د. ياسر عبدالكريم بكار    
تُظهر إحدى الدراسات الأمريكية أن 7%-10% فقط من اتصالنا بالآخرين يتم عبر الكلمات، والباقي يتم عبر لغة غير محكية تشمل: نغمة الصوت، ولغة الجسد، وطريقة إظهار المشاعر. إذ يرسل الناس بشكل مستمر ولا واعٍ إشارات مستمرة تحكي عن حالتهم المزاجية والنفسية، وفي المقابل يمتلك البعض القدرة على (إلتقاط) وملاحظة وفهم هذه الإشارات، وهو بالتالي يتعامل مع الناس وفقها. ولقد انتشرت في المكتبات كتبٌ كثيرة تحكي عن فهم الآخرين عن طريق إيماءاتهم ولغة أجسادهم، وهذا جيِّد، وإن كنتُ أعتقد أنّ الأمر ليس بهذا التعقيد، وكل ما تحتاجه (في الحياة العادية) هو الإهتمام الحقيقي بالعالم الشعوري للآخرين، ومراعاته، ومحاولة استقرائه بشكل دائم.
تأمل معي المثال التالي حول كيفية تعبيرنا عن القلق:    
* القلق:
نستخدم نحن البشر لغة الجسد للتعبير عن شعورنا بالقلق بواسطة أساليب كثيرة.. أهمها:
- كثرة الحركة ذهاباً ومجيئاً.. أو التململ في الجلسة.
- الجلوس على طرف الكرسي وحركة مستمرة في القدمين.
- صوت متقطع أو متذبذب الجريان.
- حركة فرك وعصر أو تقليب اليدين مع تعرق خفيف فيهما.
- عبث بالمجوهرات التي تتقلدها المرأة أو بالساعة أو غير ذلك.
- الطرق الخفيف بالأصابع بشكل مستمر، ورعشة خفيفة في اليد.
- تشنج خفيف في عضلات الوجه الصغيرة.
- السرحان وعدم الانتباه.

·       خطوات عملية:
تذكر أنك بحاجة إلى وقت، وممارسة بشكل يومي، لكي تطور القدرة على قراءة مشاعر الآخرين واللغة غير المحكية التي تتحدث بها أجسادهم (لغة الجسد). كما تعلم فإنّه ليس من المحبذ أن تتأمل في وجوه الناس! لكنك تستطيع أن تسترق بعض النظرات لتشاهد طريقة تعبيرهم عن مشاعرهم في عملك أو البيت أو المطعم أو عبر شاشة التلفاز. هناك مجموعة من الأشياء التي يمكنك مراقبة أي تغيير قد يطرأ عليها مثل:
نمط التنفس.
طريقة الجلوس أو الوقوف (وضعية الجسم).
لون الوجه.
عضلات الوجه الصغيرة.
نغمة الصوت نمطه.

- الكياسة الاجتماعية:
عندما تنتهي من قراءة هذه الفقرة أعرف أنك ستقول: "أوه.. نعم هذه الصفات تشبه صفات فلان"! إذ كثيراً ما نقابل أشخاصاً يفتقدون إلى الكياسة الاجتماعية في تعاملهم مع الآخرين. يطلق الناس عليهم أوصافاً متباينة بمختلف اللهجات المحلية مثل: (دبج)، (غتيت)، (ممل)، (رخم)!. يتسم مثل هؤلاء بصفات عدة أهمها:
- يطرقون باب بيتك دون موعد، وفي أوقات غير مألوفة، ويقتحمونه دون إبداء أي سبب منطقي لهذه الزيارة المفاجئة وكأنه فعل طبيعي.
- يتركز حديثهم طوال الوقت حول أنفسهم وإنجازاتهم دون أي اهتمام بالآخرين، متجاهلين كل المحاولات لتحويل الحديث إلى موضع آخر.
- لا يعرفون متى يجب أن ينتهي حديثهم الهاتفي، ويستمرون في الحديث متجاهلين كل تلميحاتك لكي يضعوا حداً للمكالمة..
- يميلون إلى الإخبار لا إلى السؤال:
- يميلون إلى الحديث عن أخبارهم ورواية الأحداث التي حدثت معهم دون إعطاء أهمية لسؤالك أو إعطائك فرصة للحديث عن نفسك أو ما يجول في خاطرك. وحتى عندما يفعلون فإنّهم يفعلون ذلك كفاتحة للحديث عما يريدون الخوض فيه ودون اهتمام بإجابتك.
- يفتقدون إلى روح الدعابة والمرح.
- يقومون بتكرار قول نفس الأحداث والقصص والنكت مرات ومرات دون اهتمام بأنك قد سمعتها مرات عديدة!
- يلقون أسئلة في غير محلها.
- يخوضون في نقاش من منتصفه دون أن يفهموا مغزاه. ويطرقون موضوعاً محزناً في أوقات فرح.. وهكذا.
- يفتقدون لمهارات الانضمام لمجموعة جديدة. فمثلاً (أكرم) شاب ملتزم وصاحب خلق. قمنا بدعوته لحضور جلسة خاصة نقيمها لمدارسة القرآن والسنة النبوية. عندما حضر الجلسة لأوّل مرّة، كان يقاطع المتحدث بأسئلة كثيرة، وأبدى مع الجميع وداً مبالغاً فيه (وكأنّه يعرفهم منذ فترة) عبر إطلاق بعض (المزحات)، وكان يُقدّم تعليقاته ومداخلاته أكثر من أي شخص آخر في الجلسة، وغادر في وقت مبكر بحجة بعض المشاغل والالتزامات. لم يقم (أكرم) بما يخل بالأدب قط، ولكننا لم نشعر بالارتياح من وجوده، كما لم يُبدِ أحدٌ منّا الرغبة بالاتصال به قبل موعد الجلسة القادمة للتأكيد على حضوره!
يفشل مثل هؤلاء الناس في عدد من المهارات العاطفية:
- يفشلون في فهم الحالة المزاجية التي يمر بها جليسهم. وحتى لو أخبروهم بها صراحة! فإنّهم يبدون اهتماماً ضئيلاً بذلك، بل يعتقدون أنك جاهز في كل لحظة لتلبية حاجياتهم ومطالبهم.
- يفشلون في قراءة المؤشرات العامة للجو الاجتماعي الذي يتواجدون فيه. فما يناسب الحديث عنه في وقت ما أو مكان ما، قد لا يكون مناسباً في وقت أو مكان آخر.
يفشلون في فهم أن ما يناسب الحديث لشخص ما، قد لا يناسب شخصاً آخر. وأذكر أن إحدى الأرامل شكت لي يوماً صديقةً لها تكرر أمامها باستمرار ما يقدم لها زوجها من الهدايا وكيف يدللها ويكرمها! دون أي تقدير لما قد يتركه هذا الحديث من أثر في أرملة فُجعت بزوجها.

