سحر المصري
صيحةٌ تكرّرها شريحة كبيرة من النساء المتزوجات اليوم.. ومهندٌ هذا ليس صحابياً ولا نبياً ولا عالِم ذرّة وإنما هو ممثّلٌ من الدرجة الثالثة في تركيا أكمل “رجولته” بِوُشُوم على الذراعين كبيرة.. أما صيحة العذارى فلربما كانت “اللهم ارزقنيه قبل الممات”! والحمد لله أن عمليات الاستنساخ لم تزدهر علمياً وإلا لكنّا وجدنا آلاف “المهنّدات”! بدايةً أشكّ أن هناك من لم يسمع بالمسلسل التركي المدبلج “نور” فضلاً عن حضوره أو التشرّف برؤية بعض مقاطع منه حين تقليب المحطات أو حتى قراءة بعض المقالات المتناثرة هنا وهناك على الشبكة أو في الصحف المحلية عنه.. فلقد أصبح هوساً للنساء وقلَقاً للرجال وحلماً للفتيات! ولا أبالغ حين أقول ذلك فلقد رأيتُ بأمّ عيني مَن تطير أعينهم لتعانق الشاشة حين يمرّ طيف مهنّد فتجدونهم متسمّرين أمام الشاشات حتى انتهاء الحلقة ويتوقفون عن الكلام أو الرد حتى موعد “البريك” الإعلاني ليعودوا إلى الذهول ثانية وهكذا حتى انتهاء الحلقة تماماً..
سَرَت إشاعات كثيرة مفادها أن حالات طلاق كثيرة حصلت بسبب إعجاب بعض المتزوجات بمهنّد واستخدامهنّ لصورته كخلفية للجوال أو وضعها في غرفة النوم أو التعبير الساذج للزوج برغبة قضاء ليلة مع هذا الممثل ثم فلتكن آخر ليلة من العُمُر فلقد استنفدت صاحبة هذا الحُلُم البديع طاقتها في العيش ولم يعد هناك من شيءٍ جميل تحصل عليه بعد ليلة مع “مهنّد”! حقيقة لا أدري - إن كان الخبر صحيحاً أصلاً وليس مجرد فرقعة إعلامية - كيف تسوِّل لهذه المرأة نفسها أن تفصِح عن هكذا “حلم” لزوجها ويكأنّ العقل قد تجمّد وفعلَت الشهوة ثم الجنون مفعولهما في العقل فغيّباه! وأي زوجٍ يتحمّل مثل هذه الترّهات؟! وأي زواج بينهما كان قائماً وكيف سيدوم بعدها؟!!
ولم تقتصر دعاوى الطلاق على حالات في الخليج وبلاد الشام وإنما وصلت إلى نور نفسها التي تحرّكت غيرة زوجها “فجأة” وشكّ في إقامتها علاقة مع البطل فاختار الفِراق.. ولا أدري أي نخوةٍ هذه التي تمتشق نفوس رجلٍ يرى زوجته في أوضاع “مريبة” بين أحضان رجلٍ آخر بدعوة الفن والتمثيل والرسالة الراقية التي تريد ايصالها إلى الشعوب!!
وفتيات يقبّلن في الشوارع صوراً منتشرة.. يقبّلن الصور!! لعيون مهنّد! وفتيات يتركن الدراسة ليحضرن المسلسل ويحلمن بعدها بفارس أحلام موعود يكون مثل مهنّد.. وتصرِّح إحداهنّ أنها لو رسبت في الثانوية العامّة فسيكون السبب مهنّداً! أُبشِّرها لهذه الفتاة أنها رسبت فعلياً في الحياة كاملة إن كان مستوى تفكيرها تدنّى إلى هذا الدرك! وما الذي سيجنيه ممثّل من رسوب أمَّةٍ بأكملها تلهّت بمسلسلات وشهوات حين تلهّى الغرب بالتكنولوجيا والذرّة!!
