إسكندر نعمة
من مسلمات العلائق الاجتماعية وأمر لا يرقى إليه الشك، تلك العلاقة الوثيقة القائمة بين المراهقين ذكوراً وإناثاً، والمخدرات على مختلف أصنافها وتعددها، بدءاً من الحشيش والماريغونا، مروراً بالهيروين ووصولاً إلى الأفيون. هذه المخدرات الشرسة تفعل فعلتها الخبيثة في تفتيت الحالة الصحية وتمزيقها لمن يتعاطاها وخاصة من المراهقين. إذ إنها السبب المباشر في إحداث الكثير من الخلل الجسماني والنفسي والعصبي، كأعراض بطء التنفس وفقدان الشهية وتصلب الشرايين وانسدادها، والقلق الدائم والتهيج المستمر وأخيراً الفشل الحياتي.
إن جزئيات هذا الخلل التي تطرح مساوئها بعمق وشراسة لدى متعاطي المخدرات، تحفر آثارها الاجتماعية الفتاكة في شخص المتعاطي دون هوادة أو رحمة. ويمكننا تلخيص هذه الآثار المدمرة بالنقاط الخمس التالية
1- التغيير في الشخصية إذ يبدو على المتعاطي الاكتئاب ويصبح مهيأ لممارسة سلوك عدواني عنيف شرس، فنراه دائماً يهدد بالانتحار والهروب من المنزل، ويميل إلى الإيذاء اللفظي أو الجسدي للوالدين أو الأشقاء.
2- فقدان الاهتمام بالمدرسة فالمتعاطي لا يبدي أي اهتمام بالأنشطة المدرسية، بل تبدأ درجاته بالانخفاض والتدني، وكثيراً ما يهرب من المدرسة، أو لا يذهب إليها، ويعلن كرهه للدراسة والمدرسين معاً.
3- الانعزالية يميل المراهق المتعاطي للمخدرات إلى العزلة والسرية فيما يتصرف، إذ غالباً ما يحيط ذاته بعالم من الانغلاق والوحدانية، مبتعداً عن المشاركة في أي نشاط أو علاقة أسرية أو مدرسية أو بيئية، ونراه كثيراً ما يلوذ بغرفته الخاصة ضارباً نطاقاً من السرية التامة على كل شيء، الأمر الذي يؤدي به إلى كره الأهل والجيران والأصدقاء.
4- إشكاليات مادية معقدة إذ يزداد طلب المراهق للمال من والديه بأسلوب فظ شرس، وكثيراً ما يجد الأهل لديه أموالاً لا يعرفون مصدرها، وتظهر عنده متطلبات ومصروفات مفاجئة وغير مبررة، الأمر الذي يدفعه إلى الكذب المزمن، ونسج متطلبات خيالية كاذبة، وحكايا غير مقنعة، كل ذلك ليبرر تصرفاته الطائشة والأموال المهدورة، كما قد يصل به الأمر إلى ادعاءات رعناء، كأن يدّعي أن أهله يكرهونه وينبذونه لأنهم لا يتيحون له ما يريد.
5- مشكلات أمنية فقد يزج نفسه في إشكالات أمنية كثيرة، كأن يتشاجر مع الجيران والأصدقاء ورفاق المدرسة، أو يعرّض نفسه لحوادث سير بسبب تأثير المخدر عليه، أو يوجد في أماكن محرّمة ومحظور عليه ارتيادها. كل هذه الأمور مما يستدعي تدخل الشرطة ورجال الأمن.
هذه الأعراض البشعة المدمرة التي تصيب المراهق المدمن، تطرح السؤال الأكثر أهمية، سؤال يطرحه جميع الآباء والأمهات ما هو السبيل للحؤول دون السقوط في هذا المستنقع الآسن؟ وما هو الدور الذي ينبغي أن يمارسه الأبوان للوصول بابنهما المراهق والمدمن إلى شاطئ السلامة والنجاة.
في الإجابة عن هذا السؤال الخطير والهام جداً نرى أن هناك طرائق عديدة وسبلاً متنوعة يستطيع الأبوان ممارستها في محاولة جادة للنجاة، أو للتخفيف من وطأة جريمة تأثير المخدرات على ابنهما المراهق، هذه السلوكية واسعة الأطياف متعددة الطرائق، ولكننا نستطيع تلخيصها بالنقاط والممارسات الست التالية
1- منح المراهق الإحساس بالأمان على الوالدين والأخ الأكبر، أن يُشعروا أولادهم المراهقين بالحرية والأمان، من خلال تشجيعهم على المصارحة في كل شيء مهما كان حجم الغلط الذي وقعوا فيه كبيراً، إذ إن الكثير من المرهقين يعرفون أن المخدرات أمر بالغ السوء، ولكنهم يخشون أن يصرحوا لأهلهم بأنهم قد تورطوا فيها وسقطوا في مستنقعها. على الوالدين في هذه الحالة أن يكونا الاسفنجة التي تمتص مشكلات أولادهم، بدلاً من أن يكونا العصا التي يخشى الأولاد منها، ولابأس أن يشعر الأهل المراهقين بأنهم على علم بتعاطيهم للمخدرات، ولكنهم سيكونون لهم اليد ا لحنونة التي سترسو بهم في بر الأمان، وأن يمارَس ذلك بعيداً عن الغضب والانفعال، لأن الأهل بذلك يخيفون ابنهم ويزيدون المسافة بينهم بعداً، فيصبح المراهق بعيداً عن أهله وينسف جسور التواصل القائمة بينهم، ويوغل في انكماشه وعزلته المريرة.
