بقلم: د. كمال إبراهيم علاونه
نابلس - فلسطين العربية المسلمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) }( القرآن المجيد – الأحقاف ) .
استهلال
يصادف سنويا في المجتمعات الغربية والشرقية دون الإسلامية ، يوم الأول من تشرين الأول – اكتوبر ( 1 / 10 ) يوم المسن العالمي ، حيث تبرز بعض وسائل الإعلام البصرية والسمعية والطباعية والانتر نت ، هذا اليوم العالمي وتتطرق لبعض خباياه وحيثياته الدينية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية . وتشكل فئة المسنين أو الكبار في السن الفئة القليلة الضعيفة أو المستضعفة أحيانا في المجتمع الإنساني العالمي الكبير على إختلاف الديانات والمذاهب والإيديولوجيات الإسلامية والرأسمالية والشيوعية في شتى قارات العالم وبقاعه . ولا تتجاوز هذه الفئة المسنة نسبة 10 % في المجتمعات كافة بقارات العالم . وفي الإسلام العظيم فإنه لا يوجد يوما واحدا محددا بعينه فقط للمسنين بل جميع أيام السنة هي أيام مسنين كغيرهم من أبناء الأسرة الواحدة ، تزخر بالرعاية والإهتمام العظيم الخلاق بالمسنين وذلك لأن المجتمع الإسلامي مجتمع مبني على التعاون والتعاضد القوي والتماسك الأسري الاجتماعي الشامل والمتكامل .
ومن المتعارف عليه ، أن فئة المسنين في العالم هي تلك الفئة الاجتماعية التي تجاوزت في عمرها الستين عاما ، إذ خصصت بعض بل الكثير من الدول قانون أو نظام التقاعد الوظيفي المدني أو العسكري للموظفين الحكوميين الذين بلغوا سن أل 60 عاما فأعلى ، بينما حددت أنظمة أخرى سن التقاعد أو إنهاء الخدمة إجباريا سن أل 65 عاما ، وهناك من الدول والأنظمة السياسية والاقتصادية من تحدد فئة التقاعد الاجتماعي أو الضمان الاجتماعي لمن بلغ فوق الخمسين عاما ، وكلها وجهات نظر لها دلالاتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية في المجتمع .
التكريم الإلهي للإنسان
يقول الله ذو الجلال والإكرام جل جلاله : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}( القرآن المجيد – الإسراء ) .
وعملية التكريم والتفضيل الرباني لبني آدم هي متواصلة من الصغر مرورا بالشباب حتى الكبر ، ولا يتوقف هذا التكريم عند سن معينة بل تتواصل في مسيرة الإنسان الدنيوية ، وهذا التكريم على سائر المخلوقات ، يتمثل في التكوين العقلي والبدني على السواء .
المعمرون - الأكبر سنا في العالم
يقول الله الحي القيوم جل جلاله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)}( القرآن المجيد – العنكبوت ) .
حسب بيانات وحيثيات ومعطيات ، كتب التاريخ القديم والحديث والمعاصر ، فإن الإنسان تراوحت حياته الدنيا ما بين مئات السنين وأقل من قرن زمني ، وأخبرنا الله الخبير العليم عز وجل أن أن نبي الله نوح عليه السلام ، مكث في قومه 950 سنة ( أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ) فكذبوه فأخذهم الله أخذة رابية بالطوفان ، واستبدالهم بجيل إنساني آخر .
وبهذا فإن ، أطول عمر زمني للإنسان ، حسب كتاب الله العزيز ( القرآن الحكيم ) عبر التاريخ البشري هو عمر نبي الله نوح عيله السلام ، وقيل إن آدم عاش ألف سنة ، وافادت كتب التاريخ أن بعض الأنبياء تجاوز عمرهم فوق أل 400 سنة أو أقل أو أكثر من ذلك ، وهي روايات تاريخية غير مؤكدة .
أعمار الناس في العصر الحاضر .. أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ
جاء في سنن الترمذي - (ج 11 / ص 461) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ " . كما جاء بسنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 284) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ " . وورد بالمعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 441) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ"، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"وَأَقَلُّ أُمَّتِي أَبْنَاءُ السَّبْعِينَ".
