سهير بشناق
ظهرت في الاونة الاخيرة اشكال جديدة من العنف التي اطلق عليها (العنف المجتمعي) في الوقت الذي كان العنف يقتصر على الاطفال والنساء.فدور الرعاية المؤسسية تستقبل حالات عديدة لاطفال تعرضوا لشتى انواع العنف الجسدي والجنسي.
وتستقبل دار الوفاق الاسري التابع لوزارة التنمية الاجتماعية نساء تعرضن ايضا لعنف جسدي ولم يجدن من يوفر لهن الحماية والرعاية سوى بلجوئهن لدار الوفاق.
تغير شكل العنف لياخذ انماطا متعددة لم تعد مقتصرة على هذه الفئات فحسب ينذر بوجود مشكلة وان لم تصل لحدود الظاهرة الا انها اصبحت « مقلقة « اجتماعيا وتثير اسئلة كثيرة حول مدى ميل افراد الاسرة الواحدة الى اتباع العنف في حل مشاكلاهم وخلافاتهم فيقدم اب على قتل احد افراد اسرته وابناء يحاولون استخدام العنف بحق ابائهم... وجمعيها صور لم يعتد المجتمع عليها من قبل في ظل غياب الحوار الذي يبدو بانه سيصبح « عملة « نادرة في كثير من الاسر.
الدكتور عاطف شواشرة، محاضر في قسم علم النفس من الجامعة الاردنية وباحث في المركز الاردني للبحوث الاجتماعية، اعتبر ان سلوك الإجرام مرتبط نفسيا بسيطرة مركز الرغبات والغرائز والشهوات الدونية على الفرد، وهذه السيطرة تقود إلى تدني واضح جدا في نظام القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية. وتؤدي إلى فشل الفرد في الاحتواء الداخلي لتناقضاته، وهو قدرة الفرد على الإمساك عن تحقيق رغباته بطرق منافية للمعايير الاجتماعية.
واضاف شواشرة: أن المجتمع بدينامياته ومعاييره يفشل أيضا بالاحتواء الخارجي وهو قدرة الجماعة أو النظم الاجتماعية على أن تجعل لمعاييرها الاجتماعية أثراً فعالاً على الأفراد.
واعتبر شواشرة ان محاولة تفسير ما يحدث من حوادث قتل في إطار العائلة لدخلنا في معادلة متعددة الأطراف والحدود،مشيرا الى انه في مجتمع يغرق في البطالة والفقر، وتجتاحه موجة من الأعلام الموجه والمدمر لكل ما هو مقدس وسامي، تصبح العائلة مجرد مجموعة من الأشخاص الذين يجمعهم سقف واحد بل هم كضيفين إلتقيا في فندق وأجبرا على الاشتراك في غرفة واحدة.
واشار الى انه عندما تصبح الأسرة بدون روابط عاطفية وبدون إطار قيمي ينظم علاقاتهم وتتجاذبهم الهموم والمشكلات وفي ظل تردي التعليم والمعرفة وانعدام مهارات الحوار والنقاش والبعد عن الأخلاق يصبح القتل بين الأقارب خيارا مطروحا، ولكنه بلا شك خيار لفئة من الناس وصلت حد اليأس من التغيير وتبلد المشاعر.
واكد شواشرة ان السلوك الإجرامي هو سلوك مركب لا يمكن أن يخضع للتجزئة، أي لعوامل ذات صبغة اجتماعية أو عضوية أو نفسية خالصة، بل هو مزيج مشترك من عدة عوامل يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتكاب الجريمة.
من جهتها اكدت الأمينة العامة للمجلس الوطني لشؤون الاسرة العين الدكتورة هيفاء ابو غزالة ان العنف المجتمعي من الظواهر الجديدة على مجتمع متماسك مثل المجتمع الاردني.
وأوضحت ابو غزالة ان محاربة العنف يجب ان تبدأ من الاسرة لذلك يسعى المجلس، وهو احد مؤسسات جلالة الملكة رانيا، الى حماية الاسرة من العنف بشكل عام من خلال الفريق الوطني لحماية الاسر من العنف.
وهو مشروع أردني ريادي في مجال الحماية من العنف والإساءة بدأ نشاطه في عام 2000 ويأخذ المشروع مدخلاً شاملاً معتمداً على حقوق الإنسان في معالجة العنف والإساءة اضافة الى بناء القدرات المؤسسية للمؤسسات العاملة في هذا المجال.
