الکاتب ثناء عبدالعظيم         
الجليس والأنيس والرعاية والاهتمامات، من أهم مبررات زواج المسن. فالزواج حق شرّعه رب العالمين لكل إنسان. لكن، متى يصبح زواج الأب المسن غير مرغوب فيه من جانب الأبناء؟ وهل من حقهم أن يمنعوه.
الأب المسن يحتاج إلى الرعاية والاهتمام. لذا، فهو قد يفكر في الزواج حتى يجد شريكة تؤنس وحدته وتشاركه ما تبقى من عمره. إلا أن هذا الأمر لا يلقى قبولاً من جانب الأبناء. فمنهم من يقف في وجه والده رافضاً أن يمارس حقه في الزواج، ومنهم من يلجأ إلى القضاء مطالباً بالحجر على والده مُشككاً في أهليته وكفاءته العقلية، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك، فيهدد والده بالاعتداء عليه. فهل يحق للأبناء منع والدهم المسن من الزواج؟ وما الاعتبارات التي تدعوهم إلى رفض تلك الزيجة والتوجس منها؟ وهل صحيح أن موافقة أبناء على زواج والدهم المسن تخضع لأعراف وتقاليد لا تحيد عنها، كأن تكون زوجته مريضة وعاجزة، أو متوفاة، أو مطلقة؟

- زواج مصلحة:
الخبير في شؤون التراث، فالح حنظل يبلغ من العمر 65 عاماً، وهو يرفض أن يتزوج بعد هذه السن، مبرراً ذلك بقوله: "إن على المسن أن يراعي شعور أبنائه وبيته والمجتمع ككل"، ويشير حنظل إلى "أن ثمة تغيراً طرأ على نظرة الفرد والمجتمع إلى زواج المسن. ففي حين كان هذا الزواج يعد مقبولاً في الزمن الماضي، حيث لم يكن يحق للأبناء حرمان والدهم من الزواج، كما لم يكن يحق لهم مجرد الاعتراض على ذلك، حتى وإن كانت العروس شابة صغيرة في السن". ويضيف متابعاً: "نجد حالياً أنّ الثقافة المجتمعية المعاصرة والأعراف الحديثة، لم تعد ترتاح إلى زواج المسن، وما يتراوح بين 75 و80 في المئة من الأبناء في البيوت العربية، يعارضون زواج الأب المسن، حتى ولو كانت أمهم مطلقة، ويحاولون أن يصرفوه عن فكرة الزواج مرة أخرى".
ينفي فالح حنظل "وجود أي أساس شرعي أو قانوني يستند إليه الأبناء في رفضهم زواج والدهم المسن، حيث يمنح الشرع والقانون الرجل حرية الزواج بأكثر من امرأة". لكنه يضيف معقباً: "من الأفضل للرجل المسمن أن يصرف نظره عن موضوع الزواج إذا تأكد من رفض أبنائه للأمر وتيقن من عدم موافقتهم. وحتى في حالة موافقتهم، فإنه يتعين عليه أن يختار للزواج مَن تناسبه في السن، فمن غير المعقول لرجل بلغ الستين أن يتزوج بشابة صغيرة ليبدأ معها الحياة. فمن المؤكد أنّ الأبناء سوف ينظرون إلى هذا الزواج على أنّه زواج مصلحة، والتجارب الواقعية أثبتت فشل الأغلبية العظمى من هذه الزيجات بعد الاستيلاء على أموال الأب".

- الخوف على الميراث:
"رفض الأبناء لهذا الزواج يرتبط بخوفهم على الميراث". وجهة نظر يتبناها محمد المعيني (موظف)، الذي يتابع موضحاً: "أنّ الأبناء يخشون من زوجة الأب التي قد تكون من خارج إطار العائلة أو من جنسية مختلفة. لذا، فإن تفكير الأبناء يتجه نحو احتمالات عديدة تتعلق بممتلكات والدهم. فمن الممكن أن تنجب زوجة الأب الصغيرة تلك، أخاً لهم، يشاركهم في الميراث. ومن الممكن أن تحكم سيطرتها على الأب وتجبره على التنازل لها عن ممتلكاته، لترحل بعدها تاركة إياه فقيراً معدماً في حاجة إلى من يرعاه". ويؤكد المعيني "أن مثل هذه السيناريوهات السلبية تقف وراء الموقف المعارض، الذي يتخذه معظم الأبناء تجاه والدهم المسن".

- السماح بالزواج:
من وجهة نظر أخرى، يكشف عباس فرض الله (موظف علاقات عامة) أنّه لن يعارض رغبة والده المسن متى أراد الزواج، إلا أنّه يضع شرطاً وحيداً لذلك، يقول: "شرطي الوحيد هو أن أطمئن إلى اختيار والدي في ما يتعلق بالإنسانية التي يرغب في الزواج بها، وأتأكد من أنها تتزوجه من أجل رعايته والعناية به وليس طعماً في أمواله".

