الإسلام اليوم/ جدة
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" أن لدينا ثروة هائلة من النصوص والأحكام الشرعية تصلح لنشر ثقافة العمل الطوعي في العالم الإسلامي, حيث يسهم في عجلة التنمية.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها الشيخ سلمان مساء يوم الاثنين تحت عنوان "تأكيد قيمة العمل التطوعي وأثره على المجتمع" بكلية دار الحكمة بمدينة جدة أمام حضور كثيف من الطالبات وأولياء الأمور بمسرح الكلية, وذلك ضمن الملتقى التعريفي بالمسئولية الاجتماعية لآباء وأمهات طالبات الكلية.
وذكر فضيلته أنه لا شيء يعزز الامتثال والمسارعة كالحديث عن الدوافع الإيمانية، والمسابقة إلى رضوان الله والجنة وتحصيل الأجر والحسنات، وتكفير الذنوب والخطايا التي قد يعثر فيها المرء وقد يفرط في مدافعتها وقد يدمنها ويصعب عليه الخلاص منها، فإن هذا العمل يمنحه فرصة للخلاص وطريقاً لموازنة الكفة بالاندفاع في العمل الذي يعالج الاكتئاب ويداوي جراح الضمير ويهدئ الإحساس بالذنب.
وشدد العودة في محاضرته على ضرورة أن تكون البيئة الاجتماعية مشجعة وحافزة على العمل بأن يأخذ المتطوع إجازة فلا تحسب من إجازته الرسمية، أو يحصل على تقرير جيد أو حتى خطاب شكر.
وأشار د.العودة إلى أن المرأة تحب العمل الطوعي أكثر من الرجل لاعتبارات عاطفية وإنسانية ، كذلك فإن الشاب يحب العمل أكثر من الكبير، لأنه يحقق من خلاله استقلاله ويثبت ذاته وحضوره، وهو سبيل يفرغ فيه طاقته الهائلة.
ونبّه العودة إلى أن الواقع يشهد العكس، فالرجال الكبار هم أكثر مشاركة في العمل الطوعي خاصة في المملكة حسب الإحصاءات، مما يجعلنا نطالب بدراسة الأسباب التي تعرقل عمل المرأة أو الشباب في الأعمال الطوعية.
وأكد أن معنى إنسانية الإنسان يتركز في مسؤوليته وكرامته وأن العمل ذاته مقصود وكل الأشياء نفقد معناها وقيمتها إذا حصلنا عليها بدون تعب.
كما أكد أن روح الفريق التي يصنعها العمل الطوعي هي الكفيلة بأن نفكر كمجتمع وليس كقبائل أو طوائف أو مجموعات منفصلة لها مصالحها ومهامها الخاصة وقد تستفيد من الارتباك الذي يقع للمجتمع.
وقال د.العودة: "إن الإحساس بالإنجاز واقتناص الفرص الذي يجدها المتطوع تجعله أعظم انتماءً، فهو ينتمي لأناس يعايشهم ويتواصل معهم ويفيدهم ويستفيد منهم".
وأضاف "إن دور المجتمع ليس عرقلة العمل الطوعي أو تسفيهه أو التشكيك في مقاصده، بل تنظيم هذا العمل وتشجيعه، والله تعالى يأمرنا (وتعاونوا على البر والتقوى)".
ليبدأ الكبار والمسؤولون
وعدَّد الشيخ سلمان أموراً من شأنها تعزيز ثقافة العمل الطوعي قائلاً: إن على الكبار والمسئولين أن يبدءوا ليكونوا قدوة ويتأسى الناس بهم، كما رأينا فعل الأنبياء والصالحين في قصة موسى والخضر عليهما السلام، وفي بناء النبي وأصحابه المسجد في المدينة".
ودعا العودة إلى تطبيق مشروع الأسرة المتطوعة، وأن هذا المشروع جانب تربوي عظيم لما يحققه من روابط داخل الأسرة، كحصالات للأبناء أو الأيتام، وانخراط الأسرة كلها في عمل مشترك لصالح الخير، وأن لهذا العمل دوره السحري في إقصاء المشكلات داخل الأسرة لأنه يعزز مبدأ التسامح والتراحم مع البعيد فضلا عن القريب. كما أنها تربي الأطفال على حب هذا العمل.
المجتمع متعدد المراكز
وتطرق العودة إلى مفهوم " المجتمع متعدد المراكز" وهو ما تتجه نحوه الدول المتقدمة اليوم خصوصاً في ظل التطور المبهر في تقنية الاتصالات، حيث تمكنت من دخول كل بيت واجتازت الحواجز، وجاءت الأبعاد السياسية لفهم العمل الطوعي بجانب البعد الخيري والتنموي. وهناك فرص إعلامية وإلكترونية كنشر الوعي والتوجيه وتنسيق الجهود وقد رأينا توظيف هذه التقنية في كارثة جدة من خلال تويتر ورسائل البلاك بيري.
