رشا كناكرية
عمان- في اللحظة التي لا تلقى فيها صورة نشرها أحدهم على عدد كاف من الإعجابات، قد يسارع إلى حذفها. آخر يربط عدم متابعة صديقه له بضعف العلاقة بينهما، وهناك من يفسر "قلبا أحمر" بداية قصة حب. وحتى الردود المتأخرة على الرسائل تعد دليلا على قلة الاهتمام.
هذه الممارسات الرقمية التي قد تبدو بسيطة لكنها تعكس واقعا أكثر تعقيدا، حيث تساهم السوشال ميديا في السيطرة على مشاعر الأفراد وتوجيه طريقة تفكيرهم، ما يؤثر سلبا على علاقاتهم الاجتماعية.
إشعار بعد الآخر يظهر على الشاشات الذكية، يؤثر في المشاعر ويسيطر عليها. وبين "لايك، تعليق، فولو، وأنفولو"، وغيرها من التفاعلات، تحولت هذه الأدوات الرقمية إلى أدوات تتلاعب بعواطف الإنسان وتؤثر على طريقة تفكيره بموافقته!.
اليوم، نعيش في عالم رقمي تتعدد فيه منصات التواصل الاجتماعي، وانتشرت معها مصطلحات جديدة أصبحت جزءا من الحياتة اليومية، بل وأخذت تسيطر على المشاعر، حتى أنها تؤثر على "ثقتنا بأنفسنا" في غياب التفاعل الرقمي.
بات "اللايك" يحمل معنى خاصا، والرد المتأخر يعني شعورا بالإهمال، والمتابعة أو الحظر أشبه برسائل واضحة. هذه المصطلحات لم تعد مجرد أدوات تقنية، بل تحولت إلى لغة جديدة نتعامل بها يوميا. ومع ذلك، هناك من يسمح لهذه الأفعال الرقمية أن تسيطر على مشاعره، وتتلاعب بعقله وقناعاته وتعاطيه مع الأشياء من حوله.
الشابة نور (22 عاما) تجسد هذا الواقع، حيث تقول إنها عندما تنشر صورة جديدة على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، تراقب هاتفها باستمرار لمتابعة عدد الإعجابات والتعليقات التي تحصل عليها. تضيف أنها قد تستيقظ في منتصف الليل فقط لتتفقد من وضع "لايك أو قلب" على صورتها.
وتعترف نور بأنها تتابع إشعارات هاتفها دقيقة بدقيقة لتشعر أن الصورة التي نشرتها نالت إعجاب الآخرين. وقد تصل في بعض الأحيان إلى حذف الصورة إذا لم تجد تفاعلا كافيا، مما يعكس مدى تأثير السوشال ميديا على حالتها النفسية وثقتها بنفسها.
تشير نور إلى أن قلة التفاعل على ما تشاركه عبر منصات التواصل تؤثر بشكل مباشر على ثقتها بنفسها، حيث تفقد الحماس تجاه صورها وتبدأ في التشكيك بجمالها وقيمتها ومكانتها.
أما الشاب عمر (26 عاما)، فيدرك تماما أن الإشعارات ليست سوى نقرة زر على الهاتف، لكنه يعاني من صديق مقرب يفكر بشكل مختلف، ما يسبب توترا في صداقتهما.
يقول عمر إنه يشعر أحيانا بأنه مجبر على وضع "لايك أو تعليق" على "ستوري" الخاص بصديقه، لأن غيابه قد يفسر على أنه عدم اهتمام أو إشارة إلى أن المحتوى ليس جميلا. كما أن تأخره في الرد على الرسائل يعد تجاهلا، بالرغم من أنه قد يكون منشغلا بأمور أخرى، وهو ما تسبب في خلافات ومناكفات بينهما.
ووفق عمر فإن إشعارات السوشال ميديا باتت تسيطر على عقول الكثير من الشباب، حيث تؤثر على طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع الآخرين، ولهذا، اختار أن يوضح لصديقه وجهة نظره، مؤكدا أن العلاقات الحقيقية يجب أن تكون أعمق من "لايك، فولو، أو بلوك"، وأن على الفرد أن يكون واقعيا وألا يفسر الأمور بأكثر مما تستحق.
من الناحية النفسية، يوضح الاختصاصي باسل الحمد أنه من المهم التمييز بين الأفكار، المعتقدات، والمشاعر. فالمشاعر هي استجابات نفسية وفيزيولوجية مثل الغضب، الحزن، الفرح، والخوف، بينما الأفكار هي وجهات نظرنا حول الحياة والأشخاص والأشياء. أما المعتقدات، فهي مجموعة الأفكار المتراكمة.
ويضيف الحمد أن المعتقدات بمثابة النظارة التي نرى من خلالها الواقع، ونتفاعل مع التجارب والخبرات. هذه المعتقدات تتشكل عبر التربية، قيم الوالدين، خبرات الفرد الشخصية، بالإضافة إلى التحيزات التي يكتسبها مع الوقت.
