هدى سيد
استقرار الحياة الزوجية هدف يضعه الزوجان نصب أعينهما منذ لحظة اختيار كل منهما للآخر، قد ينجح البعض منهم في إحرازه وقد يخفق البعض الآخر لعوامل عدة، ومن الممكن أن تمر سنوات على الزواج، وبدلا من استمرار الحياة بشكل جيد خاصة مع وجود الأبناء قد ينقلب الحال ويشعر أحد الزوجين أو كلاهما بالندم على زواجه، ويقسم في نفسه أنه لو عاد به الزمان لما ارتبط بهذا الإنسان! فلِم يتولد الندم بعد سنوات العِشرة بين الزوجين؟ وكيف يمكن تفاديه حتى يصل البيت إلى بر الأمان؟ هذا ما يوضحه التحقيق التالي:
تعددت الأسباب.. والندم واحد
في البداية يشكو ص. ل حاله، لشعوره بالندم بعد مرور 10 سنوات على زواجه من فتاة أحلامه كما يقول، ولكن هذه الأحلام انقلبت إلى كوابيس، بعدما ظلت زوجته المدللة على حالها، كما كانت في بيت أهلها، من الكسل، وزاد عليه إهمال شغل البيت ورعاية الأولاد، رغم لفته الدائم لنظرها ونصائح أهلها المستمرة!
أما عبد الله. ش فقد ظن أنه فاز بزوجة قنوعة، إلا أنه بعد زواج دام 15 سنة نادم على زواجه من تلك المرأة المتطلعة والتي لا تشكره على أي صنيع ولا ترضى بحالها معه، وترهقه دوما بطلباتها هي وأولادها التي لا تنتهي.

وتشعر ر. ف بنفس الشعور، فقد وافقت على الزواج من أول المتقدمين لها خوفا من شبح العنوسة كما تقول، ولكنها لم تشعر بالألفة معه رغم مرور 9 سنوات على زواجهما الذي أثمر عن بنتين!

وكذلك تقول نادين. م، فهي بعد 11 سنة نادمة على الزواج من شخص يختلف عنها تماماً في الطباع، فهي تحب الإنفاق، وهو بخيل لأقصى درجة كما تؤكد، ولكنها لا تستطع إنهاء حياتها الزوجية بيدها حتى لا يفقد أطفالها الأربعة وجود أبيهم في حياتهم، فهم يحبونه جداً، رغم تقتيره عليهم، وتحاول هي أن تسد حاجتهم من راتبها حتى لا يشعر الأبناء بالحرمان.

بين العقل والعاطفة
سبب شعور أحد الزوجين بالندم بعد الزواج هو عدم التأني عند اختيار شريك الحياة من البداية، كما توضح د/ نعمت عوض الله، الاستشاري الاجتماعي، وعدم الاهتمام بوضع كل بنود الاختيار بوضوح وعناية قبل الإقدام على خطوة الزواج، فيتم الاختيار على أساس العاطفة أو الشكل والمظهر والجاذبية، مع عدم إعمال العقل، ويتجمل كل منهما أمام الآخر، محاولاً إخفاء عيوبه قدر المستطاع، ومن ثَم عندما يواجه الزوجان الحياة بمتاعبها ومتغيراتها يكون هذا هو المحك الحقيقي الذي يظهر طباع كل منهما ويجعله يندم إذا لم يجد رد الفعل الذي ينتظره من الطرف الآخر أو السمات الشخصية التي كان يحلم بها.

وتضيف د/ عوض الله أن الندم ينشأ أيضًا من رغبة أحد الزوجين في تغيير الآخر وإدخاله في قالب محدد، بحيث تتطابق طباعه وميوله ورغباته وردود أفعاله مع ما يرغبه، وهذا شيء مستحيل، فلا يمكن تغيير ما تطبع عليه كل منهما خلال 20 أو 30 سنة قبل الزواج في شهور معدودة، بالإضافة إلى انفتاح الشباب والفتيات على المجتمع بشكل أكبر من ذي قبل، وتغير منظومة التعليم وتقليد بعض سلبيات الغرب، وبالتالي لم تعد الصورة النمطية للزواج وضرورة الحفاظ على البيت موجودة في مخيلة كثير من الأسر.

