الدستور ـ طلعت شناعة
هل كل رجل جاهز لان يكون «أبا»؟، يقولون ان الرجل يتزوج وتنجب زوجته وبعدها بأشهر «يكتشف» أو «يتفاجأ» أنه صار «أبا».
بعكس المرأة. التي تمارس « أُمومتها» مبكرا ومنذ ان تحصل على أول « دُمية». فتنهمك برعايتها واختيار ملابسها، بل تقوم ب» تحميمها» ولا تنام الا وهي الى جوارها.
أما الرجل فلا تشغل باله هذه الامور، ولهذا يقول الأجداد: بكرة لما تكبر وتصير أبا، بتعرف معنى أن يكون لك أبن يحترمك».
ومؤخرا، انشغل الخبراء من علماء الاجتماع والنفس وطرحوا تحذيرا على شكل تساؤل للرجل» هل انت جاهز لتكون أبا»؟.
وهنا نستحضر ما كتبه الأديب المسرحي الإنجليزي الكبير صمويل بيكت مخاطباً أباه قائلاً: إذا لم تحبني فلن يحبني أحد في الدنيا بأسرها، وإذا لم أحبك فلن أحب أحداً أبداً ، كما أن هناك قصة روسية تحكي عن طفل مات والده ويعيش مع أمه ويؤرقه هذا السؤال القاسي: لماذا لا يكون لي أب مثل الأطفال أنتظره وينهاني وأشعر معه بالأمان؟، وفي يوم اشتد الحنين به إلى ذلك الأب الحاضر الغائب في حياته، وفي يوم كان يتنزه بمفرده فلمح في أحد المحال مانيكان على هيئة رجل يعرض بدلة للرجال، فدخل بكل شوق إلى المحل وسأل البائع هذا السؤال القاسي والمعبر عن احتياجاته ورغباته، كم يكلف شراء هذا الرجل المعروض في واجهة المحل؟!.

غريزة
وفي هذا الشأن يقول الدكتور حسين الخزاعي استاذ علم الاجتماع: على الرغم من أن العديد من الدراسات الخاصة بعلم النفس قد أشارت إلى عدم وجود غريزة تسمى غريزة الأبوة لدى الرجل (عكس الحال في الاعتراف بغريزة الأمومة)، إلا أن علاقة الأب مع ابنه تحمل بُعداً ثقافياً ودينياً وأخلاقياً، وأن دور الأب يتعاظم مع حدوث العديد من المتغيرات على مستوى العالم وإزاحة دور العمات والجدات والخالات والأقارب الذين كانوا يلعبون الدور الأكبر في تربية الطفل، وأن دور الأم ـ في القديم وفي الأسر الممتدة ـ كان يقتصر فقط على الرضاعة، لكن للعديد من الظروف أصبح الزوجان فقط يعيشان تحت سقف (منزل مغلق عليهما) مما يحتم قيام الأب بدور أكبر في مساعدة الأم في عملية التنشئة للطفل ووجوده في حيز شعور الطفل، وهذا هو الوضع الطبيعي لأي أسرة أب أم طفل أو أطفال.

ويضيف:ان فهم نفسية الطفل مسألة هامة الى ابعد حد، واذا كان ذلك مطلوبا من المتصلين بالطفل فهو مطلوب على وجه الخصوص من الاب...

ان عدم الثقة بالنفس والاحساس الذاتي بأن الانسان لاقيمة له ولااهمية هذا النوع من الشعور بالتفاهة هو امر قاتل يؤدي الى انهيار الشخصية والتمزق ولكن قدرا بسيطا منه قد يصبح مفيدا لأنه يدفع الى العمل والاجتهاد، ولكن اذا كان احساسا غائرا عميقا في النفس فهو دمار او طريق الى الدمار و ترجع مسؤولية هذا الشعور الى الظروف او التجارب لكن .. مرجعها الاساسي في حياة الانسان الى الاب ومن هنا كان واجب.

الاب كبيرا
ويقول منصور الصافي: ان على الآباء ان يفكروا كثيرا في علاقاتهم مع ابنائهم وان يتخلوا عن جعل الابناء حقلا للتجربة او مجالا لتعويض ما ينقصهم في حياتهم.

