لها أون لاين ـ خاص: شهد الأسبوع الماضي جدلا موسعا ونقاشات ممتدة على خلفية انتقاد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ سعد الشثري نهج الاختلاط في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا.
واليوم تحدثت الصحف عن استقالة الشثري من عضوية اللجنة الدائمة، وكان من بين الصحف التي أوردت الخبر صحيفة الحياة السعودية وجاء في الخبر:(علمت «الحياة» أن الدكتور سعد بن ناصر الشثري قدم استقالته من عضوية اللجنة الدائمة للإفتاء وهيئة كبار العلماء اللتين تضمان أبرز علماء السعودية. وكان الشيخ الشثري تناول في إجابة له عن سؤال في قناة «المجد» الفضائية جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) التي أُطلقت تزامناً مع اليوم الوطني السعودي قبل نحو ثلاثة أسابيع، واعتبرها مشروعاً مهماً، غير أنه انتقد نهج الاختلاط في الدراسة.


إلا أن فتوى الشثري التي جاءت مفصلة في الإشادة بالجامعة والتحذير من الاختلاط، أثارت جدلاً حاداً بين المعترضين على قوله من كتّاب الصحافة، ومؤيدي الشيخ من التيار الإسلامي عبر المنتديات الإلكترونية والمجالس العامة. إلا أن الفريقين، بحسب ما تردد، لم يتوقعا أن يصل الجدل إلى استقالة شخصية بحجم الشثري من الهيئة)

هجوم!:
كثرت مقالات الرأي التي تناولت تحذير الشيخ سعد الشثري ما بين مؤيد ومعارض واللافت أن المرأة كانت غائبة في هذه المعركة التي استعرت في الصحافة السعودية على مدار أسبوع كامل، وكان من أبرز ما كتبه المعارضون، ما كتبه يوسف الكويليت في كلمة الرياض 11 شوال الجاري تحت عنوان (المرأة بين هاجس الشكّ .. واليقين!!) قال فيها "  المؤسف أن يأتي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء متصوراً أن الاختلاط في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وكأنه الهدف الأساسي في إنشائها لكسر المحظور، ومخالفة سير المجتمع، في الوقت الذي نعرف أن الاختلاط يختلف تماماً عن الخلوة، ففي الأسواق، والمستشفيات، والجامعات ومراكز البحوث، وحتى في المحاكم عندما يتطلب حضور النساء إليها، وفي بيوتنا التي يتواجد فيها سائقون من جنسيات مختلفة، يوضع تحت بند الاختلاط، وقد كنا في أميتنا قبل نصف قرن لا نجد هذا الفصل الحاد عندما كان الفلاح، والراعي للمواشي، وحتى من كن يمتهنّ البيع والشراء من الحاضرة والبادية يتعايشون بدون تقديم الشكوك على الثقة بالمرأة، ولعل حصانتها، وهي الأستاذة والعالمة والطالبة، وسيدة الأعمال، أكثر من حالة جهلها، ونحن هنا لا نعارض أن نلتزم بقيمنا، لكن ليس الرجل وحده من يملك الحصانة المطلقة أو الوصاية على أخلاق الناس، ونحن نعرف أننا المجتمع الأكثر تمسكاً بشريعته وتقاليده، وعلاقاته الأسرية، والاجتماعية..
أهلكنا التسيس ياشيخ سعد!
أما الكاتب سعد الخلف فقد كتب في جريدة عكاظ 12 شوال مقالا بعنوان (أهلكنا التسييس يا شيخ سعد!) جاء فيه:" في بعض الأحيان أشعر بأن حياتنا اليومية أصبحت ضحية التسييس والنظرة المؤدلجة لكل تفصيل صغير، فنحن لا نفكر في المصلحة العامة قدر تفكيرنا في إغاظة الطرف الآخر، فالمحافظون يريدون إغاظة الليبراليين بأي ثمن والليبراليون يسعون لمواجهة المحافظين حتى لو كانوا على حق، فتعطلت حياتنا وتعقدت أمورنا وأصبحنا نختلف عن كافة شعوب الأرض في كوننا مجتمعا يرفض كل شيء دون سبب.
