رشا كناكرية
يوما بعد آخر، يزداد شعور سامية بوجود فجوة عمرية بينها وبين أطفالها، حيث يبلغ ابنها البكر تسع سنوات، بينما ما يزال الأصغر في الثالثة.
تتحدث سامية عن هذا الشعور، موضحة أن إحساسها بالفارق الزمني بينها وبين أطفالها خصوصا في هذا الزمن المتطور والمتسارع، يقلقها، رغم كل محاولاتها وزوجها لقضاء أغلب الوقت معهم، والقيام بنشاطات تناسب أعمارهم، وتلبية احتياجاتهم الطفولية.
وتشير إلى أنهم كلما كبروا، تزداد مخاوفها من أن الفجوة بينهم ستتسع، خصوصا عندما يصلون إلى مرحلة المراهقة والنمط الاستهلاكي للحياة.
يشعر بعض أولياء الأمور بأن هناك "فجوة عمرية" مع هذا الزمن المتغير والمتسارع بتطوره، تفصلهم عن أطفالهم. لكن في الواقع، قد يكون هذا الشعور انعكاسا لطريقة تفكيرهم، حيث يضعون حاجزا غير مرئي بينهم وبين أبنائهم دون أن يدركوا ذلك.
في الحقيقة، مفتاح التقارب بيدهم وحدهم، فهم من يستطيعون تحقيق التوازن المطلوب ليكونوا أقرب إلى أطفالهم، لا مجرد آباء، بل أصدقاء ايضا. فالصداقة بين الوالدين وأبنائهم قد تكون طوق النجاة الذي يوجههم نحو قرارات صحيحة.
التربية عملية تراكمية
يوضح الاستشاري الاجتماعي الأسري، مفيد سرحان، أن تربية الأبناء يجب أن تستند إلى أسس واضحة وقواعد متينة تسهم في بناء إنسان فاعل ومنتم لأسرته، ووطنه وأمته.
ويشير سرحان إلى أن التربية عملية تراكمية يشارك فيها الوالدان والأشقاء الأكبر سنا، وصولا إلى المؤسسات التربوية، ووسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمجتمع بشكل عام. ويختلف تأثير كل منها بحسب دور الوالدين، وأثر المؤسسات التعليمية، ومحتوى المناهج، وما تبثه وسائل الإعلام ومنصات التواصل.
ورغم تعدد العوامل المؤثرة، يبقى دور الوالدين الأكثر أهمية، خصوصا في المراحل الأولى من حياة الطفل. لكن ذلك يتطلب وعيا ومسؤولية، بحيث لا يتم التخلي عن هذه المهمة لعاملات المنزل أو لمواقع التواصل الاجتماعي التي أثرت بتفكير الصغار، سواء بسبب انشغال الأهل بالعمل.
ويفسر سرحان أن الاستمتاع بتربية الأبناء يقرب الآباء والأمهات منهم ويجعلهم حريصين على تطوير مهاراتهم في التربية، فإعداد الوالدين لتربية الأبناء يجب أن يبدأ من قبل إنجاب المولود الأول من خلال القراءة وحضور الدورات التي تنمي عند الزوجين المهارات الأساسية في التربية.
تأخر سن الزواج
ومن جهة أخرى يبين سرحان أنه كلما تأخر سن الزواج بالنسبة للشاب والفتاة زاد الفارق بين أعمارهما وأعمار الأبناء، إضافة إلى تأخر بعض الأزواج في الإنجاب لعدة سنوات إما برغبة منهما أو لأسباب تتعلق بالزوج أو الزوجة.
وفي هذه الحالات فإن من المهم أن يعمل الوالدان على التقليل من الآثار للفارق العمري مع الأبناء بحسب سرحان، وألا يكون ذلك سببا في تقاعس الوالدين عن القيام بدورهما بحجة الفجوة والشعور بأن هذا الواقع يفقدهما القيام بمسؤولية التربية.
ويؤكد أن الشعور بالمسؤولية والأمانة تجاه الأبناء هو الدافع الأهم للوالدين في بذل الجهد والصبر والتحمل وتطوير الذات وتنمية المهارات والقدرات والاستفادة من خبرات الآخرين.
ويشير إلى أن الدافعية وإدراك أهمية الدور المطلوب تساعدان في التغلب على المشكلات الصعاب، أما الاستسلام والأحكام المسبقة تؤديان إلى الإحباط والفشل.
