الدستور- نسرين الحموري
جميعنا نشعر بالقلق والتوتر لدى سماعنا بمصطلح(المسؤولية)..لكن هذا ليس بالشيء الغريب.. فالمسؤولية.. كلمة تعدت بمعناها من مجرد تعبير بسيط في تحمل المشاق..إلى أن تصبح صفة صعبة المنال..حيث من السهل أن نكلف الآخر بالمسؤولية لكن من الصعب علينا أن نتصف بها..فاكتساب تلك الصفة يعتمد بداية على وضع الفرد قيمة لحياته..فمن تقديره لحياته وما تحملها من راحة ومصاعب..يستطيع من خلالها الإحساس بالمسؤولية شيئا فشيئا إلى أن يكتسبها...
وكثير منا يظن أن المسؤولية دائما تحمل المصاعب والخطر والمجازفة..لكنهم غافلون بظنهم هذا عما تكسبه المسؤولية لحاملها..فالشخص المتمتع بها يختلف عن غيره في جميع الأمور..حيث نراه يتخطى كل المصاعب والحواجز بأقل الخسائر.. كما يقوم بحل المشاكل على اختلافها قبل تفاقمها إلى أزمات..فيضع الحلول الأولية ليتدرج بها حلا تلو الآخر بين الفشل والنجاح ليصل نهاية إلى الحل السوي بعقلانية.. إضافة لاكتسابه سرعة بديهية في إدراكه لجميع الأمور حوله..مما يجعله يتحكم بها لصالحه وليست هي من تحمله بتياراتها العكسية إلى الخلف.
ولكي يكون للفرد مسؤولية تجاه الآخرين والأمور كافة..يجب أن يتمتع بالمسؤولية الشخصية(تجاه نفسه)..بأن يكون مسؤولا عن نفسه وروحه والحفاظ عليهما من أي ضرر..بالإضافة إلى حماية عقله وعلمه من أي تشويش..وأن يبني علاقته مع الآخرين على أساس المودة والاحترام...
كما أن للمسؤولية دورا كبيرا في بناء المجتمعات..وذلك عند الإيمان بها ووضعها كمسلمات أساسية تنبع من كل فرد..ليعمل مع الآخر بعلاقة تعاون ومودة لتحقيق المصلحة والفائدة النهائية لبناء المجتمع.
سر نجاح العمل
أساس بناء المؤسسات وسر نجاحها هو الإحساس بالمسؤولية..جاء ذلك وفق ما أكده عبدالباسط حمد(مدير لإحدى الشركات الخاصة) : لقد اكتشفت من تجربتي الطويلة في العمل أن هناك عوامل وأسسا عدة لنجاح العمل..لكن المسؤولية هي أثمن تلك الأسس.ويضيف»المسؤولية كفيلة بتحقيق الأهداف المرجوة من خلال القيام بالأعمال المطلوبة للوصول بالنهاية إلى القمة والنجاح..فإذا تحققت المسؤولية أتت بعدها العوامل الأخرى».
وعن نفسه يقول : حرصت منذ صغري على تحمل المصاعب ومواجهتها.. فرغم كل المتاعب التي تلقيتها..لكنني الآن سعيد جدا بما وصلت إليه من نجاح..لأن تلك المصاعب والمتاعب علمتني معنى المسؤولية..لا بل قد أدخلتني إلى صميم أعماقها لأجعلها رفيقة قراراتي على اختلافها..وأنا الآن أعمل جاهدا لأجعل من المسؤولية جزءا لا يتجزء من أعمال وقرارات الموظفين داخل الشركة.
احساس عالٍ
كما يقول محمد أمين (موظف في أحد البنوك): إنني أتمتع بالإحساس العالي والرفيع بالمسؤولية..فأنا أؤمن بها أشد الإيمان..فيما تحققه من مكاسب وأهداف على جميع الأصعدة العلمية والعملية.
ويضيف: «إنني الآن أتمتع بطعم النجاح الباهر..والترقية الجديدة التي نلتها في عملي..فأنا أعمل دائما بمسؤولية تامة تجاه أمور حياتي بالأخص المتعلقة بالعمل...»
وترى سلمى موسى(معلمة) أن دورها الأول والأخير في عملها تجاه طلبتها هو تعليمهم مبادئ المسؤولية وكيفية تحملها منذ صغرهم...
وتضيف»إننا نسعى لتربية طلابنا على الأخلاق الحسنة والرفيعة..وهذا يتطلب بداية بناء المسؤولية داخلهم..لتجعلهم قادرين على فهم ما يدور حولهم..ومن ثم تأسيس شخصياتهم السوية لينطلقوا بها انطلاقة سليمة قادرة على تخطي كل الحواجز..وتفادي الأخطاء جميعها».
كما تقول: إن الخطوة الأولى لبناء المسؤولية لدى طلبتنا هو إحساسهم بالمسؤولية تجاه دراستهم وعلمهم.. وذلك من خلال بناء هدف سامٍ وواضح لهم يصلون إليه من خلال العلم..متجاوزين في طريقهم كل العثرات والمتاعب..وذلك بتحملهم تلك المسؤولية التي تجعلهم يخطون تلك الخطوات بكل قناعة ورغبة...