نحن على سبيل المثال نقبل بالسائق الأجنبي مع المرأة ونرفض فكرة قيادتها للسيارة كي يموت الليبراليون من القهر ولا ندرك أننا بمثل هذه المنطق العجيب نميت بناتنا ونمنح الليبراليين قضية تنعش نقاشاتهم الطويلة، ونحن نرفض مشاركة المرأة في صرح علمي وقور ونقبل في الوقت ذاته أن تعمل باحثة في معامل بريطانيا والولايات المتحدة وتحصل على أرفع الجوائز كي يرضى عنا خفافيش الإنترنت دون أن نسأل أنفسنا: لماذا تركنا الغرب يستفيد من علم هذه المواطنة الموهوبة ولم نستفد منه نحن؟.

سعد الشثري بين التشمير والاشتمال

ويكتب ياسر العمرو في العدد نفسه من جريدة عكاظ (سعد الشثري بين التشمير والاشتمال) قائلا: لحظة الهواء لم تجعل الشيخ يفكر متأنيا بمنصبه الذي استلمه وفقا لرؤية خادم الحرمين الشريفين في تمكين العناصر الشابة من قيادة مشروع الغد والشثري واحد منهم، ولأن الشيخ كان معترضا في إجابته على بيئة الجامعة ومناهجها التي طالب في إجابته على سؤال «القطري» بأن تشكل في الجامعة «لجان شرعية» لتفقد العلوم والنظر فيما خالف منها الشرع من هندسة وعلوم حاسب وهندسة الأرض والرياضيات التطبيقية!، وكان حريا بمنصب الشيخ الوظيفي أن يقوده إلى طرح ذلك ليس «هواء» وإنما على أهل العلم والرأي في هيئة كبار العلماء قبل عامة الناس، وأن تقوده «إقامة الحجة» إلى طرق أبوابها الصحيحة وليست العاطفية المستجيبة لتأليب السائلين وإن كانوا من خارج قطرنا، لاسيما أن كان الأمر ــ في نظره ــ ملحا لأن قائدنا ــ بحسب قوله ــ «خفيت عليه أمور الجامعة»!، ولا أعلم هل كان الشيخ مستوعبا بأن «الهواء» لايرحم، والفتوى تحتاج إلى صناعة بعيدا عن الثنائيات الفقهية السائدة: كالتشديد والتيسير، والاحتياطي والتسامحي، والقطعي والظني... وأن يعتكف المفتي في محراب الفقه، يبحث ويفتش، يفحص ويتأمل، يقارن ويرجح، وينقطع عن المألوفات الاجتماعية، وينعزل عن المعهودات والمفاهيم المدرسية.
إن مشاريع التغيير عبر الزمن في بيئات العرف الاجتماعي المتوارث جوبهت بحالات متنوعة من الممانعة تحت وطأة الصدمة الحضارية، لكن الجميل في قراءة تلك المشاريع هو استمرارها وأفول أصوات ممانعيها هذا إن لم ينخرطوا في ركبها، والزمن بيننا.

لقد أخفقت أيها الشيخ..!
أما  محمد الوعيل فقد كتب في جريدة اليوم السعودية يقول: "مصيبة أن يتغافل المرجفون عن الهدف السامي لجامعة مثل تلك، محددة الأهداف، ومعروفة نتائجها، ولا يرون حسناتها، ويركزون فقط على هوامش، باسم الاختلاط، وكأنهم يتغافلون عن النظرة السامية للمرأة، التي كانت في عصر النبوة المحاربة، والمطببة، وراوية الحديث، والتاجرة، والتي كانت تشارك في كل إيقاع الحياة حتى كانت الشهيدة من أجل الإسلام!.
مصيبة أيضاً أن هؤلاء بنظرتهم القاصرة تلك، يتغافلون عن دور المرأة في مجتمعنا، كطبيبة وممرضة ومعلمة ومشاركة في الحياة دون أن تتخلى عن قيمها، وكأنهم يريدون أن يفرضوا علينا أن ننظر للنصف الأسفل من الجسد في أسوأ تفسير للغاية من الإنسان، وفي أسوأ سخرية من عقله الذي ميزه الله به على سائر المخلوقات.
