إشراقة النور
لكل منّا تجربة أو أكثر قبل فيها شخصاً رفضه من أول نظرة. ولكن كيف يشكل الناس انطباعهم الأول، وما العوامل التي تؤثر في ذلك؟ هل يدوم انطباعك الأول عن الأشخاص الذين تقابلهم من الوهلة الأولى؟ وهل تجيد الحكم عليهم أم تكتشف، بعد حين، أنك تسرّعت في حكمك؟
مازلنا حتى اليوم نحكم على مَن نلقاهم من أول مرة، ولا نعطيهم فرصة لكي يرسموا لأنفسهم الصورة الحقيقية. ربما لا تكون هذه الصورة صادقة لكن بالنسبة إلى زهرة عمارة، المضيفة في إحدى شركات الطيران، فإنّ الرسائل التي يرسلها المتحدث عبر حركاته وسكناته، ونبرة صوته وملابسه، ونظافة حذائه هي الأكثر فاعلية من الكلام الذي يتفوه به. فالعرسان الذين رفضت "أوراق قبولهم" جميعهم لم يجتازوا اختبار الإنطباع الأول لديها. وسماتهم كانت في وجوههم: "حاستي قوية في هذا الإطار ومن النادر أن تخيب". تجد زهرة أن حدس النساء أكبر من الرجال، في مسألة الإنطباع الأول، لأنّ المرأة أكثر اهتماماً بالتفاصيل، مقارنة بالرجل، "التفاصيل الصغيرة هي التي تشكل الآراء الكبيرة".
على عكس شقيقتها رابعة عمارة (خريجة جامعية) كثيراً ما تتغير صورة مَن تراه للمرة الأولى في ذهنها، حينما تتعامل معه مباشرة وتعاشره. ربما تتغير الصورة إلى الأفضل أو الأسوأ، "فالناس كالصناديق المغلقة لا يمكن اكتشاف ما في داخلها حتى نفتحها"، لذا فإنّ اللقاء الأول غير كافٍ بالنسبة إليها.
تتبع رابعة سياسة دفاعية ضدّ الإحباط، الذي قد ينشأ من الخطأ في الحكم، "جميل أن يصدق حدسك. ولكن من الصعب اكتشاف غير ذلك. هذا الأمر يصيبني في كثير من الأحيان بالصدمة، لذا لا أحاول أبداً الحكم من اللقاء الأول".
ما يتركه الإنطباع الأول عند أحمد إسماعيل يدوم حتى وإن تغيرت بعض التفاصيل impression stand for ever first "فهو أمر يطبع في الذاكرة ولا يمكن أن يحمي. قد يتغير ولكن يظل كالذكرى".
يعتمد أحمد على حدسه كثيراً، وبخاصة عندما صدق معه في اختياره زوجته، الذي قال إنه أحبها من أول نظرة لصفات الهدوء والطيبة والحنان، التي قرأها في مظهرها أول مرة، ولم يخب ظنه أبداً، إذ إنه وجد تلك الصفات تماماً بعدما عاشرها.
لكن هذا الأمر ليس سارياً في جميع الأحوال، فهناك مواقف خاب فيها حدسه، ويتذكر فكرته عن رئيسه في العمل، الذي كان يعتقد أنه "إنسان بارد وغير مهتم". ولكن مكوثه في العمل فترة أربعة أشهر غيرت هذه النظرة تماماً لديه، فقد اكتشف فيه خصالاً إنسانية رائعة، "بعض الناس يحتاجون إلى الوقت كي تظهر صفاتهم الحقيقية".
- فرصة ثانية:
أمّا حدس محمد فكري، فقد خدعه مدة خمسة أعوام متتالية، فقد ظنّ أنّ الرجل الذي صادقه وارتاح له من أوّل لقاء لم يكن يستحق تلك النظرة والإحساس. هذا الإكتشاف المتأخر جعله يتردد بعد ذلك في الحكم على الناس من خلال مظهرهم وقبل أن يختلط بهم ويختبرهم، "معدن الإنسان لا يتضح إلاّ بالتجربة والمعاشرة والمواقف".
بات محمد بعد هذا الموقف يعطي نفسه الفرصة في الحكم على الناس ولكنه لا يصدر حكماً نهائياً بشأنهم، "فكثير من الناس تخدعك بعض تصرفاتهم السطحية ومع مرور الوقت تكتشف أن حكمك لم يكن في محله".
لا تؤيد رانيا أبو شعبان الإنطباع الأول عن تجربة، فحكمها برفضها إحدى معلماتها كان فاشلاً تماماً، إذ اكتشفت عكس ما كونت من رأي. ولكن بشاشة الوجه تهمها كثيراً وتساعدها على أن تتعدى الحواجز التي تفصلها عن الوصول إلى أعماق مَن تلتقيه لأول مرة "ربما كان المظهر الجاد لأستاذتي هو ما نفرني منها، في البداية. ولكن مع مرور الأيام اكتشفت شخصية جميلة وراء ذاك الجمود".
الإرتياح للشخص هو الذي يحدد بالنسبة إلى عبدالرحيم عبدالمنعم مدى قبوله، "والرسالة تقرأ من عنوانها"، فهو يعتقد أن 90 في المئة من أحكام الشخص الطبيعي على الآخرين من المقابلة الأولى تكون صحيحة.
يؤمن عبدالرحيم بأنه يحسن إصدار الأحكام على الناس الذين يلتقيهم للمرة الأولى، وهو لا يدري إذا كانت هناك قاعدة معينة لهذا الأمر، ولكنه يظن أنّ الروح تبحث دائماً عمّا يشبهها ويريحها، "وهي أكثر حساسية من العقول للشعور بمثل هذه الأمور".
يكمل: "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها أئتلف وما تنافر اختلف". إذن، يجد عبدالرحيم نفسه مع الحديث النبوي ويصف مقدرته على سبر أغوار مَن يلتقيه والنفاذ من القناع الذي يرتديه إلى حقيقة ذاته: "لا أستطيع أن أقول عنها فراسة ولكن لدي حاسة دقيقة ونادراً ما تخطئ، فأحياناً لا أرتاح لشخص معيّن على الرغم من أن كل ما يبديه يكون جميلاً ظاهرياً، وغالباً ما تثبت لي الأيام أنني كنت محقاً".
"بالتأكيد إن هناك أحكاماً خاطئة"، يستدرك عبدالرحيم ويضحك: "لكنني دائماً ما ألوذ بالفرار من هؤلاء الأشخاص الذين لا أرتاح لهم، وبالتالي لا تكون لديهم عندي فرصة ثانية لأكتشف إذا كنت مخطئاً أم محقاً بشأنهم".
"نخالط أشخاصاً لا نرتاح لهم من النظرة الأولى، وقد تفرضهم علينا ظروف الدراسة أو العمل، ولكن الزمن يكشف لنا خصالاً رائعة فيهم": هذا ما حدث في التجربة التي عايشتها زهرة عويل طالبة. فواحدة من أقرب صديقاتها ظنتها خبيثة ومستهترة، "ثم لم ألبث أن أكتشف أنها من ألطف الناس وأطيبهم لدرجة أنني شعرت بالندم من انطباعي الأول عنها". تضيف: "ربما ننفر من شخص ولكن بالتعامل يتضح أنه يختلف وتوجد فيه نواحٍ محببة، والعكس صحيح".
"تكلم كي أعرفك"، هذه القاعدة التي ينطلق منها عبدالعزيز الحسن (موظف) في حكمه على الناس. فهو لا يسلم نفسه رهن الإنطباع الأوّل، "فمن الظلم تحليل شخصية أي إنسان بخاصة إذا كانت سلبية والحكم عليها بمجرد مقابلته للمرة الأولى وأنت لا تدري أي ظرف أو حالة يعيشها في تلك اللحظة وجعلته يبدو في الحالة التي رأيتها عليه".
"انتقاء العبارات وطريقة الحديث وطرح الأفكار هي المدخل الرئيسي لمعرفة مستوى الشخص والطريقة المثلى لتقويمه". يعلق عبدالعزيز: "أمّا المظاهر، فهي كثيراً ما تكون خادعة ولا تفصح عن السمات والنيات".
يجد نادر عجيمي (رجل أعمال) أنّ الإنطباع الأوّل الذي نتخذه عن الشخص الذي نلتقيه للمرة الأولى، كثيراً ما يتأثر بالظرف النفسي الذي نعيشه، "إذ إن معرفتك المحدودة بالشخص الآخر لا تسمح لك بتكوين الإنطباع الذي استقر في داخلك لولا رغبات نفسية تدفعك بهذا الإتجاه. فحينما تكون تبحث عن عروس مثلاً فإن انطباعك الأول عن أي فتاة تلتقيها يذهب في اتجاه كونها تصلح لأن تكون عروساً مناسبة، وحينما تكون بخيلاً فإنّ الإنطباع الذي يعتريك هو أن كل مَن تلاقيه ربما يطمع في مالك".
يؤيد نادر بعض الآراء السابقة : "وكل ما يصدر عن أشخاص نقابلهم للتو لا يتعدى كونه تعليقاً بسيطاً لا يجب أن يعول عليه، ويبقى الإحتكاك والعشرة هما الفيصل في حكمنا على البشر".