وأوضح الشيخ سلمان أن ذلك يعني أن الأعمال لا يفترض أن تكون موكولة إلى السلطات فقط، لأن كثيرا من الناس اتِّكَالِيُّونَ بطبعهم ، وهذه المراكز إنما وجدت للمشاركة والعمل والإبداع والمبادرة ، وأن تتوزع المسؤولية دخل المجتمع الواحد.
ولفت الشيخ سلمان إلى أنه في الولايات المتحدة أكثر من نصف الراشدين يمارسون العمل الطوعي وفيها مليون ونصف مليون منظمة خيرية ، وفي سنة واحدة ظهر أربع وتسعون متطوع ، وعدد الساعات التي قدموها في سنة واحدة عشرين بليون ساعة.
وشدد العودة على أن استشعار الربانية سيمكننا من التوظيف الحسن للإمكانات وأنه من نوافل الخير الذي يتقرب بها إلى الله سبحانه، ومن أعظم هذه النوافل بذل المال والتفكير والخبرة ، وعندما تكون هذه واجبات فإن أجرها أعظم.
حق الأجيال القادمة
ودعا العودة إلى تفعيل مفهوم التنمية المستدامة حفاظاً على حق الأجيال المستقبلة، وطالب بعدم الإسراف في استهلاك الثروات الطبيعية وقال لا تحرموا الأجيال القادمة من ثرواتكم ولا من خبراتكم ، ففي عام 2100 يتوقع أن يصل سكان العالم إلى 11 مليار نسمة.
وأشار العودة إلى أنه في غياب المعاني الشرعية وعزلتها أصبحت دول العالم الإسلامي نامية على سبيل المجاملة، وقد أصبحت العوامل المشتركة بين هذه الدول هو الفقر والمرض والشقاء والجوع والأمية ، المساكن غير الصحية ، التلوث في الهواء والمياه.
وأكد أن الحديث عن التخلف قد يترك حالة من الإحباط والفشل واليأس بينما ثقافة العمل الطوعي هي التي تزرع الأمل في النفوس وتحدو بالناس إلى العمل والمبادرة لأنه ليس مقبولا أن تتحمل الحكومات وحدها التبعة ولا يكون دور الفرد هو الانتظار أو مجرد النقد.
مشترك بين الأمم
وأشار فضيلته أن العمل الطوعي من المعاني الحميدة الموجودة في الأمم كلها وهو من الإرث الإنساني المشترك وأن جميع الخلق يجمعون على مدحه، وأن أصحابه يلتقون عليه أيا كانت مذاهبهم أو أديانهم أو أوطانهم .
وفي الجاهلية كان يقول حاتم الطائي:
وما أنا بالساعي بفضل زمامها... لتشرب ما في الحوض قبل الركائبِ
وأكد د. العودة أن الإسلام يميز العمل الطوعي بأمور:
أولاً: بالثناء على فاعله ووعده بالمكافأة الدنيوية من الله، وسعة الرزق والصحة والذكر الحسن وطول العمر كما جاء في نصوص كثيرة تتعلق بالصدقة أو صلة الرحم أو الإحسان للناس.
ثانياً: كما أن الإسلام يعده عملاً ربانيا أخروياً ينال صاحبه الأجر والثواب وكسب رضا الله سبحانه ، وهو نوع من العبادة والإحسان الذي يتقرب به إلى الله، ولذا يسمى (النفع التعبدي) ويقابله النفع اللازم وهي العبادات المحضة، كالتسبيح والصلاة.
وأوضح أن القاعدة هي أن النفع المتعدي يقدم على النفع اللازم عند التعارض.
ودلل فضيلته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " في كل كبد رطبة أجر" موضحاً أن الثواب هنا لكل حي ، حتى الحيوان ، وبل إن مجرد وجود دافع الرحمة في الضمير فهو محمود، وإذا ترتب عليه فعل إيجابي كان خيرا وأفضل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الشاة إن رحمتها رحمك الله".
وفي الحديث: "كل معروف صدقة" وفي التنزيل :" وافعلوا الخير لعلكم تفلحون".
وأوضح د.العودة: إن هذا النوع من العمل لا يدخل في دائرة الاختيار دائما بل المقصود بوصفه طوعي أن الدوافع إليه ذاتية فالمرء يفعله بدافع إنساني وليس بقوة القانون أو القضاء أو القسر والإلزام.
وأنه العمل الذي يبذله الإنسان بجسمه أو عقله أو خبرته أو ماله لصالح الآخرين باختياره المحض ومن دون إكراه أو إلزام ، ودون انتظار مقابل مادي من وراء هذا العمل.
وأضاف: ولذلك فالأصل أن يسمى "طوعياً" وليس "تطوعياً بل قد يكون واجباً كما في حالات الكوارث والأزمات والمجاعات والأعاصير والفيضانات والزلازل التي تحدث ضرراً على المساكن والناس وتحتاج إلى "هبة جماعية" للدعم والإسناد والإنقاذ والمؤازرة بالنفس والمال ، وهذا واجب على المستطيع كما يقرره أهل الفقه والعلم، وتنطق به النصوص الشرعية .
د. العودة: العمل الطوعي معالجة لاكتئاب الفرد وانهيار المجتمع
- التفاصيل