صحيفة تشرين
محي الدين المحمد
  لا نظلم المريض النفسي فقط، وإنما نظلم الأطباء النفسيين وبالدرجة ذاتها... والأسباب معروفة، يتصدرها جهلنا بأهمية الصحة النفسية للإنسان، ومحاولة الخلط بين المرض النفسي والجنون.. وهذا الخلط هو الذي يدفع معظم الأطباء النفسيين لدينا ليمارسوا عملهم تحت تسمية (اختصاصي بالأمراض العصبية) وقد يضيفون باستحياء كلمة النفسية...
  لقد احتفلنا يوم أمس باليوم العالمي للصحة النفسية التي تعني وفق رؤية منظمة الصحة العالمية، التوافق الاجتماعي والذاتي، والشعور بالرضا والسعادة، والحيوية، والاستقرار، بالإضافة إلى الإنتاج الملائم في حدود إمكانية الإنسان وطاقاته وليس مجرد الخلو من الأمراض.. ‏
وأعتقد أن تطبيق هذه الرؤية فيما يخص الصحة النفسية يجعل معظمنا بحاجة إلى الرعاية النفسية، ولو بدرجات متفاوتة.. ‏   لقد ذكر الدكتور تيسير حسون لصحيفة البعث في عددها الصادر يوم أمس 10/10/2010 أن عدد الأطباء النفسيين المسجلين في سورية لا يتجاوز الـ 65 طبيباً، وهذا رقم يدعو للقلق فعلاً، لأن عدد السكان قد وصل إلى 22 مليون نسمة، وبالتالي فإن حسبة بسيطة تشير إلى أن كل طبيب نفسي عليه أن يشرف على 350 ألف إنسان تقريباً.. كما تشير إلى اختلال كبير في توزع الاختصاصات الطبية إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد الأطباء في سورية والذي بات يتجاوز الثلاثين ألف طبيب يضاف إليهم أكثر من نصف هذا العدد من أطباء الأسنان.. ‏
  إن فقرنا المدقع في عدد الأطباء النفسيين، والمعالجين النفسيين لا يجعل المرضى النفسيين وحدهم في خطر، وإنما يجعل الأصحاء أيضاً ضمن دائرة الخطر، لأن معظم الناس وفي ظروف معينة يحتاجون إلى الاستشارات النفسية المتعلقة بالقلق والتوتر وبعض المشكلات اليومية، وغالباً ما يتصدى لتقديم الاستشارة لمثل هذه المشكلات أناس يزيدون تلك الحالات تعقيداً.. وإذا كانت العوارض النفسية للأصحاء يمكن تجاوزها عن طريق المصادفة، أو عن طريق الأهل، فإن المرضى النفسيين الذين يبقون خارج مظلة العلاج النفسي، والتأهيل هم عرضة لمضاعفات خطرة قد تؤدي إلى الانتحار، أو إلى مشكلات اجتماعية أقلها الطلاق، وتفكك الأسرة.. ‏
  لقد تطورت الخدمات الطبية، وبدأ الناس يحصلون على خدمات طبية وقائية تجنبهم المرض قبل حدوثه لكن مثل هذه الرعاية لا تزال شبه غائبة على الصعيد النفسي، وحتى المرضى النفسيون لا يزال منهم أكثر من 450 مليون مريض نفسي حول العالم لا يخضعون للعلاج أو الرعاية النفسية (وفق إحصائيات الصحة العالمية). ‏
إن احتفالنا السنوي بيوم الصحة النفسية يجب أن يدفعنا جميعاً للمساهمة في تصويب الأفكار الخاطئة التي تعوق شرائح واسعة من المجتمع من التمتع بصحة نفسية تجعلهم يعيشون بتوافق اجتماعي وذاتي ويشعرون بالرضا والسعادة والحيوية والاستقرار. ‏

 
Bottom of Form
 

 

JoomShaper