سامر المقداد

اختتمت، ليل أمس الخميس، حملة "أبشري حوران" التي انطلقت في 30 أغسطس/ آب الماضي في الموقع الأثري البارز بمدينة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، وجمعت 40 مليون دولار ستُوظف في مشاريع خدماتية بمحافظة درعا. وقد لاقت فعاليات الحملة حضوراً جماهيراً واسعاً قدّر بآلاف حضروا إلى المدرج الروماني وترافقت مع فعاليات من المجتمع المدني. كما حضر ممثل مضافة الكرامة في السويداء الشيخ ليث البلعوس، وقائد تجمع "أحرار جبل العرب" الشيخ سليمان عبد الباقي.

ولم يقتصر الحدث على بصرى الشام، إذ امتدت الفعاليات إلى مدن رئيسية في المحافظة، شملت درعا، نوى، الحراك، حيث أُقيمت نقاط بث مباشر وشاشات عرض عملاقة سمحت للسكان بمتابعة النشاطات، كما أنشئت خيام مركزية وفرعية بالتعاون مع المجالس المحلية في إزرع، حيط، طفس، وخربة غزالة، لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية. وفي الأرياف والبلدات المحيطة، لعبت المساجد دوراً محورياً في تفعيل الحملة، من خلال خطب الجمعة التي دعت إلى التبرع. وساعد هذا الترتيب في تعزيز انخراط القرى بالحملة.

وأكد غسان جاموس، عضو لجنة العلاقات العامة في حملة "أبشري حوران"، في حديثه "للعربي الجديد"، أن "إطلاق الحملة كان تحدياً كبيراً للقائمين عليها، خاصة في ظل أزمة الثقة التي تراكمت خلال السنوات الماضية بين المجتمع المحلي والمنظمات الخيرية والمبادرات المدنية. وقد رافقت الشفافية المطلقة الحملة منذ لحظة إعلانها ومتابعة الأهالي تفاصيل مشاريعها، وكانت سبباً رئيسياً في نجاحها، وتمثلت أبرز رسائل الحملة في الدعوة إلى إعادة السياحة إلى المحافظة، وتعزيز مشروع الأمان والاستقرار في الجنوب السوري، وهذه الأهداف ستتحقق".

وقال أسامة المقداد من المكتب الإعلامي لمحافظة درعا لـ"العربي الجديد": "بدأت المحافظة في إطلاق مشاريع تنموية ضمن حملة أبشري حوران لتعزيز الخدمات للمواطنين، وبحث محافظ درعا، أنور الزعبي، مع كوادر مديريات التربية والصحة ومياه الشرب بالمحافظة التحضيرات الجارية لإطلاق مشاريع لتأهيل وصيانة عدد من القطاعات الحيوية تشمل المدارس وآبار مياه الشرب والمراكز الصحية والمستشفيات". تابع: "تعمل المحافظة بكل طاقتها لدعم هذه المشاريع من خلال حملة أبشري حوران التي جمعت مبالغ مالية لتنفيذ مشاريع تخدم الصالح العام، وأهمها توفير مياه الشرب، وتأمين المستلزمات الصحية والمدارس". وأكد الزعبي خلال الاجتماع أن تنفيذ المشاريع ستحصل بمشاركة القطاعين العام والخاص، وستشمل العمليات تأهيل نحو 200 مدرسة متضررة وترميمها، وتنفيذ مشاريع لدعم الموارد المائية والقطاع الصحي بالمستلزمات المطلوبة وغيرها من المشاريع الملحة.

وأوضح المقداد أن "أولى أعمال حملة أبشري حوران بدأت فعلاً في الظهور من خلال بدء صيانة محطة الأشعري لزيادة الوارد المائي لمدينة نوى في ريف درعا الغربي بمقدار 250 متراً مكعباً في الساعة، وصيانة خطوط الكهرباء لتشغيل محطة الضخ إلى المدينة بكفاءة عالية".

