البلاغ
يجد المتأمل في شهر رمضان المبارك أن تنظيم الوقت هو من أهم الحكم والدروس المستفادة من هذا الشهر الفضيل، فهو شهر للتجديد الإيماني في كل عام، وإذا ألحق بستة أيام صوم من شوال عدل صيام وتنظيم وإستجلاء الروح عاماً كاملاً في الأجر والثواب ومضاعفة الحسنات. فالحسنة فيه بعشر أمثالها. وهو شهر كله مغانم، ومقسم إلى ثلاثة أقسام، أوّله مغفرة، أوسطه رحمة، وآخره عتق من النار.
أمّا عن تنظيم يوم المسلم، ففيه وقت للصوم، وهو محدد معلوم. وفيه الصلوات الخمس، أوقاتها منظمة معلومة، وهو شهر القرآن، فحري بالمسلم أن يعلن فيه أن صاحبه هو القرآن الكريم، يؤانسه في خلواته، ويجهر به في صلواته، ويناجي به ربه في دعواته. فهو يحيا بالقرآن في حركاته وسكناته متزوّداً من معانيه، وطالباً لأثره في النفس والأسرة والمجتمع، وملتمساً لما فيه من مواقف عظيمة تحرك الهمة وتنهض بالأجيال لتكون مع الله تعالى من خلال كتابه العزيز.
كما أنّ العمل له وقته في رمضان، فهو شهر العمل لا كما يشيع البعض بأنّه شهر الدعة والخمول والنوم والكسل. فالسعي من أجل كسب الحلال عبادة في غيره، وفيه يُضاعف أجر هذه العبادة. وكذلك حفظ الجوارح في سبيل مرضاة الله تعالى عبادة، والتودد للخلق وإظهار الرحمة عبادة، وقراءة القرآن وسائر القربات عبادة، والدعوة إلى الله تعالى من خلال القول والفعل والأخلاق عبادة، وحجب شر النفس عن الناس عبادة، والحنان على الأسرة والتوسعة عليهم فيه عبادة، وإظهار فاقة العبد لله تعالى وإفتقاره لرحمته جلّ وعلا وعظيم عفوه ومغفرته، وإلحاحه في طلب العتق من النار، كلّها من خصوصيات نفحة رمضان، وهي في الوقت نفسه متاحة للمسلم في سائر أوقات العام.
- أفكار وإقتراحات:
هناك كثير من الوسائل التي نستطيع إستثمار وقت رمضان فيها الإستثمار الأمثل، فلو الزم أحدنا نفسه أن يحفظ كلّ يوم شيئاً من القرآن الكريم وأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومسألة في فقه العبادات، فسيجد في يوم العتق الأكبر والجائزة العظمى صباح عيد الفطر أنّه قد استثمر وقت رمضان فنال قدراً عظيماً من العلم والنور، وأنّ نور الإيمان واليقين بالله تعالى قد باشر قلبه وجوارحه، وسيجد لذة ذلك وبركته في نفسه وأهله وماله ووقته، ويتخرج في مدرسة رمضان وهو من أهل القرآن وحملة نور الوحي ومن أهل الفهم عن الله تعالى وعن رسوله (صلى الله عليه وسلم).
ومن ذلك أيضاً تفعيل دروس السنّة النبوية والسيرة الكريمة للرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم)، ودروس الوعظ والإرشاد عصر كل يوم أو بعد صلاة العشاء، والحفاظ على الذكر فإن فيه الجلاء الحقيقي للقلوب. ويمكن للمسلم أن يأخذ تفسيراً للقرآن الكريم، ويحدد لنفسه ما يقرأه كل يوم من آيات وتفسيرها، ويجعل من أولوياته الإطلاع على سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويختار كتاباً ميسراً في ذلك. وله أن يقوي بناءه الروحي، فشهر رمضان شهر ولادة الروح من جديد.
ومن ألوان إستثمار نفحات الشهر الفضيل أن يجعل من اللقاءات العائلية في رمضان لقاءات معرفية، فيثير فيها ما قرأه ويتدارس ذلك مع الأسرة، ويستثمر رمضان لتصحيح مفاهيمه بناءً على إطلاعه والعودة إلى أهل العلم وسؤالهم ومراقبة النافع المفيد من البرامج الهادفة التي يعلن عنها في وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
ولا شك في أنّ المسلم إذا احتسب نومته كما احتسب قومته، فجعل من نومه فترة لإراحة أعضائه وإعانتها على القيام بالفرائض والطاعات كالصيام والقيام والذكر والعلم والعمل الحلال، فإن نومه يصبح عبادة، إذ هو سبب إقدامه على أدائها بوجهها الصحيح. وتتحقق العبادة في نومه أيضاً إذا كان فيه كف الأذى عن النفس والناس، ورأى أنّ بالنوم حجباً للنفس عن الوقوع في ما يبطل الأعمال، ويضيع الصوم والقربات.
فالواجب على المسلم أن ينتفع من نفحة شهر رمضان فيروض نفسه على الطاعات وإن طال وقتها أو تعددت صورها، وعلى الصبر عن المعاصي والنقائص وإن قلّت أو رآها صغيرة، وأن يحرص على أن يراه مولاه حيث أمره، وأن يبتعد عن كل ما نهاه عنه، وأن ينزه نفسه عن كل ما يفقده أجر الصوم، فكما صح في حديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، الذي أخرجه الإمام البخاري: "مَن لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وهذا يجعلنا نذكر بخطورة ما عليه واقع الكثير من المجتمعات من الإنشغال باللهو والمسلسلات وممارسة بعض الألعاب التي توقع أصحابها في فحش القول والفعل وهدر وقت الرحمة والمغفرة بالغفلة والحمق وقتل الوقت بما يسهم في هدم البناء الروحي الإيماني والمعرفي البدني والأسري والإجتماعي.
تنظيم وقت المسلم في رمضان
- التفاصيل