مثل هذه الأفكار ومثل هذه التفسيرات، التي تنظر للأسوأ ولا تبشر بالأحسن، هي التي أودت بنا، وهي التي جعلتنا نتخلف ونتراجع ويتهمنا العالم بما حشرنا نحن ومعنا كل إرثنا الديني والحضاري في زاوية حرجة لم نستطع التخلص منها منذ قرون.. ولن نتخلص أو نتقدم، طالما لايزال فينا مثل هذا التفسير، ومثل هؤلاء المشككين والمشوشين.
للأسف الشديد .. لقد أساء الشيخ الشثري لنفسه كعضو هيئة كبار العلماء قبل أن يسيء إلى بلاده التي يدعي الغيرة عليها ونحسبه كذلك، لكن ليس بهذه الطريقة، وأساء أيضاً في استخدام الوسيلة والأسلوب، عندما نصّب نفسه قاضياً وحكماً وافتعل خصومة مع مشروع تنويري وحضاري، وأفسدت قناة المجد مصداقيتها عندما سمحت بهذا الهراء الكوميدي غير المنطقي، والذي يعتبر بكل أسف هدية غير متوقعة يقدمها بعض علمائنا لمتحجري الكهوف في تورا بورا والهاربين في جحور اليمن.. وهنا المأساة والكارثة!.

فزاعة «الاختلاط» المتجددة: «الشثري» لم يسمع انفجار «اللغم»
أما قينان الغامدي فيقول في الوطن السعودية 12 شوال:ولم ينقشع غبار ما سمي بـ»الصحوة» حتى تبين أن تحت ردائها تياراً سياسياً استغل الدين أسوأ استغلال وكان التشدد في شأن المرأة حجاباً واختلاطاً وزينة وعملاً واحداً من أهم سبل وآليات ذاك الاستغلال الذي هدفه السلطة لا غيرها. والقصة معروفة وواضحة اليوم.. لكن ربما انخدع وانساق وما زال وبقي «الاختلاط» فزاعة تستخدم بين الحين والآخر، من قبل البعض، استخدموها في موضوع تشغيل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية حتى تم تجميد المشروع وبقي الرجال يبيعون للنساء ملابسهن الداخلية وعطورهن وأدوات زينتهن ولو سألت ما الفرق لو أصبحت المرأة هي البائعة والرجل هو المشتري لنبتت فزاعة «الاختلاط» من حيث لا تدري. والآن يستخدمون ذات «الفزاعة» ضد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، ولو سألت أحدهم ما الفرق بين هذه الجامعة وبين أرامكو والمستشفى التخصصي وغيره من المستشفيات فإنك ستدخل إلى سرداب جدل «بيزنطة».
لير من يرى ما يشاء، فذاك من حقه، والعالم الحق والفقيه المتمكن ليس ملاماً على رأيه أياً كان، لكنه ملام حين لا يوضح آراء غيره فيما هو مختلف فيه. ولا أدري كيف فات على الشيخ سعد الشثري أن يقول ـ مثلاً ـ : رأيي في الاختلاط في «كاوست» وغيرها أنه لا يجوز ولكن هناك آراء أخرى تجوزه ولكل مبرراته ولعل القائمين على الجامعة أخذوا بالرأي المبيح. هل كان سيضر الشيخ أن يقول مثل هذا؟ إن العالم يكبر، والفقيه يعلو بقدر ما يحترم رأي غيره ويعلنه مع رأيه، فالمسألة هنا ليست حول ركن من أركان الإسلام وإنما حول مسألة منعها فقهاء أجلاء وأجازها مثلهم وأكثر منهم عدداً وعلماً وحين أخص الشيخ الشثري بهذا الكلام فلأنه عضو في هيئة كبار العلماء، وليس من «سفهاء النت ولا خفافيشه» الذين لم ولن يلتفت إليهم أحد، ولهذا حين استمعت إلى سؤال «أبو سالم» وإجابة الشيخ الشثري في قناة «المجد»، استغربت كيف غابت عن فطنة الشيخ ألغام السؤال فتجاوزها ولم يعلق عليها لأن من في مقام ومنزلة الشيخ لا بد أن يعرف دلالات المصطلحات وسياقاتها وأهدافها، فنحن ـ مثلاً ـ لا ننكر بل نفخر أننا «بلاد الحرمين» لكن حين استخدم المصطلح لهدف سياسي ضد كيان «المملكة العربية السعودية» استدعى الأمر أن نتوقف عنده كلما سمعناه أو قرأناه لا لإنكاره، وإنما لتكريسه والفخر به ولكن تحت مظلة «السعودية» التي تفخر أنها خادمة الحرمين الشريفين. وهنا سأتوقف لأقول أمر هذا المصطلح بسيط، أما حين ساوى السائل بين الإنكار على من سماهم «المجاهدين» وبين ضرورة الإنكار على ما سماه منكر الاختلاط في الجامعة ولم تستوقف هذه المساواة الشيخ لينكر عليها و يوضح جرائم الإرهابيين وأهدافهم التي استنكرت من الجميع علماء ومواطنين، ويجلي جهل السائل أو يقرعه على مساواته هذه، أقول حين لم يتوقف الشيخ ويفعل ذلك تملكتني الدهشة من غياب فطنة الشيخ وكدت أقول ـ بل قلت ـ ليت بعض علمائنا وفقهائنا يمتنعون عن الظهور في برامج البث المباشر، فالألغام التي تزرع ـ عمداً أحياناً ـ في هذه البرامج لا ينجو كثيرون منها، والسؤال الذي تلقاه الشيخ الشثري كان لغماً لم تسعف الفطنة لإدراك خطره، وحتى لا يذهب ظن الشيخ ولا غيره بعيداً فأنا لا أتهم «قناة المجد» أنها زرعت اللغم عمداً للشيخ، بل أظن أنه من العفويات المعتادة عندها بدليل أنه لم يستدع توقف المذيع عنده إذ جاء ضمن سياق حملتها ضد «كاوست»، الأمر الذي ربما ساهم في اطمئنان الشيخ للسؤال وغيب عن سمعه قوة انفجار «اللغم».

دفاع!:

أوردها سعد.. وسعد مكتمل
ومن أبرز من تصدوا للدفاع الشيخ سعد العديد من المشايخ والعلماء والمثقفين السعوديين وهبت العديد من المساجد للدفاع عن الشيخ خلال خطبة الجمعة، وكان من أبرز الذين كتبوا الدكتور ناصر العمر فكتب تحت عنوان "أوردها سعد.. وسعد مكتمل" يقول: أما تلك الهجمة على الشيخ فلا تستغربها من هؤلاء، فهم تبع لأسلافهم المنافقين، ولأسيادهم الغربيين (أتواصوا به بل هم قوم طاغون ) وما هجومهم على معالي الشيخ صالح اللحيدان عنا ببعيد ، فليست الأولى ولن تكون الأخيرة ، والله أعلم ، ما داموا لا يجدون من يردعهم ويأخذ على أيديهم ( لتأخذن على يد السفيه و لتأطرنه على الحق أطرا أو ليخالفن الله بين قلوبكم٠٠٠)٠
·         ومع مرارة هذا الهجوم والفجور في الخصومة، والكذب والإفك ، فكم فيه من منح يصعب حصرها ، كما قال الله سبحانه في حادثة الإفك (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ) ومنها:
·         رفع منزلة الشيخ سعد، وبيان حكمته وسداد رأيه ، حيث صدع بالحق في وقته المناسب لا تأخذه في الله لومة لائم ، فقد:( أوردها سعد وسعد مكتمل، إي هكذا يا سعد تورد الإبل) وهو مؤمن بأنه لن يضره إلا ما كتب الله عليه ولو اجتمع الخلق كلهم ضده ، ثبته الله وسدده٠
·         إظهار موقف العلماء ، وأنهم لم يسكتوا عن هذا الباطل الصريح ، وليس كما يتهمهم بعض المتعجلين ، فلو طلب الشيخ من هذه الوسائل نشر موقفه لما استجابوا ، ولكن تشنيعهم عليه أظهر الحق  (وإذا أراد الله نشر فضيلة /  طويت أتاح لها لسان حسود )
