د.دعاء فينو
الرعاية تعني الاهتمام والحفظ، وفي شريعتنا للرعاية دوائر متداخلة تنتهي بالدائرة الاجتماعية الأوسع.. الأمة. ولذلك فان الأمة كالجسد الواحد يتداعى أعضاؤها بالسهر والحمى ان أصيب أحد أفرادها، وهذا حق مضمون لا يتبدل بتغير الجنس. تبدأ الرعاية في الزواج بالعقد الغليظ، الذي يطّلع عليه الرحمن سبحانه لتكون الى نهاية العمر، فيقوم كل واحد من الزوجين بالنظر والاهتمام والحفظ لكل ما من شأنه أن يعني شريكه ويؤثر في علاقتهما ايجابا. وهذا المعنى نجده واضحا في حديث النبي عليه السلام: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الامام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها”.
الرعاية حق لكلا الزوجين وواجب ملزم على كل منهما، فهي الزامية تبادلية وتكافلية بينهما ماديا ومعنويا، تبرز أهميتها في معالجة الزوجين لمسؤولياتهما المشتركة في حفظ الأبناء ووشائج الأسرة. فالزوج يرعى زوجته بكفالته الاقتصادية والنفسية، وهي تقوم بذلك الدور أيضا، فهما في أصل النشأة “من نفس واحدة”. وهما في علاقتهما المعجزة لباس، أي ستر وحفظ واحاطة، وهل التكافل الاّ هذا؟ يقول الله سبحانه: “..هن لباس لكم وأنتم لباس لهن”. فهما يحققان في لقائهما التكافلي تطبيقا خاصا لولاية المؤمنين لبعضهم البعض، وهما في ذلك اللبنة الأولى للمجتمع الأكبر الذي وجب شرعا أن يتداعى لبعضه البعض بالسهر والحمى كالجسد الواحد. فخيرية المرأة تثبت في عين الله سبحانه ان قدمت رعايتها للانسان الأكثر قربا وحميمية منها؛ الزوج. فهو يراها على كل أحوالها من غضب وبسط وصحة ومرض. وهو كذلك، تثبت خيريته في عين الله سبحانه ان أحسن اليها على كل أحواله لأنها الأولى بكل خير يصدر منه. فكلاهما يصدق عليه حديث نبينا الكريم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” وما الأهل الاّ الزوج للمرأة، والزوجة للرجل. فكلاهما ملزم برعاية حق الآخر عليه دون غمط أو تجاوز أو نكران.

الأسرة الشورية هي الصورة الأمثل للأسرة السوية الملتزمة بالرعاية، والتي نجد فيها الزوج لا ينفرد بصناعة القرار الذي يمتد أثره ليطال أفراد الأسرة جميعها، فالقرار المستند لرؤية أحادية سيظل دائما احتكاريا ومنقوصا وظالما ومدعاة للغضب والملاومة، لذلك حث الاسلام على ايجاد الشورى في الأسرة المسلمة حتى في حالة انفصال الزوجين لصالح الأبناء، فالعلاقة الزوجية المستندة الى الرعاية التكافلية يحكمها المعروف في الرخاء الأسري، ويحكمها الاحسان في الطلاق ان تعسر الابقاء على الوشائج النديّة. فالاحسان سيظل حارسا لمسؤوليات الرعاية الأسرية المشتركة بينهما؛ لأن التزامات الرعاية لا تسقط بالانفصال. فتأمل -رحمك الله- هذا السمو؛ وبه التزم: “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وان أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير”.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

JoomShaper