رشا كناكرية

عمان- هاتف ذكي ولوح رقمي "آيباد" في أيدي أطفال صغار وكبار، مشهد معتاد أصبحنا نراه اليوم في كل بيت وشارع، يقابله تقبل واعتياد لهذا السلوك الذي بات طبيعيا في عصرنا الحاضر، حيث التكنولوجيا الحديثة هي المحرك الأساسي لحياتنا.

ومن جانب آخر، أصبحت رؤية الكتاب والقصص في أيدي الأطفال شيئا غريبا وملفتا للنظر، والحقيقة أنه فيما مضى كان الكتاب الرفيق الأول للإنسان، وكانت قراءة القصص المتعة التي ينتظرها الأطفال في نهاية اليوم.

لكن الحال تبدل اليوم، وأصبح العالم الرقمي مساحة الخيال التي يتجول الأطفال فيها من خلال شاشة صغيرة. وبين التطور والتمسك بقيمة الكتاب، يبحث أولياء الأمور والمدارس اليوم عن طرق يعيدون بها الأطفال إلى شغف القراءة وعالم الكتاب الذي يحمل في طياته مهارات تجعل الطفل مميزا.

ومع بداية العام الدراسي، تصبح المكتبة المدرسية الفرصة الأكبر لتعلم الأطفال مهارات القراءة والبحث، وللتعرف على شغف القراءة والمتعة التي تختبئ بين طيات الكتب.

أمينة المكتبة وفاء خصاونة أكدت بدورها أن المكتبة هي القلب النابض في المكان الذي تتواجد فيه، سواء في المدرسة أو الجامعة أو المجتمع ككل، ومنها يستقي الفرد المعلومة ويبحث عن المعرفة، فالكتاب هو المرجع الأساسي الذي يعود إليه للحصول على المعلومة.

وتبين خصاونة أن وزارة التربية والتعليم الأردنية تعزز ذلك من خلال إقامة مسابقات للقراءة بين الطلاب، وهذا بدوره ينمّي مهاراتهم القرائية، وأبرزها مسابقة "تحدي القراءة" التي تقام على مستوى المملكة، والتي تسهم في تنمية الشغف عند الطلاب، والكثير منهم يشاركون فيها.

كما يوجد نشاط "ماراثون القراءة" الذي تطلقه وزارة التربية سنويا، ويعقد بالتعاون مع وزارة الثقافة، حيث يخصص يوم لهذا النشاط بحيث يذهب كل صف إلى المكتبة ولو لساعة واحدة، ويتم تسجيل عدد القصص التي قرأها الطلاب وما المواد التي اطلعوا عليها، ثم ترفع الإحصائية لوزارة الثقافة، وذلك في سبيل تعزيز القراءة لدى الطلبة.

وأضافت خصاونة أنه لم يعد كما في السابق؛ أن يطلب المعلم من الطالب إعداد بحث علمي في المادة، إذ أصبح هذا الدور ضعيفا نوعا ما في المكتبة، نظرا لزخم المناهج الدراسية بالنسبة للطلاب، واتجاههم للحصول على هذه الأمور بشكل إلكتروني.

وأشارت خصاونة إلى أنه يتم أيضا تشجيع الطلاب عبر الإذاعة المدرسية، إذ يحضرون موادها من خلال المكتبة، كما يتم تفعيل دور المكتبة في حصص الأنشطة، بحيث يجلس الطلاب ويقرأون.

وتؤكد خصاونة أن المكتبة لها دور مهم في تعزيز الابتكار والإبداع والتفكير لدى الطالب، مبينة أن الطالب عندما يدخل للمكتبة تتيح له المجال أن يبحث عن المعلومة التي يريدها، والحرية في اختيار الموضوع الذي يحب أن يقرأ فيه، وهذا يعزز لديهم نوعا من أنواع الابتكار والتفكير بحيث إذا كان لديه اهتمامات معينة يبحث في المجال الذي يحبه.

وبحسب خصاونة فإن دور أمين المكتبة هو موجه ومعزز للطالب كوصي مطلع بكل موضوع أين يكون مصنفا ويوجهه للأماكن التي يمكن أن يحصل فيها على المعلومة.

وتؤكد خصاونة أنه إذا كان هنالك وقت كاف للطالب يكون لديه توجه للقراءة، وعلى مستوى مكتبتها في المدرسة تشعر أن الطالب في فترة الامتحانات الأولى نادرا ما يأتي يطلب ويستعير فوقته لا يسمح، بينما بالفترات التي تسبق نهاية الفصل الدراسي يصبح لديه القليل من الوقت يطلب الكتاب ويطالع ويقرأ.