·         إن هذه الحملة الإعلامية على الشيخ ومن هو في منزلته أوصل الحق لمن بيدهم القرار ، حيث أن كثيرا من مواقف الإنكار قد تحجب فلا تصل إليهم٠
·         إن هذا الهجوم دفع بعض كبار العلماء للدفاع عنه ، وبيان صواب موقفه ، بل تأييدهم له ، وإنكارهم لهذا المنكر العظيم، كما فعل معالي الشيخ صالح الفوزان وغيره ، علما أن الشيخ صالح مشهود له بمواقف الإنكار علانية قبل هذه القضية ، وقد ناله من هؤلاء المنافقين الأذى والظلم والبهتان٠
·         إن صدع الشيخ بالحق وتأييد الشيخ الفوزان وغيره له ، وإنكارهم لهذا المنكر علانية ، كما فعل سماحة المفتي في إنكاره للاختلاط ، يبطل دعوى أن الإنكار في هذه الحالات لا يكون إلا سرا، حيث لبس على الناس كثيرا في ذلك ٠ بينما الحق أن لكل حالة ما يناسبها سرا أو علانية ، حسب المصلحة والمفسدة ، كما يراها العلماء المعتبرون ،وبهذا تنزل النصوص الواردة في ذلك كل في موضعه ، ويجمع بينها ، ولا يضرب بعضها ببعض، كما يفعل أهل الاهواء٠
·         إن هذا الهجوم أظهر المنافقين على حقيقتهم وكشف عوارهم بادعاء حرية الرأي ، فماذا فعل الشيخ سوى أن قال رأيه ؟
الحملة على الشثري: الوطن ينزف.. والديماغوجيون يرقصون!
أما اتلدكتور أحمد بن راشد بن سعيد فكتب واصفا الكتابات التي تناولت الشيخ الشثري بأنها ممسقة ومتشنجة متوترة فيقول: الملاحظ  في هذه الكتابات التي أشبهت حملة منسقة (orchestrated campaign ) أنها كانت متوترة ومتشنجة ولذا فقدت التوازن ووقعت فيما تزعم أنها تحاربه، وهو التطرف.
تجاهل هؤلاء الحراك الإصلاحي ومناخ حرية التعبير الذي وفره هذا الحراك في السنوات الأخيرة، ومكَّن هؤلاء الكتاب وغيرهم من إبداء آرائهم بحرية، بما في ذلك قدرتهم على نقد جهات رسمية عدة، ونشر تقارير تسائل أداء بعض المؤسسات الحكومية، كوزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، ومجلس الشورى، وهيئة الأمر بالمعروف.. وغيرها.
يسهب هؤلاء في الحديث عن ضرورة حرية التعبير، وعندما يحاول من يختلفون معه أن يعبر عن رأيه، ولو بطريقة مهذبة وغير مباشرة، يثورون ويشرعون سيوف التخوين والاتهام باللا وطنية وتبييت النية على تدمير "الحلم" والانقضاض على المشروع الوطني ووأد الحداثة واغتيال الحضارة... هكذا ببساطة، يتحول عضو في هيئة كبار العلماء، له مواقف مشهودة في خدمة وطنه والدفاع عنه في وجه من حملوا السلاح  لزعزعة استقراره وتدمير مكتسباته، يتحول إلى "خارجي" من الصنف إياه.. "متطرف" على شاكلة أولئك.. لا فرق.. تغيرت السحنات فقط.. وبقي المزيفون الملتحون المربدة وجوههم من غبار تورا بورا، الذين يتلكؤون في إدانة "الإرهاب"، وتعجبهم عبارة "بلد الحرمين" بدل "السعودية"، ويفرغون الاحتفال باليوم الوطني من مضمونه.. هكذا نطق المشهد الحزين على صدر صحيفة "الوطن"، وهي وجهة نظر لا وجهة وطن، وهكذا صورت الأمر ردودُ الفعل المتعاطفة معه.
