عمان - بترا - اخلاص القاضي وبشار الحنيطي
حتى عهد قريب ظل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك ، التويتر ، اليوتيوب) مقتصرا على فئة الشباب.. غير ان توق ولوج عالمها وصل لكبار في السن وربات بيوت واطفال بعد ان ذاع صيت تلك المواقع عبر فضائيات تطرقت الى اهميتها جراء اثبات قدرتها على تأسيس قاعدة من الحوار المبني على القواسم المشتركة بين الملايين من مستخدمي تلك المواقع التي وصفها اختصاصيون بالتنظيم المدني الراقي.
فهذه الستينية ام غازي تقول لوكالة الانباء الاردنية (بترا) "ان تردد اسم مواقع التواصل الاجتماعي عبر فضائيات اشعل غيرتي وجعلني تواقة الى معرفة المزيد عنها ، فدخلت الى عالم مواقع التواصل الاجتماعي من خلال موقع الفيس بوك الخاص بابني الثلاثيني ، ما اخرجني الى حد ما من نفق العزلة عن العالم الخارجي".
كما انها متابعة للنشرات الاخبارية ، واستوقفها كما تضيف التنويه الذي غدت محطات فضائية تردده في نهاية كل نشرة والذي يقول: "تابعونا عبر مواقع التواصل الالكتروني ، الفيس بوك والتويتر واليوتيوب" ، مؤكدة ان لديها شغفا للاطلاع على تلك المواقع التي تكمل شخصيتها بمعرفة كل جديد.
فضاء مفتوح بعد التقاعد
يقول الستيني ابو نشأت: "بعد التقاعد وجدت في تلك المواقع ضالتي بالبحث والتواصل مع اصدقائي القدامى ، ولمست كم تسهم في اثراء المعلومات".
والمفارقة ان اطفالا وجدوا في الانضمام الى عالم الفيس بوك ضالتهم وكأنهم لا يريدون البقاء خلف ركب التطور ، حتى وان خالفوا تعليمات الانضمام اليه من خلال تغيير تواريخ ميلادهم كما فعل الطفل سيف الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره حيث اوجد موقعا خاصا به على الفيس بوك ، وسط استغراب والده من تمكن طفله من اتقان التعامل مع الشبكة العنكبوتية في فترة وجيزة.
وكذلك فعل عشرات الاطفال من الذين يغيرون تواريخ ميلادهم ليتسنى لهم ولوج عالم الفيس بوك الامر الذي يقتضي رقابة الاهل ومتابعتهم بحسب اختصاصيين.
ووفقا لاختصاصيين في علمي النفس والاجتماع فقد كشفت تلك المواقع عن ضمها لمجتمع كبير وحدته تقنيات الاتصال الالكتروني وجعلت فيما بين اشخاصه قواسم مشتركة بصرف النظر عن الفئة العمرية.
ويشيروا لـ (بترا) الى ان هذا التواصل ترجم الى وحدة في الهدف ، اذ ان (الفيس بوك) على سبيل المثال نجح في كسر الاحكام المسبقة عن الاخر وفي تقريب وجهات النظر معه ، وفي التأسيس لقاعدة من الحوار المبني على القواسم المشتركة لمطالب بعيدا عن الشخصنة.
لا يمكن الاستغناء عنها
يقول استاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي ان مواقع التواصل الاجتماعي اصبحت من الاهمية بمكان بحيث لا تستطيع غالبية الناس الاستغناء عنها ومنهم كبار السن وربات البيوت ، اضافة الى الاطفال الذين يدخلون عالم الفيس بوك بعد ان يغيروا في تواريخ ميلادهم ، اذ انه من المعروف ان تفعيل (حسابات خاصة) على الفيس بوك يجوز للبالغين وليس للاطفال منوها الى خطورة هذا الامر الذي ل ابد من التطرق اليه عبر الصحافة لاحقا.
ويضيف ان تلك المواقع مهمة جدا لا سيما اذا وظفت للاستخدامات الايجابية ، وليس لملء الفراغ والتسلية واللعب فحسب منوها الى ان تلك المواقع تشكل ارضية خصبة للتعليم المستمر والتثقيف وتعزيز المشاركة والعمل التطوعي والتواصل مع اصحاب المجالات الواحدة من اكاديميين ومثقفين وكتاب وغيرهم.
ويرى ان تعزيز التواصل بين الاكاديميين على سبيل المثال عبر مواقع التواصل الاجتماعي يؤسس لشبكة تعليمية تبني على المحصلة العلمية لكل اكاديمي وتفرز نوعية جديدة للتعلم المستمر عبر تبادل التجارب والخبرات التعليمية واساليب التدريس ومنهجيتها.
ويعترف الدكتور الخزاعي بان الاتصال بالعالم الخارجي عبر (الفيس بوك ، تويتر ، اليوتيوب) مفيد جدا ، لكن ليس على حساب التواصل داخل الاسرة ، اذ انه من الملاحظ ومن خلال شكاوى بعض الاسر ان مستخدمي تلك المواقع يوصدون على انفسهم ابواب الغرف ويبقون داخلها لساعات طويلة ليحول ذلك دون لقائهم بافراد عائلاتهم ما يشكل عقبة امام الحوار الاسري والتعاون والمشاركة وهذا ما لا تريده تلك الاسر لان يستمر او ان يصبح القاعدة في العلاقات الاسرية.