2- المصارحة والتدريب على الأهل أن يصارحوا ابنهم المراهق ويكشفوا له أنهم يعرفون كل شيء، عبر أسلوب من المودة والحنان، ومن ثم يدربونه على كيفية مقاومته لضغوط أصدقائه وممارساتهم التي تجره للسقوط في هوّة المعاطاة والإدمان. إن ذلك سيمنحه المزيد من الثقة في قدرته على المقاومة الداخلية والخارجية، فبذلك يتدرب الابن على المصارحة في مقاومة ضغوط رفاق السوء عليه. وعلى الأهل أن يمتدحوا فيه شجاعته وصموده ورفضه ونجاته من إغراءات تجربة السوء، ذلك موقف هام جداً وخطوة جبارة، لأن الوصول بالابن إلى أن يتبنى موقف الرفض للخطأ المستشري من حوله ليس بالأمر السهل أبداً، بل هو خطوة رائدة.
3- بعث الثقة بالنفس وهذا الموقف يتجلى في مساعدة المراهق على حل المشكلات التي يعرض لها، سواء كانت عاطفية أم اجتماعية أم مدرسية، أو ما يتعلق منها بتنامي الروح والجسد، يجب على الأهل أن يعاينوا المشكلة ويحللوها بصراحة تامة أمام ابنهم المراهق، ويقدموا المساعدة الإيجابية لوضع الحلول اللازمة لها. إن ذلك من شأنه أن يظهر الصفات الإيجابية الموجودة لديه والدفينة في أعماقه، وينمّي الشعور بالمسؤولية والالتزام الذاتي.
4- التشجيع على بناء صداقات جديدة إذ يسعى الأهل بدأب وروّية لأجل مساعدة ابنهم المراهق على بناء علاقات صداقات جديدة، موضحين بمودة وحب عناصرها الإيجابية، الأمر الذي يقتضي محاولة منعه بحنان ثقافي من الاستمرار مع علاقاته بأصدقاء السوء. ولا ضير في أن يكون الوالدان حازمين وجادين بهذا الأمر لبتر دابر علاقات السوء من خلال وضع القواعد والنتائج في تحقيق هذه المعادلة الهامة.
5- الاهتمام بشخصية المراهق وذاته وهذا الأمر يقتضي من الأبوين أن يشجعا ابنهما على تنمية هواياته واهتماماته.. ومدح العناصر الإيجابية فيها، لأن انشغال المراهق بالرياضة والقراءة مثلاً وبعض الأنشطة المفيدة الأخرى، يجعله في عالم آخر بعيداً عن الاهتمام بسفاسف الأمور وسلبياتها. إن إشغال المراهق بالأنشطة الجميلة والإبداعية والثقافية هو من أكثر الحلول نجاحاً، لما فيه من تصعيد لعواصفه وميوله وقدراته، فلا يبقى لديه وقت للتفكير بأمور أخرى طائشة، لأن طاقاته ومواهبه الكامنة قد أفرغت في الإطار الإيجابي مبتعدة عن السقوط في حمأة الخطأ الأرعن.
6- الاعتناء بصحة المراهق الجسدية والنفسية على الوالدين ألا يتهيبا من عرض ابنهما المراهق الذي أرهقته المخدرات وسلبته جسده وروحه، على طبيب اختصاصي ليعالجه معالجة صحيحة للتخلص من السموم التي نفثت عكرها في جسده. ومن خلال ذلك يتجه نحو طريق البرء من الأدران النفسية التي لحقته بسبب تلك السموم، فيستعيد ثقته بنفسه وقدراته ومؤهلاته التي ستعينه على رسم مستقبل زاهر سعيد.
نخلص من كل ذلك إلى أن المخدرات داء فتاك يفتك بشبابنا فيجعلهم جثثاً هامدة وعقولاً خامدة ونفوساً مريضة. وعلينا أن نحمي أولادنا من هذا الداء الخطير، ومسؤولية ذلك تقع على المجتمع بكامله، بدءاً من الأسرة مروراً بالمدرسة، ووصولاً إلى الدولة والمجتمع الكبير.
همسة دافئة أريد أن أوجهها إلى الآباء والأمهات، كلما كانت الحياة في الأسرة هادئة يسودها الحب والاحترام المتبادل، قلّ انحراف الأولاد وسقوطهم في مستنقع الخطيئة، فليحاول الأهل أن يكونوا المستودع الكبير لأسرار أطفالهم وليستوعبوهم، وإلا وجد من يستوعبهم من أبناء السوء وأناس ما بعد منتصف الليل. فلنساعد أولادنا على تجاوز محنهم ومصاعبهم، ولتكن اليد الحنونة التي تمتد دوماً لتنشلهم من هاوية الغلط وتنجو بهم إلى بر الأمان.. كل ذلك عن طريق توفير المناخ الأسري الهادئ، إذ يتم التواصل من خلاله، فيتعرف الأهل على هموم أولادهم ومشكلاتهم، الأمر الذي يؤدي بهم إلى اكتشاف مواهبهم الإيجابية ومتابعتها.
إن بناء جسور التفاهم والتواصل بين أفراد الأسرة جميعاً، يوفّر لكل فرد فيها حياة آمنة مستقرة مطمئنة، وسيكون ذلك خير سلاح تواجه به الأسرة مجتمعة المخاطر والمنزلقات التي قد يتعرض لها أفراد الأسرة مهما بلغوا.
المراهقة والمخدرات.. إشكالية وحلول
- التفاصيل