الدستور-عرين الزعبي
يقال: «الكلمة الحلوة تُخرج الأفعى من وكرها».. ونحن بحاجة ٍ لأن نسمع بعض العبارات الجميلة من هنا..والمجاملات الظريفة من هناك.. لا لشيء ...إلا لأن نفوسنا تتوق «دائماً» ... لعذب الكلام وحلو الحديث ..خاصة ً بلحظات الحزن والغضب . الألم والشقاء. فما أجمل بعد أن يخطئ بحقك أحدهم أن يأتيَ معترفاً بذنبه .. معتذراً عن خطئه (بتحبب) ... والأجمل أن يكون فناناً بانتقاء كلمات اعتذاره ...فلربما هذه الكلمات تخفف من حدة غضبنا ... وتجعلنا نصفح ونهدأ ولو قليلاً..
وكثيراً ما يحدث أننا ننتظر الاعتذار مِمن نحب ...لنسامح دون تردد .. لأن القلب الذي يسكنونه هو من يصدر قرار العفو والتسامح ..وليس للعقل حيلة إزاء ذلك ...
ولأننا نحبهم ..ننتظر الاعتذار ... لا الأعذار ..فالأعذار والمبررات لا تغني ولا تسمن من جوع...بمعنى لا تضر ولا تنفع..
فالاعتذار الذي يخرج من القلب يداوي القلب الكسير ، ويصفي النفوس ، ويطيب النفس الحانقة..ولكن ماذا يحدث لو اعتذر احدهم (اعتذاراً بارداً)..أو ما يعرف بـ «رفع العتب» وكما يقول بعضهم: «من دون نفس» ؟.
اهانة ثانية
الاعتذار البارد .. إهانة ثانية .. ويزيد الطين بلة ..وبدل أن تهدأ النفوس تحترق وتشتعل ناراً وبركاناً ..والقلب الكسير الذي تعرض لإهانة و إساءة ما عساه فاعل ؟ بعد أن انتظر الكلمات الرقيقة التي لربما كانت ستلملم شظايا انكساره ...
والوجدان الذي أتعبه التفكير بكلمات الاعتذار التي ستقدم بعد قليل «لسموه» ..وأشقاه الهم والألم الذي تسببوا به ...
في هذه الحال ...عدم الاعتذار أفضل بكثير من الاعتذار البارد أو الإهانة الثانية ..
فلسنا بحاجة لشيء .. سوى للصدق بالكلمات التي نقولها وأن نعد للمليون قبل أن نجرح أي إنسان .. وإن حدثت منا زلة .. وأخطأنا بحق أحدهم .. علينا أن نكون بارعين باعتذارنا ..لا لشيء إلا كي نخفف من حدة ما فعلنا .. عل كلماتنا ترمم آثار الحزن في نفوسهم ..
تجربة شخصية
وحسب وجهة نظر ربة المنزل منار محمود فإن الاعتذار باختيار الكلمات الجميلة والرقيقة يخفف من حدة المشكلة .. بل أنه شيءٌ جميل أن نعترف بذنبنا ونعتذر عن خطئنا ... ومن منطلق تجربتها الشخصية تروي: أنا متزوجة منذ 10 سنين ، وسفينة حياتي الزوجية مرت بكثير من المطبات ، إلا أنني أحمد الله حمداً كثيراً لأنه رزقني بزوج ذي عقل واع ٍ ومتفهم ... ولم يحدث خلاف بيننا إلا وكان يسبقني بالاعتذار ..
وتضيف منار : زوجي فنان باختيار كلمات اعتذاره .. وإنه يبذل قصارى جهده لإرضائي ...
وهذا ما يجعلني أرضى وأسامحه وأغفر زلاته ... وتتابع : كنت في البداية امرأة عنيدة لا تعترف بذنبها ولا تعترف بخطئها .. لكن تعلمت من زوجي أن الاعتذار شجاعة وفن .. وان الاعتراف بالذنب فضيلة ..
وتستنكر منار من الذين يقدمون اعتذاراً بارداً .. وتقول : كلمة آسف إن لم تخرج من أعماق القلب لا نفع لها.. وتنصح منار بأن نعتذر بقلب صاف ٍ يملؤه الحب .. ليصل للطرف الآخر بحب أيضاً ..
تصرفات
ويعاني الدكتور سامر محمد «أستاذ بإحدى الجامعات « من تصرفات خطيبته التي وصفها «بالعنيدة» ويقول : خطيبتي لا تعترف بذنبها على الإطلاق و مهما فعلت لا أصل إلى نتيجة معها .. دائمة التذمر والشكوى وتقلب الأمور رأساً على عقب.. وإن كانت هي التي تخطئ بحقه دائماً فإنها تطالبه على الدوام بالاعتذار ..
وإن اعتذرت لها دون نفس كما تقول .. فذاك لأنني لست مقتنعا بالأمر.. لكنني أحبها و أريد أن أكون متفهماً وعاقلاً وأن أحافظ على سير هذه العلاقة حتى الزواج .. لأن بعد الزواج سيكون كل شيء مختلفا.