ويقول ان عناصر الجذب الموجودة عبر تلك المواقع تقدم اغراءات تجعل المتابع لها متسمرا امام شاشة الحاسوب متناسيا محيطه الخاص به الامر الذي يشكل خطورة بالغة عليه تجعله اسيرا للعزلة حتى لو انه يستقي من مصادر متنوعة معلومات او اخبارا ، غير انه يتحول مع الوقت الى مطلع ومتحدث في شؤون عالمية ومفتقد للاطلاع على شؤونه ضمن محيطه الصغير.
ويرى انه واستنادا الى دراسات اجتماعية فان تلك المواقع مكنت العديد من الاشخاص ممن كانوا يعانون من الخجل الاجتماعي من تجاوزه الى فضاءات رحبة وجعلت منهم اناسا قادرين على التعبير عن ذاتهم بكل ثقة واقتدار ، كما قوّى من قدرتهم على التأقلم مع المحيط خاصة ذلك المتعلق بالمدرسة والجامعة.
كما ان الاستخدام السليم لتلك المواقع وفقا له يتطلب ممارسة الحرية والديمقراطية واساليب التعبير عن الذات بطريقة مسؤولة ومنضبطة لا ان يفسرها متابعو تلك المواقع على انها انفلات او تحرر من العادات والتقاليد المتعارف عليها او تصريح للثورة عليها.
ويشير الدكتور الخزاعي الى ان عدد مشتركي الفيس بوك على سبيل المثال وصل الى مئات ملايين المشتركين عالميا ، وان متوسط الاصدقاء عبر الفيس بوك للشخص الواحد يبلغ 110 اصدقاء ، ما يكشف عن مجتمع كبير جدا وحدته طريقة الاتصال هذه وقربته من بعضه بعضا وجعلت فيما بين اشخاصه قواسم مشتركة اقلها يتعلق بالاتصال اليومي والسؤال عن المستجدات والنشاطات والاحداث المحلية والعالمية وتبادل الاراء والافكار حولها.
ويرى ان تأثير (الفيس بوك واليوتيوب وتويتر) على المجتمعات التي ارادت التغيير بطريقتها الخاصة ، اضافة الى نجاح تلك المواقع في توحيد الاهداف المتعلقة بحق الاشخاص في تقرير مصيرهم واختيار من يمثلهم جعل كبار السن ممن لا يعلمون شيئا عن الشبكة العنكبوتية تواقين لاقتناء الحواسيب ووصلها بالانترنت وتاليا بتلك المواقع مشيرا الى انهم باتوا يشعرون بانهم في عزلة عن الجيل الرقمي الذي يتقن الى حد بعيد فنون التواصل عبر التقنيات الالكترونية.
وينوه الى ان البعض من كبار السن او من ربات البيوت كانوا قد كونوا فكرة سلبية عن الفيس بوك وبانه مضيعة للوقت فحسب ، وبانه وجد للشباب فقط ، غير ان المتابعين منهم للنشرات الاخبارية عبر الفضائيات من الذين استرعى انتباههم تنويه مذيعي تلك النشرات الذي يحث على متابعتها عبر تلك المواقع جعلهم يتراجعون عن حكمهم المسبق لتلك الفكرة السلبية بل ويصمموا على السير في طريق التعلم للتواصل بهذه الطريقة لمعرفة احداث العالم وآخر المستجدات فيه.
ويلفت الدكتور الخزاعي الى ان شهرة تلك المواقع ازدادت بعد الاحداث في كل من تونس ومصر ، حيث كان لهذه المواقع الاثر الكبير في التغيير الذي حدث في كلا البلدين ما جعل البعيدين عن تلك المواقع سواء من كبار السن او ربات البيوت او حتى من المتعلمين من الذين لا يستهويهم الانترنت اصلا يغيرون قناعاتهم تجاه الاتصال الالكتروني ويعيرونه اهتماما غير مسبوق موضحا ان عدد مشتركي الفيس بوك ازداد بشكل ملحوظ بعد تلك الاحداث وفقا لتقارير اخبارية.
عدوى ايجابية
مستشار الطب النفسي الدكتور محمد الحباشنة يقول ان الفيس بوك كموقع اجتماعي عانى منذ انطلاقته قبل سنوات من النقد من قبل غير المتعاملين به من فئات مختلفة ولاسباب متنوعة ، غير ان واقع الحال اختلف ، اذ انه اضحى وسيلة نوعية للتواصل الهام بشأن قضايا الامة وهمومها بحيث ترجم هذا التواصل الى وحدة في الهدف ، وان الفيس بوك نجح في كسر الاحكام المسبقة عن الاخر وفي تقريب وجهات النظر معه ، وفي التأسيس لقاعدة من الحوار المبني على القواسم المشتركة للمطالب بعيدا عن الشخصنة.