وتقوم قناة الإم بي سي “مأجورة” بدعوة هذا النجم إلى دبي لتكمل مخطّطها الإعلامي المشؤوم فيُغمى على الفتيات من شدة الصدمة فمهنّد هنا أمام أعينهنّ وتعلو الصرخات ولكنها للأسف لم تبلغ مسامع معتصمٍ غيور على الأمّة يدعو مَن كَوَته الحرقة على الفضيلة ليقوموا بحملة شعواء على هذه القنوات التي تُغِير على الأخلاق والقِيَم في عقر دارِنا ونحن نسلِّم لها مذعنين!
جُنَّ جنون الناس فاستغل التجار هذه الظاهرة ليقتاتوا منها وفي سوق نخاسة العقول ترى عجباً.. فُقِدَت الصور في الأسواق فأنتجوا الحقائب والملصقات والألعاب والمأكولات كلها تحمل صوراً لثنائي الرومانسية نور ومهند ولم ينسوا طبعاً نغمات الجوال لتكتمل المصيبة.. وتزدهر الآن السياحة في تركيا فالناس يريدون زيارة الأماكن التي صوّروا فيها المسلسل! كما وتزدهر في المقابل تجارة الألبسة في بلاد العرب وخاصة الفساتين الكلاسيكية “القصيرة” التي تميّزت بها نور في المسلسل.. وكرمى لعيون نور ومهند وكعربون اعجاب وتقدير لجهودهما المبذولة للرقيّ بالفن ولإسعاد الجماهير تسجّل القيود المدنية ظاهرة تسمية المواليد الجدُد بنور ومهند!.. ولكلٍّ من اسمه نصيب!
توقفت كثيراً أمام ما يحدث في هذا العالم الغريب.. ثمّ ماذا بعد؟! لم نكد نصحو من المسلسلات المدبلجة المكسيكية حتى أتتنا التركية ومن بعدها الروسية أو اليابانية وربما العبرية! فمن يدري ما تخبئه لنا الأيام!
سلسلة من الـ “لِـمَ؟!” جالت في رأسي وأطرقتُ مُفكِّرَةً في هذه الظواهر التي تتكرّر حتى باتت مألوفة غير مسْتَنْكَرَة عند بين قومي!
لا نستطيع أن ننكر أن نساءنا تشكو جفافاً عاطفياً مريعاً في غالبيتهنّ.. فالرجل الشرقي لم يعتَد على إبداء مشاعره بشفافية لأنه بمفهوم الشرق “رجل”.. وقد يعبِّر عن مشاعره بالأعمال فقط.. هذا إن عبَّر!.. وفي معظم الأحيان لا تلقى المرأة من زوجها لا هذا ولا ذاك فالرجل مشغول بعمله وأعبائه وتأمين لقمة العيش ومستقبل عياله.. أو أنه لا يهتم بالموضوع ولا يعنيه أو لا يحب زوجته بكل بساطة..
والمرأة تربِّي وتقوم بمسؤولياتها داخل البيت وربما خارجه أيضاً! وفي خضَمّ الحياة وضغوطات المعيشة تصبح النفس غير مستعدة للرومانسية في القول والفِعل.. مع أن العكس هو المطلوب فكل الضغوط النفسية تُزال بلسعة دفءٍ من المشاعر الحانية بين الزوجين وهي كفيلة أن تُنسيهما تعب الحياة كلها.. فما رأت النساء من مهنّد تجاه نور أردنه لأنفسهنّ وبقوة.. وبدأت رحلة المقارنة بين معاملة الزوج ومعاملة مهنّد لنور وشغفه بحبها وتمسّكه بها إلى أقصى درجة في كل مرة تختار الرحيل.. أما في مجتمعاتنا فالرجل ليس فقط لا يهتم بزوجته بل ويهددها بالطلاق والتعدّد في كل مرة تسنح له الفرصة بذلك حتى من أجل اضافتها لبعض الملح الزائد في طعامه!