- مد جسور التواصل مع الآخرين:
لدى الأذكياء عاطفيا القدرة على مد جسور التواصل مع الآخرين بعلاقات متبادلة، وبناءة، تبث الرضا عن النفس والآخر. إنهم الأقدر على انتزاع الإعجاب من الآخرين، وزرع محبتهم في قلوبهم.
دعوني أوضح ذلك بأحد الأمثلة الواقعية لأحد أصدقائي الذين أفاخر بهم. (عُبادة) مهندس بترول ناجح وطموح.. أعرفه منذ أمد بعيد.. على الرغم من أننا نلتقي في فترات متباعدة، لكن اللقاء به أمر رائع.. يمتلك (عُبادة) عدداً كبيراً من المهارات الاجتماعية:
-  يخبرك عن ارتياحه بلقائك، وقضاء الوقت معك، والحديث إليك، يعبر عن ذلك صراحة دون حرج.
-  يستخدم بكفاءة كل التقنيات غير اللفظية والتي لا يولي لها الكثير منا أي اهتمام.. حيث ينطلق صوته بالابتهاج عندما يجيب عن اتصالك الهاتفي وكأنك تحمل له مفاجأة! ويولي حديثك اهتماماً خاصاً عبر تعابير وجهه ولغة جسده الذي يعبر فيها عن دهشته واستمتاعه بما ترويه من قصص وأخبار، وقد يذهب إلى أكثر من ذلك، حيث يخرج ورقة لكتابة مقولة أو نقطة أثرتَها خلال حديثك!
-  كرمه الوافر في منح كلمات الثناء والدعاء لأصدقائه الغائبين عندما يَعرُض ذكرهم أثناء الحديث: (فلان، الله يمسيه بالخير أينما كان، الله يذكره بالخير،..). وعلى الرغم من أنك قد لا تعرف ذلك الشخص الذي يحييّه في غيابه، لكنك تشعر بالغبطة، ربما لأن عقلك اللاواعي يخبرك: (في المرة القادمة عندما يأتي ذكري سيكون هذا هو الحال).
-   يعمل على أخذ الفهم الأقرب والأسلم لسلوك الناس من حوله، وتقديم النية الصالحة على غيرها (دون غفلة!)، مستغنياً عن حمل أي ضغينة أو تذكر أي إساءة. وهذا ما يخطئ به كثير ممن يمتلكون الذكاء العقلي حيث يتفننون في التقاط عيوب الآخرين، ونقدهم، ويُمعنون في لومهم عند أي خطأ. وحتى لو لم تكن أنت المقصود بهذا النقد فستشعر بالضيق ربما لأن عقلك اللاواعي يهمس فيك: (انتبه لنفسك.. فسيأتي دورك في المرة القادمة!).
المصدر: كتاب القوة في يديك (كيف تنمي ذكاءك العاطفي؟)

JoomShaper