ووصف مواقع التواصل الاجتماعي بالتنظيم المدني الراقي الذي يحقق الاهداف دون عنف او فوضى ولا سيما اذا ارتبطت تلك المواقع بمتواصلين عبرها من المتعلمين المتنورين الذين يريدون الافضل لوطنهم ويملكون الخطاب العقلاني المعتدل.
ويقول ان الملفت في مواقع التواصل تلك انها اذابت جليد اختلاف اللغات او المعتقدات او العادات والتقاليد ووحدت العالم في بوتقة القواسم المشتركة والميول ، الامر الذي كان له ابلغ الاثر في فهم الاخر داعيا الى استثمار تلك المواقع في تعزيز الحوار المشترك والتوصل الى اسس للتفاهم في سبيل ترسيخ دعائم التنمية بما فيه مصلحة الوطن.
وحول توق فئات جديدة الى معرفة الفيس بوك من كبار السن وربات البيوت يرى الدكتور الحباشنة ان ذلك عبارة عن عدوى ايجابية وحدت ميول الناس من مختلف الفئات وجعلتهم يقتنعون بان لديهم القدرة على ابداء الرأي بل وربما التأثير الايجابي على الرأي العام في قضايا مختلفة.
ويرى استاذ علم الاجتماع الدكتور عزمي منصور الذي يشاطر الحباشنة والخزاعي اهمية الفيس بوك والمواقع الاخرى لجهة التواصل وتوحيد الاهداف ان مواقع التواصل الاجتماعي تجاوزت التقييدات بمختلف انواعها ومرجعياتها الى فضاءات رحبة ما حوّلها الى مواقع تأثير لعله في معظم استعمالاته ايجابي.
وعطفا على ما اشيع عن نية بعض الدول منع الفيس بوك وحجبه عن الشبكة العنكبوتية ، يقول :
حتى لو تمكنوا من حجبه فان الشباب الذين اتقنوا وسائل الاتصال واستخدام التقنيات بها لن يكونوا عاجزين عن البحث عن وسائل اخرى للاتصال ، لاسيما وان امكانية الاطلاع على الانترنت عبر الهواتف النقالة متوفرة.
ويقول ان الفيس بوك اضحى وسيلة عالمية للتواصل ، فقد استثمرها رئيس الولايات المتحدة الاميركية في حملته الانتخابية وهذا مثال حي على الاستخدام الامثل لها.
استثمار
وحول ذلك تقول لانا الروسان - معلمة في مدرسة خاصة - انها استثمرت الفيس بوك من اجل جمع مليون توقيع تأييد بهدف نشر مفاهيم الاصلاح كمسؤولية جماعية على الشباب المشاركة بها من اجل تنمية مستدامة.
وتضيف :"لا يمكن ان استغني عن الفيس بوك ، اذ انني اتابع عالمي الخاص من خلاله يوميا لمدة 7 ساعات ، اتواصل مع صديقاتي داخل المملكة وخارجها واطلع على اخبار العالم واتفاعل مع القضايا العامة"، فيما تقول والدة الطالبة رغد 13 عاما انها لا تسمح بمثل الوقت المتاح للروسان ، فقد اتفقت وابنتها على الا يتجاوز وقت التعامل مع (الفيس بوك) اكثر من ساعة ، وتحت اشرافها ومتابعتها ومراقبتها ، ليس لعدم ثقتها بابنتها ولكن الفئة العمرية لابنتها تفرض هذا النوع من المتابعة.
غير ان الطالبة نجود الودعان 16 سنة اختارت الغاء الفيس بوك من تعاملها اليومي بعد ان شعرت بان جلوسها الطويل امام شاشة الحاسوب اثر على مستوى معدلها في المدرسة مؤكدة ان الشخص يستطيع ان يحكم بنفسه على الامور اذا كانت بصالحه فيستمر بها واذا كانت عكس ذلك فيعرض عنها الى حين.
وتضيف انها تواقة للعطلة الصيفية لاعادة التواصل مع اصدقائها عبر الفيس بوك منوهة الى اهمية التواصل الايجابي والابتعاد عن الاستخدام الخاطىء للتكنولوجيا بجميع صورها.
بيد ان زميلتها في الدراسة سارة نعيمات 16 عاما التي تجلس امام شاشة الحاسوب على الفيس بوك لمدة تصل الى خمس ساعات يوميا تقول انها لا يمكن لها الاستغناء عنه رغم انه اثر على دراستها غير انها اعتادت على التواصل اليومي مع اصدقائها لافتة الى انها تعرف صديقات لها يتواصلن مع حوالي 1500 شخص بشكل شبه يومي ، فيما وصل عدد اصدقاء احداهن الى 2700 شخص.
وتؤكد نعيمات اهمية الحفاظ على الخصوصية عبر الفيس بوك وعدم تحويله الى موقع يكشف عن الاسرار العائلية والشؤون الشخصية والاكتفاء بعدد من الاصدقاء المعروفين على ان يكونوا من ذات الفئة العمرية ويشتركون بذات الاهتمامات.
مواقع التواصل الاجتماعي .. مطلب اساسي لكبار السن وربات البيوت
- التفاصيل