نيفين الوادي، أمينة مكتبة في إحدى المدارس الأردنية،  تحرص على أن تحبب الأطفال بالقراءة بطرق مختلفة وتستهدف الفئات العمرية بشكل متنوع، موضحة أننا في عصر متطور وعالم رقمي، وهذا يؤثر على الطفل ويجعله يبتعد عن القراءة.

 الوادي تلفت إلى أن دورهم كأمناء مكتبات داخل المكتبة هو تحفيز الطلاب بطرق متعددة، مبينة أنها أوجدت نشاطات مختلفة منها نشاط "قطار المعرفة" الذي يعلق في المدرسة، حيث يصعد الطفل الذي يرغب بالمشاركة في القطار بعد أن يقرأ كتابا أو قصة أو شيئا أعجبه، ثم يكتب اسمه وصفه والتلخيص، ليعلق اسمه في القطار.

وتوضح الوادي أن هذا النشاط حبب الطلاب بالقراءة، كما شجع الأصدقاء بعضهم البعض على المشاركة، فهو نشاط يجمع بين الترفيه والمعرفة، ويجذب الطالب للمكتبة ليستعير الكتاب الذي يجذبه.

وتشير الوادي إلى أن هناك عدة طرق لجذب الطلاب إلى المكتبة، منها الأنشطة الحرة التي تُعدّها وتستقطب بها الطلاب، مبينة أنها كأمينة مكتبة تخصص حصة مكتبة يحضرها الطلاب للتعرف على أن المكتبات ليست مجرد رفوف.

كما تقدم الوادي جولة تعريفية ليتعرف الطالب على ماهية المكتبة ونظامها والواجبات والحقوق المترتبة عليه، ثم تعرفه على أقسام المكتبة بطريقة إرشادية كمحاضرة تعليمية.

وهنالك أيضا الأنشطة الإلزامية "الإجبارية" التي تتعاون فيها الوادي مع معلمات اللغة العربية واللغة الإنجليزية وأي مادة دراسية أخرى، حيث يملك الجميع جدول حصص مكتبية، وخلالها يمكن للمعلمة أن تعطي الطلاب اختبار اللحصول على معلومات، أو واجبا منزليا أو سؤالا، وبمساعدة أمين المكتبة يتمكن الطالب من الإجابة، مما ينمي لديه مهارات البحث.

وتضيف الوادي أن هنالك الكثير من الأنشطة، تحضرها على السبورة، وفي بعض الأحيان يشعر الطلاب بالملل، لا يُحبّون التلقين والبحث، لذلك نجتمع معًا على السبورة الذكية ونختار شيئًا تعليميًا، وأحيانًا تريهم مكتبات العالم، وماهية المكتبات.

وتذكر الوادي أنها أجرت بحثا عن الروبوتات في المكتبات، والذكاء الاصطناعي في المكتبات، وبحسب خبرتها تخبرهم أن هنالك مكتبات رقمية وافتراضية، ونظام مكتبات، ويستطيعون من خلالها وهم في منازلهم أن يحضّروا الكتب ويستعيروا، ويحصلوا على المعلومات، وأن لديهم عالما مفتوحا، وجميع المعلومات بين أيديهم، مبينة أنها بذلك دخلت إليهم من الباب التكنولوجي الذي يحبونه، واعتادوا عليه.

وكما تقول الوادي فإن هناك من لا يحب القراءة، وهناك من يحب الاستماع، لذلك لديهم كتب صوتية، مشددة أن علينا أن نواكب إلى أين يذهب الأطفال وندخل لهم من المدخل الذي يحبونه، وتقول "أنا أم وأشعر أنه إذا انجذب الطفل للكتاب وشرحتيه سيحبه فعلينا ألا نتركه مبهما له، فمن لا يعرف المكتبة وماهيتها، وكيف تُكتب القصص، ويستفاد منها، لن يسعى لها من الأساس".

وتذكر الوادي أن لديهم قصصا يشاهدونها مثل السينما ويستفيدون منها، ولديهم نشاط قصة تبحث عمن يقرؤها، موضحة أن كل شخص لديه طريقة لتنشيط المكتبة، فهنالك دودة القراءة، ولوحات تعريفية وتعليمات، وعبارات تحث على القراءة، لكل منها أسلوب مختلف، وهي تقدم هدايا مثل قلمًا جميلًا، أو لوح شوكولاتة، لتشجع الطلاب على القراءة.

وتشير الوادي إلى أن هناك أنشطة عديدة فإذا تعرّفت على عالمهم، تدخل لهم من الباب الذي يحبونه، منوهة أنهم كانوا يعانون لعدم وجود طلاب يحبون القراءة لكن مع الأنشطة الإلزامية، كالبحث والقراءة والعلامات، فهم بذلك يقرأون ثم تبدأ عملية البحث، ويجد هذا الكتاب، ويعجبه وهذه طريقة غير مباشرة.

