضب في التخفيف منها ويمكن للشخص أن يدرك أن مواقف معينة أو كلمات معينة تثير غضبه، وبالتالي يمكنه الاستعداد للتعامل معها بطريقة أكثر هدوءا.
ويمكن البحث عن أسباب تجعل الفرد أكثر هدوءا كممارسة الرياضة التي تفرغ الطاقة وتجعل الفرد يتحكم بالتنفس.
ويؤكد أن مشكلة الفرد الغاضب أحيانا لا يستطيع أن يعبر عن مشاعره، فيؤكد أن تعلم كيفية التعبير عن المشاعر بطريقة صحية وهادئة هو مفتاح أساسي للتحكم في الغضب بدلا من تفجير الغضب في لحظة، فيمكن للشخص أن يتعلم كيفية التحدث عن مشاعره وحاجاته من دون تصعيد الأمور.
ويؤكد أن الأشخاص الذين يعانون من نوبات غضب قد يكون لديهم أنماط تفكير سلبية أو متطرفة، ويمكن للتحكم في هذه الأفكار وتعديلها إلى أنماط أكثر إيجابية وموضوعية أن يساعد على تقليل الغضب.
ومن الضروري البحث عن مساعدة متخصصة ففي بعض الحالات حسب مطارنة، قد تكون نوبات الغضب مرتبطة بمشاكل أعمق مثل اضطرابات المزاج أو صدمات نفسية في هذه الحالة، ومن المهم البحث عن مساعدة من مختص في الصحة النفسية، حيث يمكن للعلاج النفسي أو العلاج السلوكي المعرفي أن يكون فعالا، فنوبات الغضب ليست مجرد لحظات عابرة من الفقدان المؤقت للسيطرة، بل هي مشكلة قد تؤثر سلبا على جميع جوانب حياة الشخص.
ويوضح أن أهم ما في الأمر هو وعي الفرد بالمشكلة والتزامه بالعمل على تطوير مهارات التحكم في الذات، يمكنه بناء علاقات شخصية ومهنية أكثر استقرارا وتحقيق نوعية حياة أفضل.