في السياق، أوضح الكاتب بشير حمد أن "أهمية الحملة ليست في حجم الأموال التي جُمعت أو أسماء المتبرعين، بل في ما كشفه هذا الحدث من روح جديدة في المجتمع السوري بحوران. روح التحرر والمبادرة والقدرة على التنظيم بعد عقود من التهميش والقيود. وبدا واضحاً أن روح الانتماء الأصيلة دفعت الناس للعطاء، وإظهار الغيرة على الأرض والأهل والوطن. وشكل المشاركون لوحة من مختلف أطياف المجتمع قدّم فيها كل فرد ما يستطيع. وهكذا أصبح القليل والكثير مجرد مفاهيم نسبية لا قيمة لها أمام جوهر الانتماء إلى حوران، ولم تكن الأسماء هي الأهم، بل ما جسّدته هذه المشاركة من وحدة مجتمعية حقيقية. لم تكن إن أبشري حوران مجرد حملة عابرة، بل محطة فارقة عكس تحرر الإرادة الشعبية وقدرتها على صنع الفعل بعيداً عن وصاية السلطة، وأكدت أن المجتمعات الحية قادرة دائماً على النهوض مهما طال ليل الاستبداد".

من جهته، تمنى المهندس محمد نزيه سرور،  وهو أحد المتبرعين، في حديثه لـ"العربي الحديد"، أن تصبح هذه المبادرات تقليداً سنوياً، وتساهم حملة "أبشري حوران" في تحقيق أهدافها المتمثلة في تحسين وصول السكان إلى المياه النظيفة، خاصة بعدما تجاوز سعر صهريج المياه 250 ألف ليرة، وتطوير بيئة المدارس للطلاب التي تضررت نتيجة أعمال التدمير المنهجية لنظام المخلوع، إضافة إلى تعزيز جودة الخدمات الصحية. وأوضح أن هذه الجهود "ستساهم في رفع مستوى المعيشة وتسهيل الحياة اليومية، كما ستعمل على تخفيف الأعباء المالية المرتفعة للعمليات الجراحية التي باتت تكلفتها عشرات الملايين، وتُجرى غالباً في مستشفيات العاصمة دمشق، حيث تتطلب عملية واحدة استنفار كل أهالي القرية لمساعدة المريض على تغطية تكاليفها".

وحول ما تمثله الحملة، قال مدير فريق "معاً أبناء سوريا" محمد المحمد لـ"العربي الجديد": "عكست الحملة رغبة مجتمع حوران في المشاركة الفعالة في البناء وإعادة الإعمار. أبناء حوران هم جوهر هذه الأرض، ويحملون طموحاً كبيراً لرؤية تخلص مدنهم وقراهم من آثار الحرب لتعلن بداية جديدة لحوران. بعثت الحملة رسائل داخلية تفيد بأن الشعب السوري جزء أصيل من عملية التغيير والبناء، وأنه اليوم أمام تحدٍ كبير لإثبات قدرته على النجاح وتجاوز المحن. وأبرز ما ميّز حفل الافتتاح هو المزج بين الثورة والتراث، وهما ركيزتان أساسيتان لما يطمح السوريون في أن تكون عليه حوران وسورية في المستقبل". وأضاف: "تحمل هذه المبادرات قيمة رمزية وعملية في آن واحد، فهي تعكس الوعي الجماعي بأهمية التكاتف والعمل المشترك، وتؤكد أن إعادة الإعمار لا تقوم فقط على الحجر، بل أيضاً على تعزيز الهوية والانتماء، وإحياء الروح الوطنية التي تشكل أساس أي نهضة حقيقية".

وجمعت حملة "أبشري حوران" نحو 40 مليون دولار، من بينها 10 ملايين دولار من الحكومة، بحسب ما كشف وزير المالية يسر برنية، الذي أكد أن "إعادة إعمار سورية لن تتحقق إلا عبر شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع ورجال الأعمال". كما تبرع رجل الأعمال موفق قداح المتحدر من درعا بـ10 ملايين دولار، ما اعتبره البعض خطوة محفزة لباقي المستثمرين وأبناء المحافظة.

JoomShaper