وتذكر أنها كذلك تشاهد معهم، فيلمًا وثائقيًا، عن عالم المكتبات، وكيف تستهدف الحضارات الأخرى معرفة دول أخرى وتدمرها، كما حدث في العراق وكيف دمروا مكتبات العراق لأنه علم ومعرفة.

من تجربتها في المدارس، تذكر أنهم كانوا يضعون في الحافلة قصةً مسموعة، حلقة قصيرة وتنتهي وينتظرون اليوم التالي ليستكملوا فهذا عنصر التشويق، لمعرفة القصة كيف انتهت مؤكدة أننا نحتاج إلى أن نشد ونرخي مع الطالب.

في مرحلة المدرسة الابتدائية، تروي لهم الحكواتي، ويشاهدون الصور، ومسرح الدمى، فحسب الفئة العمرية، تعرفون ما يجب استخدامه، مؤكدة انه كلما تعرّف الأطفال على القراءة، تحسّنت مهاراتهم فيها، وازداد حبّهم لها.

النقطة الأهم بحسب الوادي أنه يجب أن يستشير أولياء الأمور مدير المكتبة، لمعرفة ما إذا كان هذا الكتاب مناسبًا لهم للقراءة أم لا، لأن هناك كتبًا تناسب كل مرحلة عمرية، وهناك كتب تتناول مواضيع متنوعة ربما لا يؤثر هذا الكتاب على كبار السن، لكنه يؤثر على الأطفال وبدورها تنصحهم ماذا يقرأون وما يناسب أعمارهم.

من جانبه، يبين الخبير التربوي الدكتور عايش نوايسة أن واحدة من أهم التحديات التي تواجه المدارس بشكل عام هي كيف نوظف الطريقة التقليدية في القراءة وهي "المطالعة".

ويوضح أنه فيما مضى كان لدينا حصة "المطالعة والنصوص" كواحدة من الإستراتيجيات التي يجب أن تكون موجودة، بأن يذهب الطلاب خلال هذه الحصة ويحصلوا على المعلومة من المكتبة.

ووفق النوايسة فإن هذه الطريقة كان لها تأثير إيجابي، كما كان هنالك مسابقات ثقافية قرائية داخل المدرسة أو المسابقات المتعلقة بالأنشطة الثقافية التي كانت تعزز مهارات القراءة عند الطلاب، منوها أننا في كل سنة يشارك طلاب كثر في مسابقات القراءة الإقليمية وكل سنة التميز الأردني ظاهر بشكل كبير ومحفز.

ويشدد النوايسة على أن الإستراتيجيات يجب أن تتغير اليوم، إذ هنالك ما يسمى قراءة صوتية، فمن الممكن أن الطفل اليوم لا يملك القدرة أو الشغف، لذلك وجب علينا أن نتحول، فاليوم واحدة من الإستراتيجيات التي تستخدم في التعليم بشكل عام في الدول المتقدمة تتحقق بالقراءة الصوتية، وهذه تراعي أنماط التعلم عند الأطفال.

ويشير إلى أن الأطفال قسم منهم يتعلم بالسمع وآخر بالبصر وبمختلف الوسائل فهذه الطرق تراعي أنماط التعلم، لكن الحقيقة الآن يوجد تحد كبير جدا أمام المدارس لأن البرنامج الدراسي لا يسمح أن يكون هنالك حصص المطالعة والنصوص.

ويبين أن مؤشرات المشاركة في المسابقات الثقافية والأنشطة جميعها متراجعة جدا، واليوم العالم أجمع متأثر بنفس المعطيات والظروف لذلك يجب أن نغير من إستراتيجياتنا وطرقنا.

ويقول النوايسة اليوم طفل في مرحلة الروضة لا يصح المعلمة فقط أن تمسك القصة وتقرأها، صحيح الطريقة تساعد على الخيال والإبداع، لكن القراءة الصوتية كذلك تساعد الطفل وتنمي خياله، ولذلك المكتبات يجب أن يكون هنالك تحول لنربطه في عمليات التعلم والتعليم في المنهاج الرسمي في المدرسة نفسها.

ويذكر نوايسة أن التكنولوجيا أصبحت اليوم المرجع للكثيرين حتى المحبين للقراءة يخبرون أنفسهم الكتاب أجده على الإنترنت، وأصبح البعض يتقاعس، مؤكدا بذلك المكتبات الرقمية اليوم جزء من الحلول التي يجب أن نلجأ لها ونطور في شكلية التعليم ككل.

وبحسب النوايسة "لا شي يغني عن الكتاب الورقي ومطالعته ومتعته وطريقته ولكن لكل جيل زمانه ومكانه والطريقة التي يتعلم بها".

JoomShaper