محمد النغيمش / الشرق الأوسط
يصلني يوميا أكثر من 120 بريدا إلكترونيا، من كل قارات العالم، ولو استغرقت مدة القراءة أو الرد على كل رسالة 3 دقائق فإنني سأحتاج إلى 6 ساعات يوميا للرد على الإيميلات!. كنت مترددا في ذكر هذه المعلومة خشية أن يظن القارئ أنني أبالغ، ولكن ما دفعني إلى الكتابة هو دراسة أميركية حديثة أظهرت أن «الموظف العادي في أي شركة في الولايات المتحدة يتلقى ما معدله 110 رسائل يوميا، خُمسها غير مرغوب فيه» وهو رقم كبير يستهلك ساعات لا يستهان بها من أوقاتنا الثمينة وعليه فقد آن الأوان لوضع استراتيجية في التعامل مع الإيميل مثله مثل غيره الملهيات التي تعد سلاحا ذا حدين.
المشرفة على الدراسة الأستاذة بكلية الإدارة بجامعة بوسطن - ستانفورد الدكتورة ستاين غرودال قالت إن «الأشخاص الذين يشعرون بالإجهاد بسبب الرسائل الإلكترونية هم الذين يمضون وقتا طويلا في قراءتها والرد عليها». وينصحنا الباحثون في الدراسة، التي أجريت على 500 شركة في الولايات المتحدة، قائلين إنه «يكفي أن يغير الناس طريقة تعاملهم مع الرسائل كي يخففوا التوتر الذي يشعرون به جراء تراكم الرسائل وبالتالي تحسين إنتاجيتهم».
إذن، كيف نتعامل مع هذا الكم من الرسائل الإلكترونية؟ (سواء كنا مرسلين أو متلقين). إحدى أهم الطرق هي المباشرة في الطرح والإيجاز. أذكر أنني كنت على وشك مسح رسالة طويلة من الخطوط الجوية البريطانية ظننتها ترويجية، ولكن الجملة الأولى كتبت بذكاء، إذ جاء فيها: «هذه الرسالة تحتوي معلومات تهمك، وهي رقم حجزك ومقعدك، وتاريخ الرحلة، فيما يلي التفاصيل». لم أمسحها بالطبع بل طبعتها على الفور لأنني عرفت مراد المرسل بجملة. البعض يتذمر من عدم رد الناس عليه وهو لا يدخل في صلب الموضوع إلا في ذيل الرسالة، فتتوه مع رسالته أو ربما تتجاهلها مبكرا مضطرا. عندما سئل أمير النثر العربي الجاحظ؛ ما البلاغة؟ قال: «الإيجاز».
شخصيا، لقد تعلمت شيئا مهما في اللغة الإنجليزية وهو جملة الموضوع الأولى أو الـTopic Sentence وفيها زبدة الكلام، ليت من يكتبون بالعربية يتبعونها فهي مهمة خصوصا في المخاطبات الرسمية.
ومن الحلول الأخرى التي تحفظ علينا أوقاتنا وأوقات الآخرين المتلقين لرسائلنا، هو اختيار ساعة محددة لقراءة الرسائل والبدء بالأهم فالأقل أهمية. فما يأتيك من مديرك لا شك بأنه مهم. وتجدر الإشارة إلى أن الذين يقللون عدد رسائلهم، ويفكرون في أهميتها للمرسل إليه قبل إرسالها، يكون ما يرسلونه محل اهتمام المتلقي، مقارنة بمن يمطرونك بوابل من الرسائل فيها الغث والسمين. وتذكر أنه كلما كانت رسالتك مقتضبة ازدادت فرصة الرد عليك.
أما إذا كانت هناك نقاط عديدة في رسالتك، فيفضل أن تبدأ بما يهم المتلقي، كالإطراء أو الإشادة بشيء محدد، أو انتقاده، أو لفت نظره إلى موضوع يقع في صلب اهتماماته، ثم تطرح النقاط الأخرى باختصار.
ومن أكثر ما يضيع أوقاتنا هو اشتراكنا في قوائم بريدية جماعية ليست ذات أهمية تذكر، ولا تساهم في تطوير ذاتنا أو صقل مهاراتنا الوظيفية فنهدر حصة أخرى ثمينة من أوقاتنا.
أما أولئك الذين لا يردون على رسائلنا، فلا بد أن نحسن الظن بهم، ونعذرهم لمشاغلهم. ويمكن أن نستخدم معهم خدمة متوافرة في بعض برامج البريد الإلكتروني تذكر المرسل أو المرسل إليه بأن يرد على البريد، ويمكن اختيار يوم وساعة التذكير (Reminder).
وتشير إحصائيات موقع «بنقدوم.كوم» إلى أنه «في عام 2009 تم إرسال نحو 90 مليار رسالة إلكترونية. أما «معدل الرسائل اليومية المرسلة فهو 247 مليار رسالة». وإذا كانت الرسالة تستغرق 3 دقائق فإن الناس، بحسبة بسيطة، يمضون نحو 12.4 مليار ساعة في التراسل الإلكتروني! ناهيك عما يقضونه في التصفح وزيارة مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن الآن فصاعدا، لا تقل ليس لدي وقت للقراءة أو الرياضة أو الهواية أو حتى الترفيه عن نفسك وعن أسرتك وأنت تقضي جل ليلك ونهارك في مطالعة بريدك الإلكتروني (أو تصفح المواقع) من دون ضابط. حاول أن تجري تجربة بسيطة كالتي ذكرتها في المقدمة، لتعرف كم من الوقت تمضيه في قراءة الرسائل.
وتذكر أن وقتك هو رأس مالك، فإن ذهب وقتك ذهب بعضك.
كم يلتهم بريدك الإلكتروني من وقتك
- التفاصيل