الاعتذار.. يقرب القلوب
وتوافق حنين جميل -23 عاماً بأن الاعتذار البارد إهانة ثانية .. وتتحدث : إننا عندما نُجرح لا شيء يداوي جرحنا إلا الكلمة الحلوة .. لذلك نحن دائماً بحاجة لها ..
وتقول: إن من يقدم اعتذاراً بارداً يصنع جرحاً آخر أو إهانة ثانية .. لأنه يوصل بتصرفه هذا بأنه غير مقتنع وأنه غير معترف بذنبه وما اعتذاره هذا الا للتجاوز ..
وتتذكر حنين أيام الدراسة الثانوية فقد كانت إحدى صديقاتها تتصرف تصرفات تزعج الآخرين بها ولكنها رغم كل ما تفعل لم تتنازل يوماً وتعتذر ..
وكانت ترى أن الاعتذار للآخرين هو إهانة لنفسها ..
وتتابع : حاولت كثيراً إقناعها بأن الاعتراف بالذنب فضيلة .. وأن الاعتذار لا يعني إهانة النفس .. على العكس تماماً بل يرفع من قيمتها وشأنها عند الناس ...
وعن نفسها تقول حنين: ليس مدحاً بنفسي وإنما هي الحقيقة .. أنا لا أحب الاعتذار البارد .. بل إنْ أخطأت دون قصد بحق أحدهم فإني أبادر فوراً بضبط الأمر .. والاعتذار بكلمات جميلة لأشعره بأني صادقة باعتذاري ... واعتذاري يخرج من القلب .. لأني واثقة بأن الذي يخرج من القلب هو الوحيد الذي يداوي الجرح أو الأسى ..
وتتحدث: علمني والدي بأن الناس لا يحبون الشخص المتكبر المغرور .. وأن أكون قريبة من الناس ولا يكون ذلك إلا بتواضعي ، وانا أعمل بنصيحة والدي ، لذا اعتذاري يصفه بعض المقربين ب»التواضع».
لا يداوي
ويخالف الثلاثيني عمر محمد «موظف بإحدى الشركات الخاصة» جميع الآراء السابقة، فحسب وجهة نظره بأن الاعتذار لا يخفف من شيء ولا يدواي أي جرح ..
وإن الاعتذار وعدمه واحد... وعن نفسه يقول : في الماضي كنت إذا أخطأت بحق أحد أعتذر منه وأطلب السماح عن زلتي وذنبي .. لكنني لم ألمح للتسامح مكاناً بقلوب الناس .. فما فائدة الاعتذار إذاً ؟؟
كثير الاعتذار
مدربة اللياقة « سناء منصور « لها حكاية مع الاعتذار .. وتروي : لا شك أن للاعتذار نكهة مميزة إن خرج من القلب .. وله طعم مميز إن رافقته عبارات عذبة التي من شأنها أن تداوي ما انكسر .. إلا أن كثرة الاعتذار تجعلها تضيق ذرعاً .. وهذا ما كان يحدث معها أيام المرحلة الجامعية .. فقد كان هناك زميل لها كثير الاعتذار .. وكثير الأسف إن أخطأ وإن لم يخطئ .. كانت بالبداية تحتمله بحكم الزمالة .. إلا أنها فيما بعد ضاقت به ذرعاً لكثرة اعتذاراته وشديد أسفه .. وتتابع : المشكلة أنه يعتذر عن أمور لا ذنب له فيها ولا علاقة له بها من قريب أو بعيد .. ولكنني أرى أن هذا الأمر سببه حالة نفسية لديه من خوفه أن يخسر الذين حوله أو يفقدهم ويبقى وحيداً ..
عبارات جميلة
«نحن بحاجة لأن نسمع بعض العبارات الجميلة التي تخفف من ألمنا وهمنا بين حين وآخر «.. بهذه العبارة يبدأ الخمسيني عدنان محمود حديثه : جميعنا بشر ... والبشر بطبعه خطّاء .. فلماذا لا نعتذر عن أخطائنا ونعترف بذنوبنا ؟! ... ويضيف لو اعترف كل بذنبه واعتذر لأخيه الانسان عن خطئه ستكون الدنيا بألف خير ..وسنرى الإخوة متحابين متقاربين ونرى الأصدقاء قلوبهم نقية صافية لا تحمل غِلاً ولا حِقداً ..
ويتمنى عدنان على جميع الناس أن يفكروا كثيراً قبل أن يتفوهوا بأي كلمة .. وقبل أن يجرحوا غيرهم ، لكن وإن حدث ذلك دون قصد؛ فعلينا أن نعتذر ونتأسف ولا مانع أن يكون اعتذارنا حميمياً صادقاً .
الاعتذار البارد .. ماذا يُفهم منه؟
- التفاصيل