على أي حال ، تتراوح أعمار الناس في الوقت الحاضر ما بين الساعة والأيام والأسابيع والأشهر والسنة والسنين والعقد والعقود والقرن أو القرن ونيف في بعض الأحيان . وكما قلنا آنفا ، فإن المسن في الأيام المعاصرة ، هو من تجاوز عمره الستين عاما فأعلى ، وفي بعض الدول ممن تجاوز 65 عاما فأعلى . وتختلف أعمار الناس ، بإختلاف المستويات المعيشية الصحية السائدة في هذه الدولة أو تلك ، أو إندلاع الحروب والصراعات والنزاعات العامة والخاصة ، إلا أن الأعمار بيد الله خالق الخلق أجمعين . ووفق النماذج الحية للشعوب والأمم فإن الشعوب المتحضرة كالأمم الأوروبية هي الأكثر عمرا ، بينما الشعوب الفقيرة الحال ماليا هي الأقل عمرا مثل الأمم والشعوب الإفريقية . وتعتبر الأمة الإسلامية هي أوسطها عمرا عبر التاريخ الإنساني .
التنكيس الإلهي للإنسان عند الكبر .. وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ
يمر الإنسان بعدة مراحل متباينة في النمو البدني والإدارك العقلي أثناء سني حياته القصيرة إلى حد ما ، من النطفة فالعلقة المخلقة والجنين والإخراج الرباني للإنسان على هيئة الطفل ، للوصول إلى مرحلة الشباب ، ثم الإرتداد إلى أرذل العمر ، لبعض الناس . وفي هذه المرحلة لا بد من الرعاية الاجتماعية والاعتماد على الآخرين ، سواء معاونة الزوجة للزوج أو الزوج للزوجة ، أو الأبناء ذكورا وإناثا حسب الاستطاعة والمقدرة .
يقول الله الحميد المجيد تبارك وتعالى :
- { وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)}( القرآن المجيد – يس ) .
- { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) }( القرآن المجيد – النحل ) .
- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)}( القرآن المجد – الحج ) .
وبناء على الآيات القرآنية الكريمة السابقة ، فإن الإنسان يمكن أن يتوفى صغيرا أو كبيرا ، لأن الأعمار بيد الله المحيي المميت ، وفي حالة كبره فإن الكثير من الناس يرد إلى أرذل العمر وهو رجوعه كالطفل الصغير الذي يحتاج لا لعناية بسيطة أو متوسطة بل يحتاج لعناية مكثفة من الأقارب والأنسباء والأصدقاء ، ولك فئة من الفئات الاجتماعية دورا يقوم به حسب المقدرة والاستطاعة العقلية والبدينة والمالية .
وصية إلهية لرعاية الوالدين .. وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
أنبأنا الله الخبير العليم ، أن الحكيم لقمان أوصى ابنه باتباع عدة وصايا ليعيش سعيدا حميدا في الحياة الدنيا والآخرة ، والآخرة خير وابقى . ومن جملة هذه الوصايا توحيد الله عز وجل ، ورعاية الوالدين حتى وإن لم يكونا مؤمنين ، على أن لا يطيعهما في دعوتهما له للإشراك بالله إن كانا كافرين ، وضرورة مصاحبتهما بالمعروف ، أحدهما أو كلاهما ، إن بلغا سن الكبر ، وعدم رفع الصوت والصراخ عليهما مهما كانت الأسباب ، فلننظر لرحمة الله العظيمة للوالدين ووجوب رعاية الأبناء للوالدين ، كيف لا والأبوين هما من ربيا الأبناء ذكورا وإناثا حتى بلغا اشدهما واصبحا يعتمدان على أنفسهما ماليا وجسديا ، والبحث عن أرزاقهم . فتعالوا بنا لقراءة هذه الآيات القرآنية المجيدة والتفكر بها إن شئتم :
يقول الله الحنان المنان ذو الجلال والإكرام جل في علاه : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) }( القرآن المجيد – لقمان ) .
المسنون والملاجئ ودور العجزة
جاء في سنن أبي داود - (ج 13 / ص 105) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا " .
