الخوف إحساس طبيعي لدي كل المخلوقات الحية ، فهو آمن إذا كان في حدود الطبيعي ، لأنه يمد الإنسان بالحذر من المخاطر والاحتراس منها ودرئها ما استطاع ، لكن إذا زاد الخوف عن حده انقلب إلي حالة مرضية تفقد الإنسان الأحساس بقيمة الحياة وبهجة الاستمتاع بجمالياتها ، بل وقد يؤدي إلي الإصابة بالعديد من الأمراض النفسية والجسدية.

وتؤكد الأرقام حسب مجلة" سيدتي" أن نسبة كبيرة من المتزوجات يستيقظن من نومهن شاعرات بعدم الأمن والطمأنينة، شديدات الحساسية أمام كل ما يفكرن به ،  تتأرجح بداخلهن الأباطيل والمخاوف والأوهام المظلمة وكأن زمام أنفسهن قد انفلت من بين أيديهن. عن معنى الخوف ، ومتى يُصبح حالة مرضية؟ وما الأسباب، والعلامات المنذرة بالخطر؟ ولماذا تصاب به النساء دون الرجال، والعربيات أكثر؟ ومتى يجب الذهاب للطبيب المعالج؟ استفسارات عدة أجاب عنها العلماء والمختصون.
وقد أجمع علماء الطب النفسي أن هناك نوعين من الخوف: «طبيعي» يشعر به كل إنسان؛ فيحمي به نفسه، ويصونها من المخاطر.. مثل الخوف من الحوادث، والتغيرات الطبيعية، ونوع ثان «مرضي» إن لم يتفهمه الإنسان يصبح أشد فتكًا من «السرطان»، وللأسف المصابون به أكثر عددًا وأشد إيلامًا، والأكثر تكاليف في علاجه، وهو يرتبط بأمراض نفسية وجسمانية؛ كالخوف من منظر الدم والأماكن المغلقة والشاهقة والمتسعة، وكثيرًا ما يصاحب هذا النوع حالات من الاكتئاب والوسواس والاضطراب الهيستيري.

تقاليد عربية

وقد أكد علماء الطب النفسي على أن المخاوف التي تشعر بها المرأة تفوق نسبتها عن الرجل بمقدار 2-1، وأن هناك 500 مليون إنسان في العالم يعانون من الخوف بعامة، و70% منهم يصاب بالقلق والحزن والنوم المتقطع، كما أثبتت الأرقام أن 13% منهم يرهبون المناسبات مما يؤثر سلباً على حياتهم الاجتماعية والتعليمية والعلمية وعلاقاتهم الشخصية بصورة كبيرة. وهذا النوع من القلق أو الخوف يمثل المرتبة الأولى في الانتشار بين الأمراض النفسية

ويرجع الدكتور إسماعيل يوسف -  أستاذ الطب النفسي بجامعة قناة السويس - تزايد نسبة الخوف عند المرأة عن الرجل إلى نُظم العادات والتقاليد الاجتماعية التي تتربى عليها الفتاة داخل أسرتها الأولى، وحتى بعد زواجها.. والتي فرضت عليها فكرة أن تستمد الحماية والعون – دائما- من الرجل..أخًا كان أو والدًا، ثم الزوج، وماهي إلا النصف الآخر الحلو الضعيف «مكسورة الجناح» المغلوبة على أمرها.

والسبب الثاني.. هو اقتصار خبرة الفتاة أو المرأة ومعلوماتها على الدراسة، والأعمال المنزلية وحدهما، فنجدها تشعر بالخوف من كل جديد أو مجهول تلقاه..عند تعاملها مع الآخرين.

ويضيف الدكتورإسماعيل يوسف أرقامًا موضحة: هناك 500 مليون إنسان في العالم يعانون من الخوف بعامة، و%70 منهم يصابون بالقلق والنوم المتقطع وفقدان الشهية، والخوف الاجتماعي يعد من أشد أنواع الخوف خطورة، والذي يتمثل في عدم الرغبة في ارتياد المناسبات الاجتماعية والتعليمية؛ فهي تشعر بالارتباك إن واجهت شخصًا غريبًا أو له مركز كبير، فيظهر الحرج على ملامح وجهها وحين تناولها الطعام، وتشعر وكأن الجميع يراقبونها تحت المجهر أو عدسة مكبرة.. تفضح عيوبها، وتكبر أخطاءها.

ويرى الدكتور فكري عبد العزيز، استشاري الطب النفسي، أن الخوف والقلق ونوبات الرعب تكثر في البلاد العربية أكثر من غيرها، نتيجة للنظم والعادات والتقاليد الاجتماعية، التي تفرض على الفتاة والمرأة في بيتها.
والنتيجة أنها أصبحت أكثر استشعاراً للخطر من الرجل، وأكثر خوفاً منه، وذلك لأنها تربت على أن تكون في حماية الرجل، وأنها النصف الحلو الضعيف، أو المغلوبة على أمرها.