وفي الجهة المقابلة لم تنتبه هذه الفئة نفسها من النساء كيف تعامل نور زوجها وكيف ترضخ له وتسكت حين يغضب وتعدّ له المفاجآت الجميلة وتحرص على مشاعره ورغباته وتخفض له جناح التواضع من الحب حتى أسَرَته ولم يكن لها محباً في الأصل! فهي من عملت جاهدة ليصل مهنّد إلى تقديس العلاقة بينهما.. فماذا قدّمت المرأة العربية لزوجها من كل هذا؟ هل كانت له نوراً ليكون لها مهندا؟!
ثم فاتَ الجميع أن مهنّد ما هو إلا ممثّل في مسلسل يقوم بدورٍ أُسنِد إليه ولو أراد كاتب السيناريو غير ذلك لكان وحشاً مجرماً سفّاحاً للنساء ربما!
وقد دأب علماء النفس والاجتماع على القول أن الطفل حين يخطئ لا تحقِّر الشخصية وإنما الفعل فقط! وهنا أيضاً يجب تطبيق هذه النظرية فحين يعجبنا في ممثّل أمراً فلنعظِّم الفِعل دون الممثِّل لأنه ربما يكون هذا الممثل أبعَد ما نتخيّل عن هذه الصفات والأفعال الحميدة التي يقوم بتمثيلها!
ثمّ ما شعور من تعلَّق بمهنّد حين يعلم أنّ إشاعات قد تكون بمعظمها حقيقيّة مفادها رمي مهنّد بالشواذ الجنسي وأنه من المثلييّن؟! هل ستبقى صورة مهنّد مشِعّة تُعمي الأبصار والبصيرة؟! حتى أن البعض ربط عدم شهرته في تركيا وعدم تقبّل الجمهور التركي له بماضيه الماجن وصوره الإباحية حين عمل في الأعوام السابقة عارضاً لشركة أزياء فرنسية!!
وفي تصريح لسفير تركي أوعز شهرة المسلسل في بلاد العرب إلى تبيان أسلوب حياة الأُسَر التركية ونقاط التقارب مع المجتمعات العربية وخاصة المجتمع السعودي!!! وحقيقة هذه الكلمات تجعل المرء يحتار من جهل هذا السفير للمجتمعات العربية! فما رأينا في هذا المسلسل أبعَد ما يكون عن قِيَمنا الشرقية! فهل مجتمعاتنا العربية وخاصة السعودية كما يدّعي تفوح منها روائح: الزنا، الاجهاض، العلاقات المحرَّمة، الحمل من الزنا، الخمور، الملابس الفاحشة، الصداقة المفتوحة بين المرأة والرجل، الزواج المدني، ترويج المخدرات، عصابات المافيا.. وغيرها من الأمور..
ثم أتساءل.. هل نضبت الدراما العربية وجفّ شريانها للتفتيش عن بدائل مدبلجة لا تقدِّم إلا الغث بثوبٍ قشيب؟
وهل مِن غيرة على شبابنا وفتياتنا الذين باتوا لقمة سائغة للغزو الفكري والثقافي والاجتماعي عبر هذه القنوات اللاهثة وراء المادة؟!
ولِمَن قامت قيامته لأن زوجته اغتصب عقلها عشق مهنّد أفلا من قيامة لأن الصهاينة والأمريكان اغتصبوا الأرض والعرض؟!
ألا من غضبة كبرى لحال أمّةٍ ترتكس كل يوم في سلسلة منظَّمةٍ من الرذائل والشهوات؟!
ولئن صاحت بعض الغارقات في أحلام اليقظة “اللهمّ اجعله مهنّداً” فقد صاح قبلها بعض الراكعين على أعتاب الفن الماجن والغناء الساقط “اللهمّ هيِّف نساءنا وعجرِمهم”! أفحرامٌ على بلابله الدوح.. حلال للطير من كل جنس؟!
ولئن هبط الفكر وانحطّت القِيَم في المرأة والرجل والإعلام والمجتمع بأكمله.. فبمَ يكون الرجاء إلا بالله جل وعلا وبمَن نذر نفسه لإعادة مجدٍ أضعناه بأيدينا؟!وسنعود! ويقولون متى هو؟! قل عسى أن يكون قريباً! وسيكون.. بإذنه!
مدونة الظلال الوارفة