ومهما يكن من أمر ، تنتشر دور المسنين وملاجئ العجزة في العالم بشكل كبير جدا باستثناء المجتمعات العربية والإسلامية ، حيث يتم رعاية الأقارب من الدرجات الأولى والثانية بالبيوت الإسلامية في غالب الأحيان غلا من لم يكن له أبناء أو اقارب . وتقدم وزارات الشؤون الاجتماعية أو الرفاه الاجتماعي والصحة بعض الرعاية الاجتماعية والاقتصادية والصحية للكبار في السن بالمجتمعات الغربية كحق من حقوق المسنين الإنسانية ، لتعويضهم عن رعاية وعطف وحنان الأبناء عليهم ، عند يكبرون سنا ، ولكنها مهما بلغت من عناية مكثفة فإنها لا ترتقي لعناية الأسرة بالمسن الطاعن في العمر . ففي المجتمع الغربي يتم رعاية الكبار في السن من موظفين يتم انتقائهم للخدمة المدنية برواتب شهرية ، إلا أنه في المجتمع الإسلامي فإن أفراد الأسرة هم من يقومون برعاية الكبير أو الكبيرة في السن طواعية بلا رواتب شهرية أو مغريات مادية أو سواها كسداد للدين والمعاملة الطيبة السابقة في الأيام الخالية التي تربوا بها وعليها . وبهذا فالفرق شاسع ما بين المجتمعين الإسلامي والغربي ، فالمجتمع الإسلامي يقدم التكافل أو الضمان الاجتماعي والتكامل الاقتصادي الذاتي ضمن نطاق العائلة الكبيرة أو الأسرة الصغيرة الواحدة أو ضمن الأسرتين ، بعكس المجتمع الغربي الذي يسوده الجفاء والتنكر لجميل التربية والتنشئة الاجتماعية إبان مراحل الطفولة والشباب .
وفي الإسلام العظيم ، هناك اهتمام كبير ورعاية خاصة للمسنين ( الكبار في السن ) فيرعي الشاب المسلم أو الفتاة المسلمة الوالدين والأقارب المسنين الآباء والأمهات ، والأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وما شابه ، الرعاية الاجتماعية والصحية والاقتصادية المناسبة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، بينما نجد السواد الأعظم من المسنين في قارات أوروبا وأمريكا في الملاجئ ودور المسنين والعجزة فيعيشوا في مجتمعات نائية ومعزولة إجتماعيا عن جميع أفراد الأسرة أو العائلة السابقين ، وهو نظام غير سوي ولا يسير على الصراط المستقيم بل هو نظام أهوج وأعوج كل الإعوجاج ولا يمكن لأجهزة التلفاز أو الإذاعة المسموعة أو الحديث مع الأباعد من المسنين في الجمعية أو المؤسسة الواحدة ، أن تعوضهم عن الحديث العائلي الندي الطيب .
وهناك علاقة طردية بين المجتمع الإسلامي ورعاية المسنين ، فحيثما وجدت مجتمعا مسلما فثمة اهتمام ورعاية خاصة بالمسنين المسلمين ، حيث يعتبر من السخافة والسفاهة والعار ترك الأقارب في دور المسنين والعجزة ، بعكس الدول الأوروبية والأمريكية والإفريقية حيث تجد اللامبالاة وعدم الاهتمام بالأبوين الكبار في السن أو الأقارب المسنين ، في ظل الإنحلال الأخلاقي وضعف الترابط الأسري الاجتماعي بين افراد المجتمع الغربي الأوروبي أو الآسيوي أو الأمريكي أو الإفريقي المتعدد الأجناس والأعراق وأنتشار الربا والزنا وغيرها من الموبقات والكبائر ومن بينها عقوق الوالدين .
توقير كبار السن
على العموم ، إن الأجيال الكبيرة في السن هي الأجيال البانية التي بنت وزرعت لنا وللأجيال القادمة ، فكما بنى الأجداد لآبائنا ، فإن آبائنا بنوا لنا ونحن نبني لأبنائنا وهكذا تسير مسيرة الحياة عبر التاريخ الإنساني ، وبالتالي فإن من الواجب توقيرها وإحترامها ومنحها الرعاية الهامة والمهمة في حال عجزها وعدم تمكنها من تمضية أوقات فراغها أو عدم استطاعتها ممارسة الحرف والمهن التي كانت تمارسه قبل تعبها وإرهاقها من سنوات الحياة العجاف . ولتستمر الحياة المعطاءة لهذه الفئة من المجتمع بتقديم مات حتاجه من طعام وشراب ولباس ورعاية طبية متواصلة كلما إحتاج الأمر لذلك . فقد جاء بسنن الترمذي - (ج 7 / ص 155) عَنْ زَرْبِيٍّ قَال سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا " .
قلة الرعاية وموت الكبار في السن في بيوتهم
تكثر في المجتمعات الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية من الكرة الأرضية ، قلة الرعاية والعناية بالكبار في السن ، وخاصة المجتمعات الرأسمالية والإشتراكية ، حيث يترك الكبار في السن ينامون في بيوتهم وحدهم دونما إهتمام يذكر من أبنائهم أو أحفادهم أو اقاربهم أو جيرانهم ، وهذا الحال ينطبق عليهم في حالة الصحة والمرض ، وعندما توافيهم المنية ، وينتهي أجلهم المحتوم من رب العالمين الذي يحيي ويميت ، فإن الكثير من هؤلاء الناس من الآباء والأمهات والأقارب والجيران ، المهملين والمهمشين والهائمين على وجوهمم في الشوارع والنوادي والملاهي ، في هذه المجتمعات لا يعرف عن موتهم إلا الجيران لإنقطاع أخبارهم أو عندما تنبعث رائحة جثثهم غير الطيبة جراء تحلل البدن وغزو الدود له . وهذه الأمثلة تزودنا بها وسائل الإعلام المختلفة بصورة شبه يومية في طوكيو وبكين ونيويورك وباريس ولندن وموسكو ومدريد وقارة إفريقيا وغيرها من القارات .
وفي المجتمعات العربية والإسلامية ، التي يقلد فيها الأبناء المجتمعات الغربية تقليدا أعمى ، لوحظ في العقود الاستعمارية العجاف الأخيرة ، تململ الكثير من الأبناء من العناية بوالديهم أو أقربائهم الكبار في السن ، فتركوهم فريسة سائغة للجوع والفقر وقلة ذات اليد والمرض ينهش من أجسادهم ، يهيمون على وجوههم في الشوارع دون إهتمام من هنا أو هناك . فنقول لهؤلاء الأبناء العاقين ، حافظوا على إسلامكم وأرضوا ربكم ، وعودوا عن عقوقكم ، واهتموا بآبائكم وأمهاتكم واقاربكم الكبار في السن ، فمصيركم الكبر والإهمال كما تهملون غيركم ، ومن العيب أن يترك الكبار في السن بلا معيل أو معاون على هذه الحياة الفانية ، فمصيرنا جميعا إلى زوال إن عاجلا أو آجلا . فالرحمة ، الرحمة لذويكم ، فكونوا على قدر المسؤولية ولا تتجاهلوا من ربوكم وعلموكم وأحسنوا إليكم ، وواجبهم عليكم الإحسان إليهم في كبرهم كما أحسنوا إليكم في صغركم . فكما ورد بمسند أحمد - (ج 46 / ص 239) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ " .
التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم ..
يعتبر المجتمع المسلم من أفضل وأبهج المجتمعات الإنسانية العالمية قاطبة لما فيه من الود والمحبة والتعاون والتكاتث والتكافل الاجتماعي في جميع سني مسيرة الحياة من الاودة حتى الممات أو كما يقال من المهد على اللحد . فالمجتمع المسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا كما جاء في صحيح البخاري - (ج 18 / ص 426) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " . وفي رواية غيرها ، وردت بصحيح مسلم - (ج 12 / ص 468) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " .
نماذج رعاية المسنين في الإسلام .. لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى
على أي حال ، لقد حدد الإسلام العظيم الكثير من حقوق الإنسان عامة ، وحقوق المسنين خاصة ، فاعتبر الإسلام العظيم عقوق الوالدين من الكبائر التي توجب عقوبة دخول النار في جهنم وبئس المصير . ولهذا وضعت الرسالة الإسلامية الفضلى القواعد السلوكية والمثل العليا لرعاية المسنين على أحسن حال ومعاملتهم كبشر لهم عزتهم وكرامتهم الطيبة ، وضرورة أن يتمتعوا بكافة الحقوق الإسلامية للفئات الاجتماعية الأخرى في المجتمع المسلم لا أن يلقوا على قارعة الطريق بلا اهتمام مناسب . وأمر الله الحليم العظيم الناس بعبادته والإحسان للوالدين ، الأب والأم على السواء ، والأقارب وخاصة المحارم ، وعدم عبادة المادة والعمل وترك الآباء والأمهات بلا معيل أو مهتم بهم كما يفعل بعض السفهاء بالآباء والأمهات وذوي القربى . وهاكم بعض المتطلبات الإسلامية من القرآن الحكيم والسنة النبوية المطهرة ، للإهتمام الكافي بالمسنين ماديا ومعنويا :
أولا : القرآن المجيد : يقول الله السميع العليم جل شأنه :
- { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}( القرآن المجيد – البقرة ) .
- { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) }( القرآن المجيد – النساء ) .
- { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) }( القرآن المجيد – الأنعام ) .
- { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) }( القرآن المجيد – الإسراء ) .
ثانيا : الأحاديث النبوية الشريفة :
- صحيح البخاري - (ج 10 / ص 188) جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ : " أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ : " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ " .
- صحيح البخاري - (ج 18 / ص 365) قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُجَاهِدُ قَالَ لَكَ أَبَوَانِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ " .
- صحيح البخاري - (ج 9 / ص 135) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَبَائِرِ قَالَ : " الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " .
- صحيح البخاري - (ج 21 / ص 160) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " .
- صحيح البخاري - (ج 18 / ص 428) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ " .
- صحيح مسلم - (ج 12 / ص 396) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ " .
- صحيح مسلم - (ج 11 / ص 456) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَا يَرْحَمْ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " .
- سنن الترمذي - (ج 11 / ص 455) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ " .
- مسند أحمد - (ج 17 / ص 243) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَغِمَ أَنْفُ رَغِمَ أَنْفُ رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا عِنْدَهُ الْكِبَرُ لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ " .
- مسند أحمد - (ج 39 / ص 246) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ وَمَنْ لَا يَغْفِرْ لَا يُغْفَرْ لَهُ " .
- المستدرك على الصحيحين للحاكم - (ج 6 / ص 108) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال : يا رسول الله ، إني هاجرت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قد هجرت من الشرك ولكنه الجهاد هل لك أحد باليمن ؟ » قال : أبواي قال : « أذنا لك ؟ » قال : لا قال : « فارجع فاستأذنهما ، فإن أذنا لك ، فجاهد وإلا فبرهما » « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة » « إنما اتفقا على حديث عبد الله بن عمرو ففيهما فجاهد » .
- المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 277) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"آمِينَ , آمِينَ , آمِينَ"، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ:"قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ، أَوْ بَعُدَ، دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ، أَوْ بَعُدَ، أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ، أَوْ بَعُدَ، ذُكِرْتَ عَنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ " .
وبناء عليه ، فإن ثواب رعاية المسنين في الإسلام هي مرتبة عظيمة في الحياتين الدنيا الفانية والآخرة الباقية ، وهي درجة تفوق درجة الجهاد في سبيل الله ، وتتمثل بالإنفاق عليهما ورعايتهما الرعاية الاجتماعية ومساعدتهم في تناول الطعام والشراب واللباس وتطبيبهم وتناول جرعات الدواء وإعانتهم على تأدية الصلاة وقوفا أو قعودا ، حسب طبيعة أجسامهم وكبرهم والحديث معهم وتسليتهم وتوفير مستلزماتهما واحتياجاتهم وعدم الصراخ عليهم باي حال من الأحوال ومداراتهم والعناية الشاملة بهم . وثواب رعاية الأبناء للوالدين ( الأم أو الأب أو كليهما ) المسنين دخول جنات الخلود عند رب العالمين .
وكلمة لا بد منها ، وهي أنه كما تعامل الكبار بالسن وخاصة الوالدين فإن أولادك سيعاملوك في حياتك المستقبلية في أواخر سني حياتك .
صور وأشكال العناية الإسلامية بالمسنين
هناك العديد من الحقوق الإنسانية ، ذات الصور والأشكال العملية والفعلية ، التي ينبغي اتباعها لرعاية شؤون المسنين في جميع المجتمعات العالمية ، وخاصة المجتمع الإسلامي القويم ، ومن أهمها :
أولا : الحنان والعطف وتوقير الكبار في السن ، وعدم الإساءة لهم بالغمز واللمز والصياح العالي عليهم أو التأفف والتقزز منهم .
ثانيا : الإنفاق المادي الكريم على المسنين حسب ما تقتضيه حاجاتهم اليومية ، وتخصيص مصروف شهري منتظم مناسب لهم ، وعدم الإكتفاء بإطعامهم وتزويدهم بالشراب وشراء الملابس لهم . ولا بد من التنويه إلى أنه من الضروري إطعامهم مما تأكل الأسر التي ترعاهم ، أو تخصيص الأكل المناسب لصحتهم وأمراضهم وعدم فرض أطعمة معينة عليهم .