- الحاجة إلى الرعاية:
بينما يقول محمد إبراهيم (عضو "منتدى الشارقة للتطوير"): "إنّ الأب المسن في حاجة إلى اهتمام ورعاية خاصة، وراحة نفسية، وشعور بالاستقلالية، فضلاً عن حاجته إلى الوجود بقرب إنسان يشعر براحة حقيقية تجاهه، فإذا وقع اختيار الأب على سيدة جديرة بالثقة، وقادرة على رعايته والعناية به، فلا يصح أن يمانع الأبناء مثل هذا الزواج".
ويضيف موضحاً: "أنّ التوجس من زوجة الأب الجديدة ومن تأثيرها في العلاقة بين الأب وأبنائه، إضافة إلى الخوف على الميراث، والقلق بشأن عدم حصول والدهم على الرعاية والعناية اللازمة، ثلاثة أسباب رئيسية تفسر الموقف المعارض الذي يبادر الأبناء إلى اتخاذه بمجرد أن يعلن والدهم المسن عن رغبته في الزواج. ويُضاف إلى تلك الأسباب سبب رابع في حال كانت والدتهم لا تزال على قيد الحياة، وهو يتمثل في إشفاقهم على والدتهم من الضرر النفسي والمادي الذي قد يلحق بها من جراء زواج والدهم عليها".

- الحجر على حرِّية الأب:
إذا كان الرجل يرى أن من حق والده المسن أن يتزوج، فهل للمرأة رأي آخر في المقابل؟ تقول منى الحاج (ربة بيت): "ليس من حق الأبناء الحجر على حرِّية والدهم المسمن متى أراد الزواج، فمن حق كل إنسان أن يعيش ويختار شريك حياته، ومن الطبيعي أن يشعر الرجل الذي فقد زوجته بالوحدة والفراغ، وأن يحتاج إلى من يؤنس وحدته، خاصة بعد زواج الأبناء". وتضيف: "إنّ الأبناء يرفضون هذا الزواج، إما خوفاً من إنجاب والدهم لوريث جديد يشاركهم في الميراث، أو خوفاً من المسؤولية المادية المضاعفة التي يمكن أن تُلقى على عاتقهم في حالة كانوا هم الذين يقومون بإعالة والدهم".

- شعور أناني:
من جهتها، تؤكد كوثر غطاس (موظفة) "أن رفض الأبناء زواج والدهم المسن ينم عن شعور بالأنانية"، لافتة إلى أنّ "الأب الذي تعب من أجل تربية أبنائه، من حقه أن يعيش حياته بالطريقة التي يراها مناسبة، ولا يحق لهؤلاء الأبناء أن يمنعوه، خصوصاً أنّ الدين والعرف يكفلان للرجل حرية الزواج، خاصة بعد وفاة زوجته أو طلاقها أو عجزها". وتؤكد غطاس "أنّ الأبناء مهما اجتهدوا في خدمة والدهم ورعايته، إلا أنهم قد يعجزون عن الوفاء باحتياجاته وتعويضه عن أشياء هو في حاجة إليها".

- أنيس وجليس:
ليس لدى رحاب محمد (ربة بيت) "أي مشكلة" في زواج والدها المسن، "شرط أن يختار إنسانة تحافظ على ماله وتهتم به"، حيث تقول: "أنا الابنة الوحيدة لوالدي، وقد تزوجت، وسافرت مع زوجي إلى مكان آخر، وأصبح والدي يعيش بمفرده في بلد آخر، ومن حقه أن يحظى بشريك يؤنسه". وترى رحاب "أن لدى الآباء الوعي الكافي، وهم يعرفون مخاطر الزواج في سن متقدمة. لذا، يجب عدم التشكيك في قدرتهم على اتخاذ القرار الصحيح. ولذلك، يتعين على الأبناء ألا يحرموا والدهم المسن من ممارسة حقه الطبيعي في الزواج، وحتى إذا شعروا بأي خطورة أو أمر غير مريح بشأن اختيار الأب، فمن واجبهم فقط أن ينصحوه، وذلك من منطلق خوفهم عليه وحرصهم على راحته وسعادته، على أن يتركوا له بعد ذلك حرية اتخاذ القرار بنفسه".