واشارت ابو غزالة الى ان المجلس بصدد اعداد دراسة حول الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للأسر التي وقع فيها حالات عنف(جناة، ضحايا) اعتمادا على تحليل سجلات وملفات إدارة حماية الأسرة لعام 2009 بالتعاون مع ادارة حماية الاسرة والهيئة التنسيقية للتكافل الاجتماعي.
مشيرة الى ان هذه الدراسة لها اهمية خاصة كونها ستعمل على توفير قاعدة معلومات عن الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية للأسر التي وقعت فيها حالات عنف، وذلك لمساعدة صانعي القرار في وضع الرؤية التنموية المستقبلية الملائمة، ورسم السياسات وتصميم التدخلات المناسبة.
وبينت ابو غزالة ان المجلس قام بالعمل على ماسسة العمل الوطني لحماية الأسرة من العنف من خلال تطوير نظام اعتماد للمؤسسات مقدمة الخدمة لحالات العنف الاسري التي تحدد المستوى المقبول من الأداء للمهام المناطة بكل جهة من الجهات المعنية بشؤون الأسرة وسيتم الانتهاء من تنفيذ المشروع بالربع الاول من العام 2011.
حيث يعمل المجلس حاليا على مشروع نظام استجابة المؤسسات لحالات العنف الاسري من خلال نظام إلكتروني ليتم استخدامه من قبل جميع المؤسسات مقدمة الخدمة لحالات العنف.
رئيس المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور مؤمن الحديدي اكد انه بالرغم من ظهور حالات جديدة من العنف الاسري بالمجتمع الا ان نسب العنف بالمجتمع لا تزال نسبا قليلة مقارنة بمجتمعات اخرى.
واضاف الحديدي: ان تداول وسائل الاعلام لهذه الجرائم ونشرها بشفافية عالية يجب ان تشكل دافعا لدى الجهات المعنية ومنظمات المجتمع للوقوف على اسبابها وتحول نمطها الذي كان سائدا خلال السنوات الماضية وهو العنف الموجه ضد النساء والاطفال.
واعتبر الحديدي ان من اسباب وجود عنف بالمجتمع وبالاسرة «جهل الافراد»، وليس المقصود به جهل التعليم فحسب بل يتعدى ذلك الى «جهل الافراد بحقوقهم وبثقافة الحوار التي تغيب فيحل مكانها العنف باختلاف اشكاله واساليبه».
وتشكل حالات العنف الاسري التي شهدها المجتمع أخيرا حالة من القلق النفسي لكثير من الامهات والاباء الذين يرون ان مثل هذه الجرائم التي تحدث داخل الاسرة تترك اثارا نفسية سلبية على اطفالهم ليتساءلوا بعدها عن سبب اقدام اب على قتل اطفاله او ابن ينتهج سلوك العنف بحق والديه.
الاخصائيون الاجتماعيون يرون ان مثل هذه الجرائم الغريبة على المجتمع لا بد ان تثير تساؤلات في اذهان الاطفال والابناء حول اسباب حدوثها خاصة وانها تصدر من قبل افراد الاسرة وتسهم في تغيير صور جميلة لعلاقة الابناء بابائهم وامهاتهم.
واكدوا اهمية ادارة حوار بين الابناء وابائهم وامهاتهم في حال اثارة تساؤلات حول اسباب وقوع مثل هذه الجرائم داخل الكيان الاسري ومحاولة اقناع الابناء بان هذه حالات نادرة لا تعكس عن حقيقية المجتمع ولا تمثل واقع الاسر ومدى ترابط افرادها لتتبدد عن اذهانهم اية افكار سلبية عن صورة الاسرة المتماسكة التي لا ينال العنف منها باي شكل كان.
وان كان العنف ضد المراة والطفل قد اخذ ابعاده بالمجتمع خلال السنوات الماضية نتيجة التفكك الاسري وجهل الاباء او الامهات بسلبيات اي سلوك عنف يصدر بحق اطفالهم فان العنف الاسري المجتمعي الذي بدا بالتسرب الى الكيان الاسري والى الطلاب وقطاعات عديدة بالمجتمع بدءا من المعلم وانتهاءا بالاطباء فان الاكتفاء بادانة هذه السلوكيات اصبح امرا غير كاف في ظل انتشار جمعيات ومنظمات مختصة بمواجهة العنف عليها مسؤولية كبيرة في دراسة اسباب حدوث مثل هذه الجرائم التي قد يكون من اسباب وقوعها الفقر والجهل وعدم الاتزان النفسي لمن يقدم على ارتكابها والا كيف يمكن ان يقدم اب على قتل ابنه او ابن على قتل ابيه؟