ديمة محبوبة
عمان – في عالم يمضي بخطى متسارعة، تتسلل الوحدة إلى حياة الكثيرين، فتدفعهم للبحث عن أصدقاء عبر منصات التواصل الاجتماعي، أملا في تحويل الصداقات الافتراضية إلى لقاءات واقعية.
ما كان يوما سلوكا غريبا؛ أصبح اليوم ظاهرة مألوفة، حيث يجد الأفراد في هذه المنصات جسرا يربطهم بآخرين يشاركونهم ذات الاهتمامات، أو ربما مجرد رغبة في الحديث والرفقة، بعيدا عن أوجاع العزلة.
وتتردد منشورات ضمن مجموعات على السوشال ميديا تبحث عن أصدقاء؛ دعوة لممارسة الرياضة أو التنزه، وأحيانا لقاء بسيط في مقهى لتبادل الحديث. إنها محاولات لكسر حاجز الوحدة التي باتت تطغى على حياة الكثيرين.
يلجأ البعض إلى هذه الوسائل أيضا للبحث عن مساعدة في التعرف على الأحياء والحياة في بلد جديد انتقلوا للعيش فيه. هذا السلوك يعكس الدور الرقمي في ملء الفراغات الاجتماعية والشخصية التي يعاني منها الأفراد في المجتمعات الحديثة.
يعود البحث عن هذا الصديق إلى عدة دوافع، مثل الشعور بالوحدة، الفضول، أو الحاجة للتواصل مع أشخاص جدد. ومع ذلك، قد لا تكون هذه التجربة مريحة للكثيرين، إذ تحمل في طياتها العديد من المخاطر والتحديات التي قد تحول دون تحقيق الهدف المنشود من هذه اللقاءات.
على الرغم من أن العالم أصبح أكثر ترابطا من أي وقت مضى، إلا أن الشعور بالوحدة بات ينتشر بشكل متزايد. الدراسات تشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تعزز هذا الشعور، حيث يجد المستخدمون أنفسهم يقارنون حياتهم الواقعية بتلك المثالية التي يرونها على صفحات الآخرين.
هذا يدفع بعض إلى اللجوء إلى هذه المنصات ليس فقط لمشاركة تفاصيل حياتهم اليومية، بل أيضا لتكوين علاقات جديدة تعوض النقص الاجتماعي في حياتهم. مثلما يوضح محمد عبدالرحمن، في الثلاثينيات من عمره، الذي نشر على حسابه الشخصي طلبا بسيطا: "أبحث عن أصدقاء في مدينتي للخروج والمشي مساء، فليس لدى أصدقائي اهتمام بالرياضة".
يوضح محمد أنه لم يتوقع أن يتلقى استجابة كبيرة من غرباء عرضوا الانضمام إليه، ليصبح بعضهم فيما بعد أصدقاء مقربين.
ويضيف: "كان الأمر غريبا في البداية، لكنني أدركت أنني لست الوحيد الذي يشعر بهذه الوحدة". كما يشير إلى أن العلاقات التي تنشأ عبر السوشال ميديا يمكن أن تكون علاقات حقيقية، وليست سطحية كما يقال. فبوجود أشخاص ذوي اهتمامات مشتركة، وحب لشيء معين، وتقارب فكري، يمكن لهذه العلاقات أن تنمو وتصبح ذات مغزى عميق.
يقول اختصاصي علم الاجتماع حسين خزاعي إن هذا الأسلوب يتيح فرصة لتلاقي الأرواح المتشابهة. عندما يكتب أحدهم "أريد رفيقًا لرياضة المشي"، فإنه يعبر عن حاجة بسيطة، لكنها تحمل بعدا عميقا، مثل الرغبة في الانتماء والمشاركة".
ويضيف خزاعي أن من يسعى للتعرف على شخص جديد في حياته غالبا ما يبحث عن الهروب من الانهيارات التي نشأت في علاقاته الاجتماعية ضمن دائرة معارفه القريبة، ليجد الأمان في أناس جدد، بعيدا عن الأحكام المسبقة على شخصه أو حياته التي يعرفها الآخرون.
أسباب استخدام هذا الأسلوب تكمن في سهولة الوصول، حيث إن نشر منشور على السوشال ميديا يعد أسرع وأكثر فعالية من محاولة بناء صداقات جديدة في الحياة اليومية. كما يؤكد خزاعي أن هذا الأسلوب يخفف من التوتر الناتج عن التفاعل الأول وجها لوجه، مما يجعل التواصل أكثر راحة وسلاسة.
والأهم حسب خزاعي أن السبب أو القصد من التعرف ظاهر حسب المنشور لقراءة رواية معا ونقاشها على سبيل المثال أو لرياضة السير أو الجلوس والتحدث وغيرها الكثير من الأسباب، مما يساعد المستخدمين على العثور على أشخاص يشاركونهم الاهتمامات ذاتها في منطقة جغرافية محددة.
ويرى خزاعي أن هذا التصرف، إذا كان الشخص واعيا بمن يختار لقضاء الوقت معه، يمكن أن يكون له أثر نفسي واجتماعي إيجابي، حيث يعزز الشعور بالانتماء ويساهم في كسر حاجز العزلة.
تؤكد المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني أن الأشخاص الذين يلجأون لهذه الطريقة في التعرف على الآخرين يعانون غالبا من شعور بالوحدة، حتى وإن كانوا محاطين بالكثير من الأشخاص. قد تكون هذه الوحدة ناتجة عن العيش في منطقة أو بلد جديد، أو بسبب افتقارهم لأشخاص يشاركونهم نفس الاهتمامات، أو نتيجة خذلان متكرر من صداقات سابقة، مما عمّق شعورهم بالعزلة.
أما من يوافق على هذه الدعوات، فقد لا يكون السبب هو الشعور بالوحدة دائما. فهناك أشخاص يدفعهم الفضول والرغبة في المعرفة إلى توسيع دائرة علاقاتهم وخوض تجارب جديدة.
وتشير الكيلاني إلى أن البعض ينجذب للتعرف على أشخاص من ثقافات وخلفيات متنوعة، وقد يكون ذلك مرتبطا برغبتهم في اكتساب أفكار وتجارب جديدة. وأحيانا، تدفع ظروف السفر للعمل أو الدراسة البعض إلى اللجوء للتطبيقات والمنصات الرقمية للعثور على أصدقاء في أماكنهم الجديدة، مما يسهم في تسهيل اندماجهم في المجتمع المحلي واكتشاف المناطق والثقافات المحيطة بهم.
ومع ذلك، يحذر الدكتور حسين خزاعي من مخاطر هذه العلاقات، موضحا: "احيانا تكون محفوفة بالمخاطر، لذا يجب على الفرد أن يكون واعيا. فقد يواجه اشخاصا غير جادين أو استغلاليين، أو يتعرض لخيبة أمل إذا لم تلب توقعاته". كما أن الاعتماد المفرط على وسائل التواصل الاجتماعي لإشباع الحاجة إلى التواصل البشري قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والاجتماعية.
يرى الدكتور خزاعي أنه من الضروري التأكد من صدق النوايا قبل اللقاء الشخصي، مع اختيار أماكن عامة وآمنة عند اللقاء الأول، وبناء العلاقة بشكل تدريجي دون التسرع في منح الثقة. ويؤكد أن البحث عن أصدقاء عبر السوشال ميديا يعكس تحولا في طبيعة العلاقات الاجتماعية في العصر الحديث.
كما يشدد على أن الاعتماد المفرط على العلاقات الافتراضية قد يؤثر سلبا على العلاقات الواقعية. وينصح باستخدام التطبيقات أو المنصات التي توفر تدابير أمان جيدة، مثل التحقق من الهوية، مع تجنب مشاركة معلومات شخصية حساسة، كالعنوان، البيانات البنكية، أو الصور الخاصة. ويشير إلى أهمية الحفاظ على الواقعية في التوقعات، حيث قد تختلف الشخصية الافتراضية عما هي عليه في الواقع.
اليوم، أصبح البحث عن الصداقات عبر السوشال ميديا أداة فعالة تمكن الأفراد من التغلب على الوحدة واستكشاف علاقات جديدة. ومع ذلك، يتطلب الأمر وعيا وحذرا لتجنب المخاطر المحتملة. يبقى التوازن بين العلاقات الافتراضية والواقعية هو الطريقة لتجربة اجتماعية إيجابية ومستدامة.