شمس العياري

لا يزال الحجاب موضوع جدل حاد في ألمانيا بين من ينظر إليه كعائق أمام الاندماج، ومن يرى فيه خصوصية ثقافية جديرة بالاعتراف. وتعتبر الجامعة الألمانية مكانا خصبا يشهد احتكاكا متواصلا حول هذا الموضوع.
يقدر عدد المسلمين في ألمانيا بحوالي أربعة ملايين شخص، وهذا ما يمثل نحو خمسة بالمائة من إجمالي سكان البلاد، حسب دراسة رسمية أعلن عنها المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللجوء في يونيو/ حزيران من العام الجاري. وعلى الرغم من أن وجود المسلمين في ألمانيا يعود إلى بداية الستينات مع قدوم العمال الأتراك (1961) ثم المغاربة (1963) وبعدها التونسيين (1965)، إلا أن الحجاب لا يزال موضوع جدل ونقاش في الأوساط السياسة والإعلامية. وتشكل الجامعات الألمانية، إحدى أماكن هذا الجدل،  لكونها فضاء تلتقي فيه وديانات وثقافات مختلفة.

هل للحجاب موقع في مجتمع منفتح ومتعدد الثقافات؟

تعتبر جامعة بون من الجامعات الألمانية التي يطبعها توجه دولي واضح، ويظهر ذلك من خلال تواجد عدد كبير من الطلبة الأجانب أو الألمان من ذوي أصول مهاجرة. ومن نماذج ذلك حنان، طالبة من أصل مغربي تدرس الصيدلة وترتدي الحجاب. وتقول حنان، البالغة من العمر عشرين عاما، إنّه وعلى الرغم من أنها "ولدت ونشأت في ألمانيا وتتقن الألمانية أفضل من لغتها الأم"، إلاّ أنّها تعتقد بأنها "تنتمي إلى فئة لا تزال تواجه رفض البعض الذي يرى في الحجاب حاجزا". وتشدد على أنها لا ترى "تعارضا" بين ارتداء الحجاب وبين الدراسة في جامعة ألمانية، مؤكدة على أن الفرق الوحيد بينها وبين زميلاتها الطالبات الألمانيات يكمن في أنها تحمل خصوصية تصفها بأنها "تثري من خلالها ثقافة المجتمع الألماني". حنان التي تعتني بأناقة لباسها، إذ يتناغم لون حجابها البنفسجي مع لون حقيبتها اليدوية وحذائها، تعتبر أن على المجتمع الألماني أن يكون "متنوع الثقافات"، ومن شأن ذلك أن "يضفي عليه طابعا مميزا" على حد تعبيرها. ولكن خافيير، مدرس للغة إسبانية في جامعة بون، يرى في الحجاب "عائقا" أمام اندماج الفتيات المسلمات في المجتمع الألماني. فقطعة " القماش هذه المثيرة للجدل" قد تؤثر على تواصل الطالبات المحجبات بزملائهن في الجامعة. ويقر خافيير "بأنه لا يجرأ على مخاطبة أو التحدث مع امرأة محجبة".

الحجاب في الجامعة: أزمة تواصل؟

تتميز الآراء حول الحجاب والمحجبات بالتباين حسب اختلاف الناس وتجاربهم الشخصية. كلاوديا، وهي طالبة في تخصص الجغرافيا، ترى في الحجاب أمرا غربيا على  المجتمع الألماني. ولكنّها أنها أبدت إعجابها بالطالبات المحجبات، لأنّهن "يدحضن بعض الأفكار المسبقة عن المرأة المسلمة بأنها بسيطة وتقتصر حياتها على الطهي وإنجاب الأطفال"، مشيرة إلى أن "زميلاتها يظهرن نجاحا في التوفيق بين الدارسة واعتقادهن الديني".

وعلى الرغم من أن جامعة بون توفر لطلابها من مختلف أنحاء العالم حرية المعتقد وحرية اختيار اللباس، إلا أن بعض الطالبات المحجبات يشعرن بأنهن يواجهن أحكاما نمطية من قبل الآخرين، على غرار ليفان شريف، طالبة أدب انجليزي من أصل عراقي، تغطي رأسها بقبعة صوفية تنسجم مع جاكيت ترتديه وتحاول أن تكون ملابسها غير لافتة للنظر. وتقول ليفان بأنها "تغطي شعرها بطريقة لا توحي بأنها محجبة"، لأنّها تعتقد أن ذلك "جلب لها بعض المتاعب". وتشدد أنها ترتدي الحجاب عن قناعة ولكنها ترى أن "غالببة المجتمع الألماني متحفظة إزاء المحجبات"، بالإضافة إلى أن الطالبات اللواتي يدرسن معها، لا توجد بينهن من ترتدي الحجاب، الأمر الذي يثير لديها شعوراً بعدم الارتياح، كما تقول.

بين القبول والرفض...أين يكمن الحل؟

ولكن البروفسور بروان، الذي كان يدرس في الجامعة واعتاد على رؤية طالبات محجبات في محاضراته، يؤكد أن الحجاب لم يعد ظاهرة غريبة في ألمانيا. ويرى أن عملية قبول الآخر تتطلب من الجانبين الحوار والتواصل مع بعضهما البعض، مشيرا إلى أن لديه الانطباع بأن المحجبات "يفضلن الاختلاط فيما بينهن" وأنهن "متحفظات" في التعامل مع الآخرين. ويرى أن ذلك من شأنه أن يُفسر على أنهن "لا يرغبن في التواصل" مع زملائهن، فيما أن التواصل بين الطلبة جزء من الدراسة. أما عن الجانب الألماني فيؤكد البروفسور البالغ من العمر 71 عاما، "هناك عدد من الأمور التي يتعين علينا التعامل معها باحترام وحرص، ومن ضمنها الدين، وعليه لا أسمح لنفسي أبدا بإصدار أحكام أو تلميحات من شأنها أن تجرح الشعور الديني للآخرين."

 

موقع دويتشه فيله

JoomShaper