ويتابع: كما أن طبيعة نشأتها علمتها أن تعبر عن مخاوفها دون حظر مقارنة بالرجل.
ومن العوامل التي تساعد على انتشار الخوف في قلب المرأة أكثر من الرجل، أيضا غياب الحوار الأسري وانشغال الزوج بالكسب المادي، وانهماك الأبناء في تحصيل العلم، فلا تجد الزوجة الأم من تبثه مخاوفها، أو تلوذ به عند استشعار الخطر، فيبقى الخوف حبيس قلبها.

ويضيف الدكتور فكري عبد العزيز، استشاري الطب النفسي، أنواعاً أخرى من الخوف، حيث يقول: هناك الخوف الطبيعي البسيط simple phobia، الذي يصاحب الذات الإنسانية خشية إيذائها أو إيلامها مثل الخوف من الكوارث والحوادث والتغير الطبيعي للظواهر.

وهناك الخوف المرضي، وهو مكتسب من الشخصية نفسها، وهذا الخوف يصاحبه أعراض نفسية جسمانية كالخوف من منظر الدم، الأماكن المغلقة، الشاهقة، أو الأماكن المتسعة agora phobia، وأحياناً كثيرة يصاحب هذه المخاوف حالات من الاكتئاب والوسواس والاضطراب الهستيري

خوف الأمهات

عنه ترى الدكتورة نوال عبدالهادي -  الباحثة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية -  إن الخوف ينتاب الزوجة، ويقتحم قلبها وحياتها بسبب غياب الحوار الأسري، وما يمثله من إحساس بالألفة والونس الزوجي، لانشغال الزوج بالكسب المادي، إضافة إلى انهماك الأبناء في دراستهم، أو مع أسرهم الجديدة -بعد الزواج- فلا تجد الزوجة من تبثه مخاوفها وآلامها، أو تلجأ إليه عند إحساسها بالخطر، فتظل مشاعرها حبيسة قلبها وعقلها، وما ينتج عن ذلك من أمراض نفسية وجسمية.

وعن سبب خوف الأم تقول الدكتورة نوال : إن المخاوف المُبالغ فيها التي تشعر بها الأم ترجع إلى التغيرات الاجتماعية المتلاحقة، والتقدم المطرد لوسائل التكنولوجيا في عصرنا الحالي، وتأُثر الأبناء بها سلبيا، تترجمه في صورة خوف وهلع شديد على أبنائها؛ إن خرجوا، أو سافروا، أو اجتمعوا مع أصدقائهم خارج المنزل.. وتأخروا.. فنجدها تكثر من التوجيهات، والتحذيرات مما يعوق نموهم -أطفالاً كانوا، أو فتيانًا، أو شابات- وتتعطل مسيرة حياتهم، وتجاربهم الحياتية مع الآخرين.

"لا تخفْ " اسم كتاب للدكتور إدوارد سبنسر كولز مؤسس، ومدير مصحة الجسم والعقل بنيويورك..اعتبر الإرهاق الذي ينتاب الإنسان عامة، والمرأة-الزوجة، والأم- خاصة من أشد مسببات الخوف حيثُ يقول: "تعب الأعصاب يتسبب في نقص طاقة الجهاز العصبي المركزي-المخ، والحبل الشوكي- ومن آثاره الانقباض والخوف والفزع، وكل خوف عصبي لابد أن يكون أساسه التعب، فعندما تُستنفد الطاقة في الخلايا العصبية، وتهبط دون الدرجات، يكون الإنسان في هذه اللحظة على أهُبة الإصابة بداء الخوف ".

ويري العديد من الأطباء أن حوالي 75% من حالات الخوف والذعر الشديد تحدث أثناء الليل بحيث ينهض المريض ودقات قلبه سريعة وقوية ويشعر وكأنه مصاب بنوبة قلبية بسبب آلام الصدر وإفراز العرق الشديد ونشاط القلب غير الطبيعي التي تصاحب نوبات الذعر والخوف الشديد.
أما طرق العلاج فيقسمها الأطباء كالتالي 

- علاج نفسي.
- علاج سلوكي.
- تمرينات التنفس وذلك للتخفيف من هذه الأعراض المصاحبة للنوبة.
- العقاقير مثل العقاقير المضادة للقلق والمضادة للاكتئاب.
وعادة، ثلاثة أشهر من العلاج تكفي لحدوث تحسن كبير في حالة المريض وحوالي 50% من المرضى يشفون تماما من المرض بعد تلقي العلاج لمدة 3 أشهر، حيث أن في حالة عدم تلقي المساعدة والعلاج، فإن المرض قد يتطور إلى لجوء المريض للانتحار أو محاولة الانتحار.