كأن يتحول الاب المستضعف في المجتمع الى «دكتاتور «مع ابنائه. انه تعويض مريض اما التعويض السليم فهو ان يلتمس الاب قوته من تقوية ابنائه ومساعدتهم على الحياة الطبيعية، ويرى ان فن الابوة الحقيقي هو من الفنون السامية الصعبة والخطرة في الوقت نفسه.انه فن يحتاج الى جهد ومثابرة وتواضع حتى يكون اساسا لخلق اشخاص ايجابيين.

هدايا
تقول عائشة خالد: انا تزوجت وقد كان عمري (16) عاما، ولم أكن اعرف ما هي مسؤولية الزواج وماذا يعني ان تكون اسرة ظننت أن الحياة الزوجية مثل أيام الخطوبة، طلباتك دائما مجابة، الهدايا شلالها لا يتوقف، غير المشاوير والرحلات والسهرات واشياء تشبه الجنة الكاذبة.أما حين تزوجت وجدت ان هذه الحياة تختلف كلياً عن الاحلام التي حلمت بها، مرت السنة الاولى وكانت كلها علامات استفهام واكتملت القصة مالمولود الاول، وقد كنت اظنه هما جديد لكنه بصراحه كان فرحة لا يمكن وصفها بغض النظر عن مسؤوليته كطفل وانه بحاجة لعناية لا خبر لي بها إلا ان الامور بقدومه اصبحت احسن حالا من قبل، فكم هو احساس جميل ان اكون اما حتى لو كنت صغيرة. وان يكون هناك أب لابني يلعب معه ويشتركان معا في سلوكيات الرجال.

رامي احمد يقول: انا تزوجت وقد كان عمري (17) عاما، ولم أكن أع ما هي الحياة الزوجية، في البداية قبل أن يرزقني الله بأول مولود كان الامر عاديا وليس من مسؤولية عظيمة، ولكن ما إن صرت أبا حتى تغير كل شيء ولم أكن اعلم اني بحاجة لان اكون أبا، شعوري في ذلك اليوم لا اقدر ان اصفه بصراحة شعور فاق كل الوصف، من الجميل أن يكون لك ولد منك وملك لك وقتها تحس أنك ستعطيه كل حياتك وما تملك ويصبح للحياة طعم آخر اسمه (أب).

محمد سليم يقول: انا تزوجت مبكراً وقد تزوجت الفتاة التي احب، بالرغم أن اهلي مانعوا في البداية لكوني صغيرا بالعمر. إلا انني اصريت على موقفي وتزوجت، وكان الشعور العظيم حين أتاني المولود الاول وصار اسمي (ابو فلان) ما اجمله من احساس، اتعرفون ماذا يعني أن اصبح (أبا)، هذا يعني أني أملك العالم أجمع.

محروم
وليد صلاح يقول : أدفع عمري كله لاجل أن اصبح (أبا)، أنا متزوج منذ (16) عاما وحتى الان لم يرزقني الله بولد، دائما أجمع اولاد اخواني وأصطحبهم للحديقة ليلعبوا وألعب معهم، بهذا الشيء قد أخفف ألم الحرمان من هذه النعمة، وبصراحة حين ألعب معهم لا أخفيكم الامر أحس أنني طفل فتعود معهم تلك الايام التي ابتلعها الزمان.

ويقول فراس علي: انا أُجبرت على الزواج وبسن مبكرة، وأهلي كأي أهل يريدون أن يفرحوا بإبنهم الوحيد، وهذا ما حصل بالضبط، في البداية ظننت ان الزواج شيء عادي لكني رأيت أن الحياة الزوجية تختلف تماماً عن حياة العزوبية، فالزواج إبحارٌ ضد التيار.شيء وحيد جعل للكون لون وطعم ورائحة، جعل الدنيا بحر من الورود وشدني أكثر للوجود، هو أني أصبحت (أبا). لم أكن اعلم ان دخول طفل صغير لعالمي سيحوله من ضباب الى سحابة تمطر عطرا.. بصراحة هو اجمل احساس أن يكون لك طفل تعطيه ما حرمك منه الزمن لترجع من خلاله تصنع نفسك لكن بحال افضل من حالك.

JoomShaper