القدوة
وتؤكد سلمى.. أن القدوة الأولى لدى أغلب طلبتنا تتمثل بمعلمهم..لذا يجب على المعلم دائما أن يستغل ذلك الشعور لصالح طلبته..فيزرع بداخلهم أول بذرة (وهي المسؤولية)..والتي من خلال حصادها نجد نفوسهم وعقولهم قد أنبتت المحاصيل الخضراء النضرة بالأخلاق والعلم...وبتلك النتيجة نجد أنفسنا قد وصلنا إلى تحقيق مسؤوليتنا تجاه عملنا...وهذا ما يحقق لنا نجاحنا في ذلك العمل.
المسؤولية العائلية
وعن مسؤولية الرجل تجاه أسرته يقول سعيد مصطفى (موظف،وأب لثلاثة أطفال): إن مسؤوليات الأب كبيرة تجاه أسرته..حيث تبدأ بتأمين المسكن لتلك الأسرة..ثم يتبعه الملبس والمشرب والمأكل..وغيرها من الأساسيات اللازمة لبناء وتأسيس الحياة الأسرية.
ويضيف»لكن جميع ذلك غير كاف لتحقيق المسؤولية...حيث يترتب على الأب مسؤولية تربية أبنائه التربية السوية..وتعليمهم الأخلاق الحسنة في التعامل مع الآخرين».
ويؤكد»يجب على الأب..أن يغرس في أبنائه أن حسن الأخلاق هي مسؤولية يجب على كل فرد تحملها والقيام بها مهما كان سلوك الشخص الآخر الذي نتعامل معه..ومن هنا يستطيع الأب أن يعلم أبناءه جزءا من المسؤولية منذ صغرهم.. ليكبر هذا الإحساس معهم حتى يصبحوا قادرين على تحمل المسؤولية التامة تجاه مختلف الأمور».
الاسرة ايضا
وترى ناديا عيسى (ربة منزل، وأم لخمسة أطفال).. أن هناك مسؤولية تقع على الأم تجاه أسرتها أيضا...حيث تتمثل مسؤوليتها الأولى بتحقيق السكينة والوقار والاستقرار لأسرتها..من خلال أسلوب تعاملها مع زوجها وأطفالها..فالأم هي نبع المودة والحنان والمحبة داخل الأسرة..وعليها أن تبقى هذا النبع العذب..وأن لا تتحول لمستنقع ينفر الناس من حوله بسبب عدم إحساسها بالمسؤولية تجاه أسرتها... وتضيف: «على الأم أن تشارك زوجها في تربية أبنائها وتنشئتهم..وتنمية قدراتهم العقلية والروحية والجسدية».
وتؤكد ناديا.. أن مسؤولية الأم تجاه زوجها هي بداية إحساسها بالمسؤولية تجاه أسرتها.. حيث تتمثل هذه المسؤولية ببناء علاقة تعاون ومحبة وألفة بينهما. وأن تحسن الزوجة التصرف مع زوجها..وأن تتمتع بحسن التدبير الذي من شأنه أن يحافظ على مال زوجها.
دور الابناء
للأبناء دور في تحمل مسؤولية الأسرة..وهذا ما بينه خالد(18 عاما).. ان مسؤولية الأبناء داخل الأسرة تتمثل بداية بحبهم وولائهم وانتمائهم لأسرتهم..وهذا ما يدفع هؤلاء الأبناء لتحقيق المسؤوليات الأخرى باختلاف أدوارهم وواجباتهم.
المسؤولية العلمية
بينما يؤكد أديب محمود (دكتور في إحدى الجامعات الاردنية) أن المسؤولية الحقيقية التي ينبغي أن تتمركز في روح كل عالم..أو حتى لدى كل من يحمل أي معلومة أو يختزنها بعقله..وتخدم المجتمعات الإنسانية..أن ينقلها بكل دوافعها وجوانبها وأهدافها ونتائجها لجميع الناس..ليستطيع كل باحث عن العلم..أو كل مثقف..الاستفادة من تلك التجارب والخبرات..
وعن نفسه يقول: أسعى دائما لتقديم كل ما لدي من معرفة وعلم لطلابي سواء من أجل العلم أم من أجل الثقافة..وأحرص على توفير سبل الحصول على المعرفة والعلم لكل طالب لها...وبهذا أجد سعادتي الحقيقية المتمثلة بتأديتي مسؤوليتي على وجهها المطلوب.
ومن منظور علم الاجتماع..أن المسؤولية هي أهم صفة تكسب الإنسان ذاتيته.. حيث يجب عليه بداية الإحساس بالمسؤولية منذ صغره..وأن يعمل على أساسها حتى يصل إلى مرحلة الالتزام بها في أي أمر يقوم به.. كما أثبتت الدراسات العلمية أن كل نجاح يحققه الفرد على جميع الأصعدة يعتمد على روح المسؤولية النابضة بداخله..وأن نجاح الفرد ما هو إلا مؤشر لنجاح المجتمع بأكمله.
المسؤولية سلاح لمواجهة المصاعب
- التفاصيل