- شروط:
بدورها، تلتمس أنوار كمال (ربة بيت) مزيداً من المبررات التي تجعلها تؤيد فكرة زواج الأب المسن، فهي ترى أنّ "الأب تعب على تربية أبنائه حتى كبروا، وأصبح لدى كل منهم حياته الخاصة ومشاغله والتزاماته التي يتفهمها الأب جيِّداً، لكن هذه المشاغل والالتزامات التي يتفهمها الأب جيِّداً، قد تحول بينهم وبين رعاية والدهم والعناية به بالشكل الأمثل". وتشير إلى أنّه "في هذه الحالة، يعطيه الشرع الحق في الزواج، شرط أن تكون هناك أسباب تستدعي ذلك". وتلفت أنوار إلى أنّ "السبب الرئيسي وراء ممانعة الأبناء زواج والدهم المسن، يعود إلى أسباب مادية بحتة، ترتبط بخوفهم على الميراث".

- حق طبيعي:
في حين تعتبر بشرى الكندي (ربة بيت) "أن من حق المسن أن يمارس حياته الطبيعية، لأن زوجات الأبناء يرفضون رعاية الأب المسن إذا كان مريضاً". لذا، تؤكد بشرى "من الأفضل للأطراف كافة، أن يتزوج الأب، شرط أن يرتبط بسيدة في سن مناسبة ومن عائلة معروفة لدى الأبناء".

- المنع بالقوة:
في المقابل تعترض داليا نشأت (ربة بيت) على فكرة زواج الأب المسن، وتقول: "يمكن له أن يتزوج في حال وفاة الأُم أو طلاقها، فمن غير المقبول أن يتزوج أبي بينما أمي لا تزال على قيد الحياة وتقوم بواجباتها نحوه". وتضيف: "من حقي أن أمنع والدي من الزواج بكل الوسائل، سواء بالنصح، أم بالتهديد، أم القانون إذا أقدم على الزواج".

- أرفض زوجة الأب:
من ناحيتها، تقول ديما عزام: "أنا ضد زواج أبي المسمن حتى لو كانت أمي غير موجودة في حياته، مادمت أقوم بواجباتي نحوه وأرعاه وأقوم بخدمته". وتضيف: "أرفض أن تدخل امرأة أخرى حياة والدي، وأن تحتل مكان أمي في قلبه. أما إذا أصر على الزواج، فيمكن أن أسدي إليه النصح، لكن الأمر لا يمكن أن يصل إلى حد أن أقاطعه أو أتخذ ضده موقفاً معادياً إذا أصر على الزواج، لأنّه في النهاية يبقى والدي الذي أنجبني ورباني".

- المنع بقوة القانون:
"يحق للأبناء منع والدهم المسن من الزواج بالقانون في حالة واحدة فقط"، هذه الحالة، توضحها حنان قابل (ربة بيت) بقولها: "يحق للأبناء أن يلجأوا إلى حكماء العائلة لمنع الأب من الزواج إذا كان قد بلغ من الكبر عتياً، بحيث أصبح غير واعٍ لتصرفاته وقراراته، وإذا لم تفلح هذه الخطوة فيمكن منعه بالقانون. أما إذا كان الأب يتمتع بكامل قواه العقلية، ويستطيع القيام بكل واجباته الزوجية، والإنفاق على بيتين، إذا كان عنده زوجة أولى، فمن حقه الزواج".

- لا يحق لهم منعه:
حول أسباب رفض الأبناء زواج والدهم المسن، يقول رئيس قسم الإصلاح والتوجيه الأسري  جاسم المكي: "إنّ الأبناء لا يمكنهم منع والدهم من الزواج متى أراد ذلك، لكن إذا شعر الأبناء بالخوف وعدم الطمأنينة من هذه الزيجة، فعليهم أن ينصحوه، فإن لم يستجب يمكن مراجعة الجهات المختصة".
ويضيف المكي لافتاً إلى أنّه "لا يوجد نص في القانون يمنع الرجل من الزواج، كما أنّ الإبن لا يستطيع منع والده من الزواج إذا كان في كامل قواه العقلية، لأنّ الأب مسؤول عن الابن وليس العكس، وهنا لن تأخذ المحكمة بالحجر، كما أنّ العادات والتقاليد والشرع ترفض جميعها أن يتقدم الابن إلى المحكمة لطلب الحجر على الأب أو التحكم في حرِّيته بينما هو يتمتع بكامل أهليته".
ويضيف المكي موضحاً أن "مواد القانون، مستمدة من الشريعة الإسلامية، والقانون لم يأت بما يخالف الشريعة، والشرع يدعو إلى حفظ الأعراض والأموال والدماء، ولا يجوز أن يغتصب شخص أموال شخص آخر". ويؤكد المكي "أنّ الشرع أعطى الابن الحق في الحفاظ على أموال والده، كما أوجب عليهاحترامه، فلا يستطيع أن يحجر عليه وهو في كامل أهليته وقواه العقلية، إلا إذا كان الأب يستعمل ما يذهب هذه الأهلية كالمسكرات والمخدرات، وبهذه التصرفات يسهل على الآخرين الاحتيال عليه بأخذ توقيعات منه على توكيلات وعقود من دون أي يدري".
ويقول: "يمكن للابن في هذه الحالة أن يمنعه من الزواج بامرأة تحتال عليه". ويضيف: "إن قرار الحجر على الأب من تخصص المحكمة، ويصدر بعد إقرار اللجنة الطبية المعتمدة في الدولة".