ويوضح أن الأمومة والأبوة وحاجة الطفل إلى الأمان والحضن الدافئ، عوامل تعني أن هنالك مسؤولية وتفاعلا فطريا بين الآباء والأبناء، وأن الوالدين من يقرران استثمار ذلك وتوظيفه إيجابيا في عملية التربية.
تطوير مهارات الآباء تكنولوجيا
ويذكر سرحان، أنه من العوامل التي تساعد على التقليل من أثر الفجوة العمرية بين الآباء والأبناء هو حرص الوالدين على تطوير مهاراتهم التكنولوجية، والبحث عن هوايات واهتمامات مشتركة مع الأبناء وتعزيز لغة الحوار والنقاش داخل الأسرة والاستفادة من الفارق العمري ليكون فرصة لتبادل الأفكار ونقل التجارب وليس وسيلة للتباعد وزيادة الفجوة.
ووفق سرحان، فإن الفجوة العاطفية قد تكون أخطر من الفجوة العمرية إذا لم ينتبه الوالدان لذلك، فإن الانتباه إلى تعزيز الثقة المتبادلة مع الأبناء وإشعارهم بالأهمية، والقدرة والوعي بحيث يمكن الاعتماد عليهم في بعض المهام التي تتناسب من المرحلة العمرية للأبناء مما يعزز من التفاهم.
ويعتقد أنه مع الفارق العمري فإنه يمكن بناء علاقات أقرب إلى الصداقة مع الأبناء، والتي تشعر الأبناء بالتقدير وتعزز الثقة بالنفس وهو أمر ضروري لبناء الشخصية مع الحرص على الاحترام المتبادل والاهتمام بالقدوة الحسنة من جانب الآباء.
والقدوة الحسنة هي أفضل وسائل التربية وأكثرها تأثيرا، وكما أن إدراك الآباء والأمهات لاهتمامات الأبناء يقلص الفجوة ويقوي العلاقات مع عدم إغفال الجوانب العاطفية وهي حاجة أساسية للأبناء يعبر عنها الوالدان بطرق مختلفة مع زيادة مساحة ووقت اللقاء الأسري اليومي حتى مع انشغالات الوالدين واعتبار الأسرة له أولوية.
إلى ذلك، وعي الوالدين بالمراحل العمرية للأبناء واحتياجات كل مرحلة يساعد الآباء على القيام بدورهما.
فهم احتياجات الأبناء
ومن الجانب التربوي يبين الاختصاصي عايش نوايسة أن الفجوة التي قد تشعر بها الأم أو الأب هي في الأساس حالة من "التوهان" بسبب نقص الخبرة والثقافة والمعرفة التي تسمح لها بالتعامل مع أبنائها.
وبناء على ذلك، يجب على الوالدين أولا أن يدركوا كيفية التعامل مع هذا الشعور وتجنبه، وذلك من خلال القراءة وتثقيف أنفسهم لفهم احتياجاتهم كآباء، ومعرفة الطرق التي تساعدهم على تجاوز الإحساس بالفجوة العمرية بينهم وبين أبنائهم.
ويؤكد نوايسة أن الأم قادرة على تحقيق التوازن في علاقتها مع أطفالها، كما يمكنها بناء علاقة صداقة معهم، حيث إن دورها الأساسي يتمحور حول تقديم الرعاية والتوجيه بحكم خبرتها ومعرفتها.
وبالمثل، يلعب الأب دورا محوريا في هذا التوازن، فإذا قام كل منهما بدوره على أكمل وجه، فلن يواجها هذا الشعور.
ويضيف نوايسة، على الوالدين أن يكونوا قريبين من أبنائهم، مدركين لاحتياجاتهم واهتماماتهم وطريقة تفكيرهم، ليتمكنوا من بناء علاقة صداقة حقيقية معهم. وهذا القرب لا يتحقق إلا من خلال تواصل يومي مستمر.
ويوضح أن التواجد اليومي مع الأبناء يمنح الوالدين الفرصة لفهم الطريقة الأمثل للتعامل معهم، ويوفر لهم الراحة والأولوية في تلبية احتياجاتهم بطريقة سليمة، مما يعزز العلاقة الأسرية ويجعلها أكثر توازنا.
ويختتم نوايسة حديثه بالتأكيد على أن بناء هذه الصداقة منذ الصغر يساعد الأبناء في المستقبل على اتخاذ قرارات صائبة، إذ تسهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتطوير تفكيرهم، وتمكينهم من التصرف بحكمة. وذلك لأنهم نشأوا في بيئة متوازنة تدعم نموهم الاجتماعي والتربوي.