هنادي زحلوط
للمرة الأولى تقدمتُ من العيادة النفسية العصبية للدكتور محمد الدندل، دخلت العيادة بخطى واثقة وأنا أتساءل: "لو أني أتيت مريضة، هل كنت سأتقدم كما الآن بخطوات ثابتة؟ أكنت سآتي من تلقاء نفسي؟ وهل كنت لأمتلك الجرأة على البوح؟ أسئلة كثيرة أخرجتها من دماغي وفردتها أمام الدكتور محمد الدندل، الذي أكد لي أنه لم يجر إحصائية حول زوار العيادات النفسية بشكل عام، ولكن من خلال مشاهداته لاحظ أن "قرابة 80% من المرضى هم من النساء، والقسم المتبقي هم من الرجال والأطفال".
الدكتور محمد يعزو ذلك إلى أن "المرأة تتعرض لضغوط أكثر، في البيت والشارع والعمل، فهي عرضة للإصابة بشتى الأمراض النفسية، وخاصة الاكتئاب الذي يعتبر مرض العصر، والذي ينتشر لدى النساء أكثر من الرجال، السبب الآخر هو أن المرأة أكثر صدقا مع ذاتها من الرجل ولا تجد ضيرا في الشكوى، فيما يبقى الرجل أسير الصورة النمطية التي تطالبه بأن يكون قويا لا تهزه الظروف وهو ما يمنعه من عرض شكواه".
وبالنسبة للفئات العمرية التي تراجع العيادة النفسية فإن الدكتور الدندل يرى أن "المراجعات معظمهن من الجيل الشاب" مرجعا ذلك إلى "دور الإعلام في نشر الوعي الصحي في السنوات الأخيرة، كما أن الشابات، وجيل الشباب الآن بشكل عام، أكثر تعليما وأكثر وعيا بأهمية علاج المرض".
أما بالنسبة للاختلاف البيئات الاجتماعية، فيوضح "مؤخرا أصبحت المراجعات يأتين من مناطق ريفية ونائية، نظرا لانتشار الوعي الصحي في الريف كما في المدينة".
معظم الحالات تعاني من الاكتئاب كشكوى عامة كما يقول الدكتور محمد الدندل، حيث "فرضت الحياة العصرية ضغوطات كثيرة من أبرز سماتها تفكك العلاقات الاجتماعية"، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن "الاكتئاب سيكون بعد عشر سنوات المرض رقم واحد بالإعاقة والتعطل عن العمل"، يضيف الدكتور محمد "عادة النساء تراجعن العيادة بسبب شكوى الاكتئاب، ومن خلال القصة نجد أن السبب هو التعنيف من قبل الزوج أو التحرش في الشارع أو العمل".
"الشابات تأتين من تلقاء أنفسهن"، يقول الدكتور الدندل، "القاعدة ألا نخبر أهل المريض إلا بإذنه، وفي حال كان مرضه خطيراً، كأن يكون مهددا بالانتحار فإننا نخبر ذويه من أجل المساعدة في علاجه".
وعن دور الدراما في التوعية بأهمية العلاج النفسي يؤكد "الدراما لعبت دورا سلبيا في التوعية حول المرض النفسي، فتطرقت له بطريقة غير مدروسة، وأظهرت الطبيب النفسي بصورة غرائبية، وظهر المريض النفسي فيها يقوم بحركات غريبة، وهذا لا يمت للواقع بصلة".
ويرجع ذلك إلى أنه "لا توجد استشارات لأطباء نفسيين من قبل كتاب السيناريو عند تناول قضية المرض النفسي".
وفي مقارنة مع دول الجوار يشير الدكتور محمد الدندل إلى أنه "في السعودية على سبيل المثال المواطن السعودي لا يجد حرجا في الذهاب إلى الطبيب النفسي، وذلك عائد إلى حملة توعية قام بها الإعلام هناك".
وحول أهمية التوعية فيما يخص الأمراض النفسية يوضح أن "الاكتئاب على سبيل المثال ينتشر لدى 15% إلى 20% من الناس، وتكلفته الاقتصادية والاجتماعية تعادل عشرات أضعاف تكلفة علاجه، ويجب ألا ننسى أن الآلاف من المعنفات لا يصلن إلى العيادة النفسية فظروفهن لا تمكنهن من الخروج من المنزل والذهاب إلى الطبيب النفسي".
النتائج الخطيرة اقتصاديا واجتماعيا للأمراض النفسية تكاد لا تعد ولا تحصى " أخطر النتائج السيئة تنعكس على طريقة التعامل مع الأولاد، تضطرب العلاقات بالمحيط، لينتهي الأمر بالعزوف عن المشاركة في النشاط الاجتماعي، والمرأة المعنفة غالبا ما تقوم بتعنيف أطفالها، أو تقوم بالتعويض عن الحرمان العاطفي عبر الالتصاق بأطفالها، وفي الحالتين يكون الضرر شديدا عند الأطفال".
يؤكد الدكتور محمد الدندل أن تجربة الإرشاد النفسي في المدارس جيدة كفكرة، ولكن "المرشد النفسي لا يقوم بأي دور، وهذا ليس ذنبه، فلا يوجد آلية واضحة لعملهم وليس هنالك تدريب عملي على طرق الإرشاد، ولم يسبق أن قام أي مرشد نفسي بتحويل حالة إلى طبيب نفسي حتى الآن".
خرجت من العيادة، وأنا أهمس لنفسي أنني لن أتردد أبدا في العودة إليها متى كنت بحاجة إليها، وفي الأثناء كنت فتاة أخرى تهم بالدخول وعلى فمها كانت ترتسم ابتسامة جميلة، فكرت بأن هذه الفتاة ربما كانت تريد من وراء زيارتها أن تحافظ على ابتسامتها أو ربما تريد لهذه الابتسامة أن تتسع أكثر؟! أو على الأقل هذا ما تمنيته أن يتحقق قبل أن أمضي في طريقي...

مجلة ثرى - العدد 196 تاريخ 29\ 8 \2009 - السنة الخامسة

JoomShaper