أمراض الخوف غير الطبيعي

هي نوع خاص من أمراض نوبات الهلع والذعر الشديد ويعرف مرض الخوف غير الطبيعي أو الفوبيا على أنه خوف كامن مزمن وغير مبرر (غير منطقي) من شيء أو مكان أو سلوك معين يؤدي لقيام المريض بمحاولات واضحة للهروب من موقف، لمواجهة الشيء أو الظرف الذي يعتبره المريض خطرا على حياته.
وحسب الإحصاءات الرسمية فإن أمراض الخوف غير الطبيعي هي أكثر أنواع أمراض القلق النفسي شيوعا بين النساء الأميركيات ومن مختلف الأعمار بينما يأتي بين الرجال في المرتبة الثانية.
وتكون أنواع الفوبيا كثيرة وعديدة ولكن أكثرها شيوعا ما يلي:
1- الخوف من المساحات الخالية أو الخلاء الواسع الفسيح.(Agorophibia)
2- الخوف من الأماكن والمناطق المرتفعة. (Acrophobia)
3-الخوف من القطط Ailurophobia
4- الخوف من مشاهدة الأزهار والورود Anthophobia
5- الخوف من الإنسان وبشكل خاص من الرجال Anthrophobia
6- الخوف من الماء Aquaphobia
7- الخوف من البرق Astraphobia
8- الخوف من الجراثيم والبكتيريا ( وسوسة النظافة) Bacteriophobia
9- الخوف من الرعد Bronophobia
10- الخوف من المناطق المغلقة Claustrophobia
11- الخوف من الكلاب Cynophobia
12- الخوف من الشياطين والجن والأرواح الشريرة Demonophobia
13- الخوف من الخيل (الحصان) Equinophobia
14- الخوف من الزواحف ( أفاعي، عقارب، صراصير، سحالي، الخ) Herpetophobia
15- الخوف من أي شيء يمكن أن يلوث جسم أو ثياب الإنسان أو يلوث (روح) الإنسان. Mysophobia
16- الخوف من الأرقام (التشاؤم من الأرقام) Numero phobia
17- الخوف من الظلام بما يلي في ذلك الغرف المعتمة حتى في وضح النهار.
18- الخوف من الأفاعي بشكل خاص وليس بقية الزواحف Ophidio phobia
19- الخوف من النار pyro phobia
20- الخوف من الحيوانات بأنواعها zoo phobia

أسباب المرض:

ليس هناك في الوسط الطبي النفسي تحديد واضح لأسباب المرض، فبعض الأطباء النفسيين يعطي فرضية كون المرض نابعا من داخل الفرد أي مشاعر خوف داخلية من ممارسات محرمة وممنوعة مثل الجنس ، ومشاعر الخوف الداخلية هذه يتم نقلها وتحويلها إلى أشياء خارجة تصبح مصدر الخطر لمريض وبالتالي فإن رؤية هذه الأشياء الخارجية تؤدي إلى إثارة مشاعر الخوف والذعر الداخلية الكامنة في الإنسان.
وهناك فرضيات أخرى مثل فرضية الصدمة والأذى، وحسب هذه الفرضية فإن تعرض المريض لخبر أو حادثة مؤلمة وقاسية مع مصدر الهلع والخوف يؤدي إلى مشاعر خوف دفينة يتم خزنها في ذاكرة الفرد ومشاعره وبالتالي رؤية الشيء أو المكان الذي سبب الأخبار الأليمة والقاسية يثير مشاعر الخوف الدفينة هذه.

سبل العلاج

حسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن معظم أمراض الخوف والذعر من أشياء وأماكن معينة يمكن علاجها من خلال العلاج السلوكي لأنها أمراض نفسية خفيفة.
وإن أكثر أنواع العلاج السلوكي المستخدمة في علاج المرض هي العلاج بالمواجهة الذي يقوم على قيام المريض وبصحبة الطبيب المعالج بالتعرض للموقف أو الظروف المؤدية للهلع والذعر الشديد، وذلك بشكل منتظم بحيث تؤدي هذه المواجهة أو بالأحرى سلسلة المواجهات هذه إلى زوال تدريجي لمشاعر الخوف والهلع المرتبطة برؤية أو التعرض للأشياء والمواقف التي كانت تسبب قبل العلاج الذعر والخوف والهلع الشديد للمريض.
بشكل عام سياسة المواجهة هذه تتم إما بالتدريج وتسمى طريقة العلاج المتدرج أو تتم المواجهة رأسا وبدون مقدمات مع مصدر الخوف والذعر.

 

شبكة محيط

JoomShaper