وينوه الحمد إلى أن تأثير السوشال ميديا ينبع من قدرتها على مخاطبة الحاجات الأساسية للإنسان، مثل الشعور بالانتماء أو القبول، وتحفيز المشاعر الغريزية لديه.
ويبين الحمد أن البناء الاعتقادي للنفس يتشكل منذ الطفولة من خلال تفاعل الطفل مع والديه والقيم والمعاني التي ينقلها هذا التفاعل. فإذا كانت العلاقة مبنية على المحبة، الحوار، الفضول، الفهم، اللعب، والاستكشاف، فإن الطفل يكتسب أساسا اعتقاديا سليما يصعب أن تؤثر فيه منصات السوشال ميديا.
أما إذا كانت العلاقة قائمة على الخوف، كبت المشاعر، إنكار الحاجات، وعدم السماح بالتعبير عن الأفكار، فإن تشكيل بناء اعتقادي صحي يصبح معقدا. ويضرب الحمد مثالا: إذا قلل الأبوان من جهود الطفل في المدرسة، فإنه سيشعر بعدم قدرته على أداء مهام معينة، وقد يلجأ إلى تعويض هذا الشعور الناقص من خلال السوشال ميديا، التي تمنحه إحساساً زائفا بالاتصال والقبول من الآخرين.
ويضيف الحمد: "عندما تصبح السوشال ميديا هي الوسيلة البديلة للاتصال، فإنها تتحول إلى الخيار الأسهل والأسرع لتلبية حاجات القبول والتقدير. فقد يتساءل الطفل: من يحتاج إلى أبوين متفهمين إذا كان لدي جمهور من المتابعين على السوشال ميديا"؟
يرى الحمد أن تحقيق التوازن النفسي يتطلب من الفرد أن يمتلك قيما ورؤية واضحة وأهدافا محددة في حياته، إلى جانب ممارسة هواياته بشكل منتظم. كما يشدد على أهمية بناء شبكة علاقات اجتماعية قوية تدعم الفرد وتقيه من الانجرار نحو إدمان وسائل التواصل الاجتماعي.
وينصح الحمد بتحديد أوقات محددة لاستخدام وسائل التواصل، مع تجنب قضاء فترات طويلة وغير منضبطة في تصفح الإنترنت، لما لذلك من آثار سلبية.
وفي هذا السياق، أجرت كلية الطب بجامعة هارفارد دراسة شملت جمع بيانات حول تكرار استخدام الشباب والأشخاص فوق سن 18 عاما لمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة. قارن الباحثون هذه البيانات بتصميم اختبار يقيس مدى شعور المشاركين بالانزعاج والتأثر بسبب الاستخدام المفرط لهذه المنصات.
وأجرت كلية الطب بجامعة هارفارد دراسة وجمع خلالها الباحثون بيانات عن مدى تكرار استخدام الشباب والأشخاص فوق سن 18 عاما لمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة وقارنوا البيانات بتصميم اختبار لقياس مدى انزعاجهم.
وتوصلت الدراسة إلى أن أولئك الذين قضوا وقتا أطول في استخدام المنصات الرقمية كانوا أكثر تأثرا من الناحية النفسية.
وكشفت الدراسة أن الأشخاص الذين استخدموا وسائل التواصل سجلوا 3.37 نقطة أعلى على مقياس الانزعاج مقارنة بآخرين لم يستخدموا هذه المواقع.
كما أوضحت الدراسة أن ليست جميع مواقع السوشال ميديا لها تأثير نفسي على مستخدميها، ولكن في الوقت ذاته أكدت على أهمية الاعتدال في استخدامها وتجنب الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، موضحة أن استخدامها لا يسبب الانفعال فحسب، بل يؤثر أيضا على المشاعر النفسية والعاطفية للأشخاص.
وكشف تقرير أصدره موقع "داتاريبورتال" العالمي مؤخرا إن عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن سجل عام "2024 " 10.33 مليون مستخدم".
وبحسب التقرير العالمي، فقد زاد عدد مستخدمي الإنترنت بمقدار 100 ألف مستخدم وبنسبة تصل إلى 1 % مقارنة بعدد المستخدمين المسجل في عام 2023، عندما بلغ قرابة 10.23 مليون مستخدم.
ووفقا للتقرير، فقد بلغت نسبة انتشار الإنترنت 91 % لدى المقارنة بعدد السكان الذي يقدر بنحو 11.36 مليون نسمة.
وأكد التقرير أن نسبة مستخدمي السوشال ميديا إلى السكان تقدر بحوالي 56.2 %، وأن نسبة الذكور من إجمالي المستخدمين تبلغ 53.1 %، ونسبة الإناث تقدر بحوالي 46.9 %.