الدستور - منذر الحميدي
تنامت حالات العنف وجرائم القتل داخل العائلة الواحدة في المجتمع وأصبحت في الأونة الأخيرة تشكل مادة رئيسية تداولتها ألسنة المواطنين في لقاءاتهم ، حيث كان محورها طرح مجموعة من الأسئلة والإستفسارات حول كيفية وصول الفرد إلى إزهاق روح وإرتكاب جريمة بشعة بحق أحد أصوله أو أقاربه بغض النظر عن الدواعي والمسببات المرفوضة شرعاً وأخلاقاً.
واللافت للنظر أن الإحصائيات الرقمية للجرائم المرتكبة خلال عام 2010 بحسب مصدر مطلع بالمكتب الإعلامي في مديرية الأمن العام ، تشير إلى أنه وقعت 97 جريمة قتل مصنفة قصد وعمد ، منها 37 جريمة قتل قصد تربط الجاني والمجني عليه صلة قرابة. ولعل من و أبرز الجرائم التي شهدها الأردن وشكلت صدىً واسعاً في وسائل الإعلام المختلفة ورمت بظلالها على شرائح المجتمع ، هي الجريمة التي وقعت من قبل الأم الجانية ضد ابنتها وحماتها ، حيث كانت الطفلة ضحية نتيجة خلافات الأم مع الجدة ولرؤيتها لمقتل جدتها أمام أعينها. ومن تلك الجرائم أيضاً التي تقشعر لها الأبدان ما أقدمت عليه أحدى السيدات مؤخراً بإرتكاب جريمة قتل لا تقل بشاعةً عن سابقتها ، حين قامت و بدم بارد بقتل طفليها بسكين طعنتهم بها عدة طعنات وحاولت قتل ابنتها الثالثة إلا أن القدر حال دون خروج الروح إلى بارئها ونجت الاخيرة من الموت بأعجوبة.

لا تشكل ظاهرة

ويرى نائب نقيب المحامين الأستاذ سمير خرفان أن الجرائم المرتكبة داخل العائلة الواحدة لا تشكل ظاهرة بالمعنى الواسع إنما هي نتيجة لردة فعل تجاه موقف معين لا يقع ضمن الجرائم المنظمة كما هو الحال في الدول الغربية.

وعزا خرفان إرتكاب بعض الأشخاص لتلك الجرائم بحق أحد أفراد عائلته إلى مجموعة من الدوافع ، مشيراً أن جرائم القتل بدافع الشرف الواقعة على المرأة تعتبر من أعظم الدوافع لارتكاب الجريمة ، علاوةً على سوء الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي لها الأثر الأكبر في تحريك النزعة العدوانية تجاه الآخرين ، مطالباً كافة الجهات المعنية بالتصدي لمثل هذه الحالات وتقديم الحلول الناجعة وإخراجها إلى حيز الوجود للوقاية من تناميها.



شرط القرابة المباشرة

ومن جهته قال أستاذ القانون الجنائي في الجامعة الاردنية سامي رواشدة أن المشرع الجزائي الأردني شدد عقوبة جريمة القتل في عدة حالات ، وورد النص عليها في المادتين 327 و 328 من قانون العقوبات ، مشيراً أن أهم حالات القتل المشدد المنصوص عليه في قانون العقوبات هي القتل المشدد القائم على صلة القرابة ، حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة 328 من قانون العقوبات "الحكم بالإعدام على مرتكبي القتل قصداً إذا ارتكبه المجرم على أحد أصوله" لافتاً أن الأصول هم الآباء والأجداد مهما علوا والأمهات والجدات مهما علون. حيث يتبين أن القرابة التي يجب توافرها من أجل تطبيق عقوبة الإعدام هي القرابة المباشرة فحسب.

ثقافتنا أصبحت عرضة للاقتلاع

ومن جانبه يرى أستاذ علم النفس في الجامعة الأردنية عاطف الشواشرة بأن القيم العائلية تبدلت وأصبحت ثقافتنا عرضة للإقتلاع من جذورها ، مبيناً بأن آثار العولمة والتكنولوجيا أصبحت تمثل المنهاج الخفي الذي يقود تعليمنا بشكل لاشعوري لتمثل القيم المادية في عالم يسوده القلق واللهث وراء المال ، موضحاً أنه لا غرابة إن سمعنا كل يوم عن حوادث القتل والدماء بين الأشقاء وبين الآباء والأبناء.

وتناول الشواشرة في حديثه حول التحليل البيولوجي للإجرام مفسراً نزعة الفرد للجريمة ، مبيناً أن العلم أثبت امتلاك الإنسان 46 كروموسوماً منها 44 كروموسوماً جسدياً عادياً وكروموسومين جنسيين هما (XX) للأنثى و (XY) للذكر ، ومشيراً بذلك إلى أن العنصر المسمى (Y) في كروموسوم الذكر هو ما يميزه عن كروموسوم الأنثى.

وأضاف الشواشرة أن الدراسات النفسية بينت أن امتلاك الفرد لعدد زائد من الكروموسومات و تحديداً عندما يصل إمتلاكه إلى 47 كروموسوماً منها اثنان ذكريان (YY) بدلاً من واحد (Y) أي 44 كروموسوماً عادياً زائد ثلاث كروموسومات هي (XYY) فإن هذا الاختلال يكون ذو نزعات إجرامية شبه أكيدة ، مبيناً أن هذه المعادلة تعزز رغبة الفرد بالسيطرة التي تقوى بالعوامل الاجتماعية ذات الخلفية الذكورية التي تفرد له قدراً أكبر من الاهتمام والإثارة في مختلف شؤون الحياة.

ضعف الوازع الديني

ومن جهة أخرى يرى أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية محمد عيد الصاحب أن حجم العنف الأسري إزداد في الأونة الأخيرة ، مؤكداً أن ديننا الحنيف يعتبر جريمة القتل داخل الأسرة من أعظم الجرائم ، مستشهداً بقوله تعالى: (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً) ، فهذا حكم من قتل نفساً بريئة ليس لها ذنب ، فكيف إذا زاد القاتل على ذلك فكان المقتول ابناً أو بنتاً أو أخاً أو أختاً ؟،

وعزى الصاحب قيام الفرد بذلك إلى ضعف الوازع الديني الذي يقع ضمن الأسباب الرئيسية للقيام بمثل هذه الأفعال الخطيرة ، بالإضافة إلى الأنسياق وراء الثقافات الغربية المخالفة لثقافة الأمة الإسلامية والتي تصطدم مع عاداتها وتقاليدها ، وتسمح بتجاوز الحدود في السلوك والأخلاق.

رفض الفرد حكم رب الأسرة
ويرى القاضي العشائري الشيخ بركات الزهير أن دور العشيرة كان خط الدفاع الأول في الحد من إرتفاع ظاهرة الجرائم العائلية مبيناً أن هناك مجموعة من العوامل ساهمت في تعزيز أواصر الترابط داخل منظومة العشيرة المتمثلة بتطبيق عادات العشيرة المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية بالإضافة لتكاتف الجميع تحت بوتقة شيوخ العشيرة والإنصياع التام لأوامرهم.

إلا أن الشيخ الزهير أبدى إستياءه من جرائم القتل التي يرتكبها أفراد العائلة الواحدة ضد بعضهم البعض والتي أرجع أسبابها إلى البعد عن الدين والعائلة بالإضافة إلى مجموعة من العوامل والتي منها سوء التربية منذ الطفولة وتدني مستوى المعيشة وعدم تقبل الفرد في العائلة لحكم رب الأسرة بداعي الحرية الشخصية.

JoomShaper