- الهدف من الزواج:
وينتقل جاسم المكي إلى نقطة أخرى من الموضوع موضحاً أنّ "النسب يعتبر من الأمور المهمة، وعندما يختار الأب زوجة من عائلة لا تليق بمستواه الاجتماعي، وربما يرزق منها بأبناء سيصبحون إخواناً لأبنائه، فمن حق الأبناء أن ينصحوا والدهم بالحفاظ على العائلة، لأن ذلك يؤذي الأسرة. كما أن فارق السن من الأمور التي يعترض عليها الأبناء، كأن يتزوج والدهم بمن تصغره بفارق كبير في السن، فلا يصح أن يتزوج أب عمره 70 سنة بامرأة شابه في العشرين". ويؤكد "أنّ القاضي أو المأذون الشرعي لا يسمحان بإجراء العقد في هذه الحالة، لأنّ الزواج غير متكافئ، وغير مبني على الديمومة"، ويختم موضحاً: "أنّ الزواج ليس رعاية وعناية فقط، ولكن فيه حق الفراش أيضاً، وأن تقبل شابة صغيرة الزواج برجل مسن، ربما بسبب ظروف قاهرة أجبرتها على ذلك".

- الرحمة سمة العلاقة الأبوية:
"زواج المسن له شروط"، تقول مديرة إدارة التنمية الأسرية في وزارة الشؤون الاجتماعية، فوزية طارش، وإذ تعدد تلك الشروط، تقول: "قد يكون الأب في سن تسمح له بالزواج، ويحتاج إلى وجود رفيقة في حياته تؤنس وحدته ولا تجعله يشعر بالفراغ". وتضيف: "إنّ الأبناء يتمنون لوالدهم طول العمر والصحة، ولكنهم يفكرون في المستقبل ويخشون أن تدخل حياته امرأة أخرى تأخذ مكان والدتهم، خاصة إذا كانت صغيرة في السن". وتذكر حالة رجل مسن تزوج بامرأة آسوية، كانت تذهب به إلى أبنائه عندما كان يمرض، وتتركه لديهم حتى يشفى". وتؤكد طارش "أن صفة الزواج في هذه الحالة انتهت لأنّ العلاقة قائمة على المصلحة الشخصية لتلك المرأة وطمعها في أموال الأب". وتتابع موضحة أنه "في مثل هذه الحالات يقع صدام بين الأب والأبناء نتيجة تأكدهم من حدوث استغلال للأب ونية مسبقة من جانب الزوج على الاستيلاء على أمواله، ولكن يبقى أنّ المجتمع الإسلامي فيه عادات وتقاليد لا تسمح بمثل هذا الصدام، ومهما تبلغ شدة الرفض من جانب الأبناء، إلا أنه لا يصل إلى تلك القسوة التي نشهدها في المجتمعات الغربية، فالرحمة لاتزال موجودة بين الآباء والأبناء".

- حق المسن في الزواج:
"القانون لا يمنع زواج الرجل المسن إلا إذا كان فاقداً للأهلية"، تقول المحامية مريم الحنطوبي، لافتة إلى أنّه "ليس من حق الأبناء أن يمنعوا والدهم المسن من الزواج، لأن من حقه شرعاً أن يتزوج ويختار شريكة حياته". وتوضح "أن هناك أسباباً تدعو الرجل المسن إلى الزواج، كأن تكون زوجته متوفاة أو عاجزة، أو أن يكون مريضاً ويحتاج إلى من يرعاه". وتؤكد الحنطوبي "أن هناك زوجات صغيرات يشترطن على الرجل المسن أن يشتري لهنّ بيتاً وسيارة وأن يؤمن حياتهنّ، خوفاً من أبنائه الكبار. فيكتشف الأبناء بعد وفاته أنه باع كل أملاكه من أجلها، وإن ميراثه آل بالكامل لها". وتضيف: "إنّ الأبناء يمكن أن ينصحوا الأب إذا اتضح أن من يريد الزواج بها احتالت على آخرين قبله، أو أنها ليست من عائلة تناسبهم. أما إذا كانت مناسبة للأب في العمر، فليس من حقهم أن يمنعوه، فالقانون لا يمنع الرجل من الزواج حتى ولو كان على سرير المرض".

المصدر:البلاغ

JoomShaper