في زمن الإهتمام بالمظاهر والنفاق الذي ساد جميع مجالات الحياة، تؤمن إيمان فكري (محاسبة) بأنّ الإنطباع الأول لا يصلح كنوع من المعرفة: "فالسمات أصبحت مزيفة ولا يُعرف المرء إلاّ من أفعاله".
وفي مواجهة ذلك، تفسر أسلوبها: "أؤجل الأحكام ولا أطلقها إلاّ بعد لقاءات عدة، أدرس الوجوه، وأسمع الأحاديث، وقد يساعدني في ما بعد على تقويم الأمور بشكلها الصحيح، ومن ثم أقرر إذا كان هذا الشخص صالحاً أم لا".
- الدكتور محمد ابوالعينين: الفراسة عامل أساسي في العلاقات الاجتماعية
يعرف الدكتور محمد أبو العينين، رئيس قسم الإجتماع، جامعة الإمارات، الفراسة بأنها مصطلح مرادف للذكاء الإجتماعي، تنم عن قدرة صاحبها على قراءة الواقع الإجتماعي المحيط به قراءة صحيحة، وفهم مجريات الأمور، والأكثر من ذلك توقع الأحداث. وهي بذلك تكون موهبة أكثر منها تدريباً أو تعليماً، قد تصقلها خبرة الحياة ولكن ليس بالضرورة، لأنها قد توجد لدى أشخاص خبرتهم بالحياة قليلة".
يضيف: "نسمع جميعاً عن علم الفراسة، ونقول أحياناً إن فلاناً تفرس وجه فلان، دلالة على محاولة سبر أغواره، والفراسة نوع من أنواع الحدس الإجتماعي، بمعنى التنبؤ بأشياء لم تحدث بعد، وعندما تحدث يقول صاحبها لمن حوله: "ألم أقل لكم؟ لقد حدث ما توقعته. لقد توقعت أن هذا الشخص محتال أو مخادع، أو مخلص أو وفي.. إلخ.
وها قد تحقق ظني به".
يتابع: ربما تتقابل مع شخص ما للمرة الأولى، لكن أحاسيسك ومشاعرك تنبئك بأنه غير مريح أو أنك ترتاب فيه أو تشعر نحوه بعدم الإرتياح. وتمر الأيام وربما السنون لتكتشف بعد ذلك أن حدسك كان صحيحاً وأن توقعاتك كانت في محلها. وعلى العكس، قد تقابل شخصاً آخر تتوسم فيه الخير والصلاح وتثبت الأيام صدق أحاسيسك التي لم تبنها على دراسة هذا الشخص أو معايشته ومعاشرته وإنما من لقاء عابر أو حديث سريع وحسب.
يشير الدكتور أبو العينين إلى أنّ الإنسان جسد وروح، والمقصود بالروح ذلك الجانب السيكولوجي في الإنسان، بمعنى النواحي النفسية والأحاسيس والمشاعر والهواجس التي تشكل جزءاً من اللاشعور، أو ما يكمن في العقل الباطن ولا يظهر على السطح. فقد تنتابك مشاعر الخوف من المجهول، وقد يراودك شعور بنجاح خططك ومشروعاتك. ما الذي يجعلك تخاف أمراً ما وتتفاءل بأمر آخر؟ لا أمر محدداً وإنما هكذا تشعر وهكذا تحس. إنما تلك المنطقة الرمادية من شخصية كل واحد منّا.
والفراسة، بحسب الدكتور أبوالعينين، قد تفيد صاحبها، إذ تساعده على اختيار أصدقائه، ومعارفه، وتبعده عن المشكلات والأزمات، إنها عامل مساعد على تكوين علاقات اجتماعية قوية. ولكن الإنسان لا يستطيع أن يعول على فراسته في كل الأوقات وفي جميع المواقف، فقد يخيب ظن الإنسان في إنسان آخر التقاه لفترة وجيزة، وقد يتحول الشخص الذي كنت تظن به سوءاً إلى شخص محل ثقة وتقدير. الفراسة بهذا المعنى تكون أمراً تقديرياً أو احتمالياً، ومع ذلك تجد بعض الناس يجزمون بأن ظنهم لا يخيب أبداً وأن توقعاتهم غالباً ما تصدق.