وتبين المستشارة أنه قد يزيد شعور الزوجين بالندم خلال سنوات الزواج الأولى لعدم قدرة كل منهما على التكيف مع الآخر في بيئته الجديدة ومع طباعه المختلفة، ولكن من الصعب الشعور بالندم بعد زواج استمر 15 أو 20 سنة مثلاً إلا لسبب قهري أو تغيير جذري، لأن كلا الزوجين يكون قد اعتاد الآخر ووجد مساحة اتفاق مشتركة معه، وتكونت لديه القدرة على الاحتواء والتفاهم وفهم شريك حياته، ومن ثَم لا يستطيع أحدهما أن يتحمل العيش بعيدًا عن الآخر، لأنه شعر بالألفة والتوحد معه.

ولتفادي شعور أحد الزوجين بالندم بعد مرور سنوات طالت أو قصرت من الزواج تنصحهم د/ عوض الله بأن يتقبل كل منهما الآخر بما فيه من مميزات وعيوب، فلا يوجد في الدنيا إنسان كامل، وعلى كل منهما أن يدرك وجود اختلاف في النشأة والطباع والسلوك وطريقة حياة كل منهما، ويقتنع بأن تغيير الآخر من الصعوبة بمكان، حيث يحتاج إلى وقت وصبر ومثابرة واحتواء وتغاضٍ عن الهفوات.

نختلف ولكن نتوافق
وفيما يتعلق بشعور الزوجين بالندم نتيجة اختلافهما في الطباع وسمات الشخصية يوضح د/ رمضان درويش، خبير الصحة النفسية بكلية التربية جامعة الأزهر، أن الاختلاف بين الزوجين في السمات الشخصية وطريقة التفكير قد يؤدي إلى التوافق الزواجي أكثر من الاتفاق بينهما، كما تبين نتيجة البحث الذي شارك فيه. ويضيف أن تميز أحد الزوجين بالمرونة والاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب يقضي على أي خلاف بينهما، لأن هذا النمط قادر على احتواء الطرف الآخر، أيًا كانت طباعه.

ويبين أن الأشياء تتميز بضدها، فبدون ليل لا نعرف قيمة النهار، وكذلك في العلاقات الإنسانية فإن الزوجين المتضادين يكمل كل منهما الآخر، فالزوج العصبي لا تتحمله إلا زوجة هادئة، والزوجة التي تنظر إلى الحياة نظرة متشائمة لا يكمل معها الرحلة إلا زوج متفائل، والزوج البخيل أو الحريص تتكامل معه زوجة كريمة لتسد تلك الثغرة في حياتهما الزوجية.

المثالية الغائبة
ويؤكد د/ درويش إن المثالية تغيب عن عالم البشر، ومن ثَم فإن الزوج الذي يبحث عن زوجة (كاملة الأوصاف) أو الزوجة التي تريد زوجا خاليا من العيوب، يندرج كل منهما تحت قائمة المرضى النفسيين، أو ما يسمى بـ (الكمالية المرضية)، وبالتالي فإن بحثهما عن الكمال في عالم النقص ينتهي بالندم وبفشل الزواج، ولذا فعلى الزوجين أن يتقبل كل منهما الآخر المختلف عنه في الطباع وطريقة التفكير وأسلوب إدارته للحياة، وأن يركز كلا الطرفين على نقاط القوة في شريك حياته، ويعمل على تدعيمها، بينما يتغاضى عن العيوب ونقاط الضعف، ويجتهد للتقليل منها بالنصح والإرشاد المغلف بالرفق واللين والود.

وينصح خبير الصحة النفسية الأزواج ببذل الجهد لتغيير طباعه للأفضل بدلاً من الندم على هذا الزواج، واحتواء الآخر وامتصاص انفعالاته التي تسببها الضغوط الحياتية والتغيرات النفسية والعمل على وجود مساحة مشتركة بينهما في الميول والاهتمامات والأهداف، والحرص على تجديد الحياة الزوجية، والتخلص من الملل والروتين الذي يزيد الفجوة بينهما حتى ينعما بالتوافق والتقارب والألفة، فلا يعرف الندم إليهما سبيلا

JoomShaper