لماذا لا يكون كلام الشيخ، الذي أثنى طويلاً على جامعة الملك عبد الله ودورها المأمول في إرساء نهضة علمية كبيرة في البلاد، لماذ ا لا يكون تعبيراً حراً أو رأياً آخر، يمكن أن يستوعبه النقاش المتداول و"الحوار الوطني" الخلاق والمبدع الذي استهله خادم الحرمين الشريفين ودعمه، وحرص على تحويله إلى ثقافة مجتمعية تتجاوز الأطر التي تدور في فلكها ملتقيات هذا الحوار؟ لماذا لا يكون إسهاماً في التنمية والإصلاح؟ لماذا اعتبر كلامه "بعيداً" عن توجهات الملك، أو "منشقاً" عن الإجماع، والشيخ أصلاً من أبناء هذا الوطن، وهو عضو في هيئة كبار العلماء، وكيف أمكن أن تكون عضويته في هذه الهيئة سبباً في رميه بالتطرف والظلامية والتشويش؟
اتهم الشيخ "بالتحريض" على العنف. حسناً، ماذا يمكن أن نسمي حملة رئيس تحرير الوطن ومن تبعه منهم غير التحريض في أبشع صوره، وغير التحامل البعيد عن المنطق والمنبت الصلة بأخلاقيات الصحافة؟ إن الحراك الثقافي والأدبي والصحافي الذي ازدهر في المملكة خلال السنوات الأخيرة يجب ألا يتحول إلى ظاهرة سلبية تقوم من خلالها فئة محددة بإقصاء فئة أخرى أوتهميشها أو وصمها بالعنف أو اللا وطنية لمجرد أنها تختلف معها. إذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن يكون هذا الحراك إيجابياً، بل هو ظاهرة مرضية تنذر بمزيد من الاستقطاب والاحتقان والتوتر. بل يمكن القول إن اتهام الشثري أو غيره من الفقهاء بضعف الانتماء الوطني أو "اللين" مع ظاهرة العنف هو شنشنة نعرفها من القاعدة التي لا تكفر الحاكمين وحدهم، بل تكفر أيضاً "علماء ذيل بغلة السلطان". إن التخوين والاتهام با اللا وطنية هو الوجه الآخر للتكفير, وكلاهما سلوك إقصائي استبدادي ضار بالوطن (في التاسع من أيلول/ سبتمبر كتب خاشقجي في "الوطن" متهماً الداعين إلى تأجيل الدراسة باللا وطنية, وبعدها صدر القرار الملكي بالتأجيل..هكذا استسهل الرجل تخوين قطاع كبير من الشعب بجرة قلم, ومع أنه عارض إرادة ملكية وشعبية فإن أحداً لم يتهمه باللا وطنية). لا أرى فرقاً كبيراً بين من ينال من هيبة الحاكم، وبين من يشتم علماء الدين، فالهجوم على هيئة كبار العلماء والتعريض بأنها "هيئة للمشاغبين والمحاربين" هو هجوم ينال من هيبة الدولة السعودية ذاتها، ويضع شرعيتها موضع تساؤل.
ثمة نقطة أخيرة حول علاقة الليبرالية بهذه الحملة. كثير من الذين دخلوا في معركة ضد  الشيخ الشثري يصدرون عن ما يزعمون أنها منطلقات ليبرالية. ببساطة، لا علاقة لليبرالية بكل هذا. الليبرالية تعني في أبسط مفاهيمها تعدد الرؤى والاحتفال بالتنوع. الليبرالية مظلومة في السعودية، بل مختطفة من قبل مجموعة (ولن أقول "عصابة" لأني لن أسفَّ كما أسفَّوا) تريد احتكار منافذ التعبير وحرمان أكثر الناس منها، بمن فيهم النخب الدينية كالعلماء والدعاة الذين يحظون بمكانة اجتماعية كبيرة. إن الذين يسمحون لأنفسهم بقول كل شيء ويمنعون الآخرين من قول أي  شيء ليسوا ليبراليين، بل فاشيين.
على رسلكم أيها الصحفيون
ويكتب الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان قائلا: هؤلاء الصحفيون المشنعون على الشيخ سعد, لم ينفوا أنه قد يحصل اختلاط في الجامعة وإنما شنعوا على من أنكره وطالب بمنعه وهم العلماء المعتبرين وأهل الخير الغيورين وليس الشيخ سعد بن ناصر الشثري فقط , فلا يرضون باختلاط النساء بالرجال في مقاعد الدراسة وصالات الامتحان واللقاءات والاحتفالات وجالس الجامعات؛ لما يجره ذلك من الفتة ويسببه من الشر.

 

JoomShaper