يؤكد الدكتور أبوالعينين، أنّ العلاقات الإجتماعية أمر معقد للغاية، تتدخل فيها العوامل التي تؤدي دوراً في تشكيل هذه العلاقات، وأحد هذه العوامل هو إحساسك الطبيعي أو التلقائي أو حتى كما يفضل البعض أن يسمِّيه الإحساس الفطري. لكن هناك عوامل أُخرى تؤدي دوراً منها المصلحة التي تقوم عليها العلاقة. فكثيراً ما يحاول الشخص إقناع نفسه بأنّ الشخص الآخر طيب وابن حلال ولديه استعداد للتعاون والمساعدة. قد يبني الشخص أحكامه هذه على مجرد تمنيات يتمناها هو في الشخص الآخر من دون أن يكون لديه أي سند أو برهان من الواقع. وتزداد خطورة الإعتماد على الفراسة حينما تكون هي الأساس الوحيد للدخول في علاقات مهمة في حياة الإنسان، مثل علاقات الزواج أو الشراكة التجاربة.
لا يوجد لدى الناس مقاييس يقيسون بها سمات الشخصية، يوضح الدكتور أبوالعينين: "لكنهم بالفطرة يستشعرون الآخر. وكما أن للفراسة الإجتماعية مزاياها، فإن لها عيوبها أيضاً، إذ قد يرتكن إليها الشخص في كل الأحوال وقد تضلله مشاعره أو تقوده إلى الحكم الخطأ على الناس. يقول المثل الشعبي: "هل تعرف فلاناً؟ فنقول نعم، فيقولون هل اشتريت منه أو بعت له؟ فنقول لا، فيقولون إذن أنت لا تعرفه".
والمقصود هنا أنه لا ينبغي أن نحكم على الشخص من مجرد هيئته أو مظهره أو كلامه. فهذه كلها قد تكون مصطنعة وقد يتخذها الشخص ستاراً يخفي تحته مساوئ شخصيته.
البعض يشبه الفراسة بقرون الإستشعار التي تلتقط الأمور عن بُعد، ولكن الدكتور أبوالعينين يفسِّرها بأنها أحاسيس ومشاعر غير مبررة تقود صاحبها إلى الحكم المسبق على الأشياء والأشخاص والمواقف المحتملة. ويختم: "ما أكثر حاجتنا إلى الذكاء الإجتماعي اليوم لنقيم علاقاتنا الإجتماعية على أسس متينة ولنبني شبكة قوية من العلاقات الإجتماعية تشعرنا بالأمان الإجتماعي. فالعالم الذي نعيشه ممزق إجتماعياً. والإنسان بات يخشى أخاه الإنسان. يخشى بأسه ويخشى تقلباته. ما أحوجنا أن نتسلح بذكاء إجتماعي يسهل علينا الحياة ويرشدنا إلى صحيح الفعل الإجتماعي ويجنبنا الوقوع في أخطاء قد تكلفنا كثيراً. لكننا حتماً لا نقصد أن يتسم الإنسان بالخبث الإجتماعي أو الانتهازية التي يلجأ إليها البعض لتحقيق مآربهم في الحياة".
- ابهر الآخرين:
1- احرص على أن تنظر بانتباه وتستمع باهتمام، فهما أهم ما يميزك عن الآخرين.
2- دائماً ينظر الناس إلى الوجه والرقبة في أول مقابلة لذلك احرص على أن تكون تسريحة شعرك مناسبة للوجه، وأن يكون المظهر منسقاً، مع جعل الموجة مستقيمة.
3- من أهم الأمور التي يُنظر إليها هو الحذاء ولا تتعجب من ذلك، فهذه حقيقة، لذلك احرص على أن يبدو الحذاء نظيفاً وشكله جيداً ولونه مناسباً للملابس، فالحذاء الجيد أو المهمل دليل على أداء صاحبه في تفاصيل العمل.
4- اهتم جيداً بالشخص الآخر واستخدم اسمه دائماً أثناء الحديث إليه، فذلك يعطي الإنطباع بأنك مهتم به وتعتني بجميع التفاصيل.
5- أظهر نوعاً من التقدير خلال الكلمات الأولى في اللقاء، كأن تقول للآخرين شكراً على وقتهم الذي خصصوه من أجل الإجتماع بك أو عبِّر عن تقديرك للتنظيم الذي قام به الطرف الآخر، أو تقدّم بالشكر للعميل الذي وصل في موعده المحدد وأمور من هذا القبيل.
6- الوجه البشوش والنظر في أعين الآخرين يختصران مسافات كبيرة. فالإتصال عبر الأعين يجعل الآخرين يشعرون بإحساس جيِّد تجاه أنفسهم وتجاهك أيضاً.
7- لا تبق صامتاً طوال الوقت حتى وإن كان لدى الطرف الآخر الكثير ليقوله، فليس هناك حوار من طرف واحد مع الحرص على عدم مقاطعة الآخرين.
8- معاملتك لزملائك والآخرين أمام مَن تقابلهم للمرة الأولى تنم عن شخصيتك، فاحرص على حُسن معاملة الآخرين وكن مهذباً وبشوشاً.

JoomShaper