ثالثا : العناية الطبية اللائقة بهم وعدم تركهم للأمراض تنهش بأجسادهم ، ومراعاة أن يكون المأوى ذو تهوية يومية مناسبة في جميع فصول السنة .
رابعا : تخصيص فئة إنسانية مستمرة لإنجاز طلباتهم من الأهل والأقارب من المحارم ويكون ذلك بنظام التناوب أو الوريدات لا التجميع والتجمع العائلي الكبير لإزعاجهم ثم تركهم وحدهم بلا مؤانسة .
خامسا : عدم إنزالهم في بيوت العجزة والمسنين للتخلص منهم . وتنظيم مداورة يومية أو أسبوعية أو شهرية أهلية أسرية لرعايتهم من الأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأحفاد والحفيدات ، والأقارب الآخرين .
سادسا : الحديث معهم بانتظام دون إنقطاع طويل ، للتسلية والترويح عن النفس لئلا يتسرب الملل إلى نفوسهم فيطلبون الموت في كل يوم .
سابعا : الاهتمام الإسلامي الديني بهم ، بتشجيعهم على تلاوة القرآن المجيد أو الاستماع له من المسجلات أو الفضائيات أو الإذاعات ، وترديد الأذكار الإسلامية ، الصباحية والمسائية ، والمواظبة على الصلاة الجماعية بالمساجد ( بيوت الله في الأرض ) إن كانت صحتهم تسمح لهم بذلك ، وعدم اقتصار صلاتهم الجماعية على صلاة الجمعة ، وكذلك حثهم على الصيام إن كانوا قادرين على ذلك .
ثامنا : الإجابة الكاملة على أسئلتهم وعدم إغضابهم وتوتير أعصابهم ، وإنزالهم منازلهم وتقديرهم التقدير المناسب والاحترام اللائق بهم .
تاسعا : إصطحابهم في المناسبات الاجتماعية كالأفراح والأتراح إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا .
عاشرا : إخراجهم في الزيارات العائلية والصداقات الاجتماعية إن كانوا بصحة جيدة .
حادي عشر : تزويجهم إن كانوا رجالا من نساء أرامل أو عوانس كبار في السن مثلهم أو بسن متقاربة بينهم إن أمكن وإن كانوا بصحة جيدة ويمتلكون المأوى والمال المناسب . وذلك لأن النساء صابرات ومحتسبات أكثر من الرجال الكبار في السن ، ولتخفيف وطأة تدخلاتهم في الحياة الأسرية لأبنائهم وبناتهم .
ثاني عشر : تغيير الأجواء الاجتماعية عليهم باستمرار ، بتوفير أجهزة تلفاز تلتقط الفضائيات لهم في مساكنهم ، ليشاهدوا برامج دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية محببة لهم تذهب الملل واليأس عنهم وكذلك أصطحابهم برحلات جماعية ترفيهية بين الحين والآخر .
دعاء زكريا عليه السلام .. فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا
أحيانا ، يدعو الإنسان المسلم الكبير في السن ، ان يخرج الله روحه للتخلص من هذه الحياة الدنيا الفانية ، وأحيانا يدعو الله ، إن لم كان عقيما لرزقه بالأولاد الصالحين والذرية الطيبة ، لوراثته والعناية به عند الكبر وإعانته على شؤون الحياة الدنيا الزائلة . وكذلك فعل نبي الله زكريا عليه السلام بفلسطين الأرض المقدسة ، عند بلوغه من الكبر عتيا وشاب شعر رأسه ، حينما طلب من ربه رزقه بذرية طيبة . يقول الله العلي العظيم جل جلاله : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .
ويقول الله الغني الحميد جل شأنه : { كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)}( القرآن المجيد – مريم ) .
أدعية نبوية لتجنب العمر الطويل
هناك الكثير من الناس ممن لا يحبون الحياة الدنيا وحدها ويسألون الله أن يؤتيهم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وأن يقيهم عذاب بالنار ، ويبتغون فيما آتاهم الله الدار الآخرة ، ويطلبون من الله أن لا يهرمون ولا يطيل في أعمارهم وأن لا يردهم إلى أرذل العمر لكي لا يعلموا من بعد علم شيئا ، وهناك بعض الأدعية النبوية الإسلامية التي يستخدمها الإنسان المسلم ، في هذا الخصوص من أهمها ما يلي كما جاء في :
- صحيح البخاري - (ج 9 / ص 405) كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " .
- صحيح البخاري - (ج 19 / ص 457) كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ " .
- صحيح مسلم - (ج 13 / ص 227) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ " .
- صحيح مسلم - (ج 13 / ص 142) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " .
- صحيح مسلم - (ج 13 / ص 251) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَانَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا " .
- سنن أبي داود - (ج 4 / ص 353) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ . قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي .
- سنن أبي داود - (ج 10 / ص 30) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " .
- مسند أحمد - (ج 15 / ص 458) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُخَيَّرُ فِيهِ الرَّجُلُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلْيَخْتَرْ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ " .
كلمة أخيرة .. وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ
جاء بصحيح البخاري - (ج 8 / ص 309) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
أن الكبار في السن ، من الآباء والأمهات ، والأجداد والجدات ، والإخوة والأخوات ، والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، والأقرباء والقريبات ، هم فئة مهمة من المجتمع ، ولا يجب تهميشها أو إهمالها أو تجاهلها تحت أي ظرف من الظروف ، فهم الذين زرعوا ونحن الذين جنينا وحصدنا ما زرعوه لنا ، في الأجيال السابقة ، فلئن رقدت وتعطلت هذه الفئة الاجتماعية الكبيرة في السن ، عن قدرة العمل لهي صاحبة القدر الكبير والوقار والاحترام الكثير ، فلها القدرة العقلية والحكمة والحنكة والتجربة البشرية الغنية المليئة بالأمور الحية التي تفيد الأجيال الشابة ، فينهلون منها كمناهل العلم والعمل والإيمان ، بالاستفادة من تجارب الآخرين وعدم البدء من الصفر ، فليبدأ الشاب من حيث إنتهى الآخرون .
وبهذا فلا يجوز أن يترك الكبار في السن دون رعاية أو اهتمام فعلي ، والإكتفاء بزيارتهم والتسليم عليهم والتصور معهم ، أو التصدق عليهم ، أو إجراء التحقيقات الإعلامية عنهم ، في يوم المسن العالمي فقط ، ونقول لهم ( هذا يومكم الذي توعدون ) ، الذي يأتي في يوم واحد من أيام السنة أل 365 يوما شمسيا أو 354 يوما قمريا ، وهو حسب ما تعارفت على الأعراف والتقاليد العالمية في الأول من تشرين الأول – اكتوبر ، ولتكن هذه الفئة من فئات المجتمع الراجح والتعامل السوي والإنفاق الرضي المرضي لهم بصورة دائمة حتى يتوفاهم الله الحي القيوم جل وعلا .
فليكن المجتمع المسلم مجتمعا نموذجيا لغيره من المجتمعات العالمية ، ومثالا يحتذى في التكافل الاجتماعي والتعاون والتكامل المجتمعي في جميع الأحوال ، في الباساء والضراء ، وفقا لما جاء بصحيح مسلم - (ج 13 / ص 212) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ " . فنفسوا كرب وهموم وغموم المحتاجين ، ويسروا ولا تعسروا ، ولا تتخلوا عن الكبار في السن ، وتقاسموا معهم لقمة الخبر وشربة الماء ، وألبسوهم مما تلبسون ، بل كونوا ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ولا تتركوهم عاجزين مرضى مهمومين ومغمومين ، يلعنونكم ويلعنون اليوم الذي ولدتم به ، في البيوت لأنهم طاعنين في السن ، فأسعدوهم وأدخلوا السرور إلى نفوسهم ، وحدثوهم وزوروهم بانتظام وليس بيوم المسن العالمي اليتيم فقط ، ف { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } ( القرآن المجيد – الرحمن ) .
ورعاية اجتماعية واقتصادية ونفسية ، مادية ومعنوية ، طيبة مباركة عادلة للكبار في السن ، لدخول جنات النعيم عند رب العالمين . وحياة سعيدة لجميع أفراد الأسرة المسلمة المتعاونة مع بعضها البعض .
وختامه مسك ، لا بد من الاستعانة بدعاء نبي الله نوح عليه السلام : { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } ( القرآن المجيد ، نوح ) .
وندعو ونقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .
نترككم في أمان الله ورعايته . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته