فهد الطاسان
هاتان المتلازمتان اللّتان يتكرّر الحديث عنهما قبل كلّ هلال لرمضان سنويًّا.
إذ إنّه ما إن يُرى الهلال في السّماء حتى تبدأ الأطباق الفضائيّة باستقباله بكميّة مهولة يُعدّ لها طوال العام من المسلسلات والبرامج والإعلانات الغثّ منها والسّمين، النّافع والضّارّ.. فصار رمضان موشومًا بالجلوس على التّلفاز كما هو موشوم بالإفطار والسّحور! وكأنّ شاشة التّلفاز باتت أحد فوانيس هذا الشّهر.
إذا كان هذا الوجه الإعلاميّ التّلفزيونيّ في رمضان، فماذا عن الوجه الإعلاميّ لمواقع التّواصل الاجتماعيّ؟
ربّما يحمل وجهًا آخر مختلفًا بل ومضادًا في بعض الأحيان لهذا الوجه التّلفزيونيّ الدّسم لتغييب الجوّ الروحانيّ لرمضان...
يُعّد الإعلام الاجتماعيّ نقلة نوعيّة في ثقافة الأفراد، يشبه تمامًا النُّقلة الدّيموقراطيّة للسّياسة الغربيّة، حين صار للفرد حقوقه وصوته المسموع. فإذا كان التّوجيه التّلفزيونيّ دكتاتوريًّا في مساره طوال سنين، بفرضه نمطيّة معيّنة على الجوّ الرّمضانيّ، فمواقع التّواصل الاجتماعيّ كسرت هذه النّمطيّة.
قد يعود السّبب لأنّ الإعلام المرئيّ مدعوم من سماسرة، هدفهم دائمًا كسب المال من شراء المسلسلات والبرامج وزيادة الدّخل الإعلانيّ، فلا تكترث بأحقّيّة هذا التّوجّه قدْر اكتراثها بالمردود الماليّ المترتّب عليه، بينما مواقع الإعلام الاجتماعيّ تتمتّع بالنّفاذيّة العالية للوصول لقاعدة مستخدمين كبيرة، ويحرّكه أشخاص بسطاء بمبادئهم وأفكارهم الذّاتيّة التي يسهل نشرها وتعميمها، والتي تتشابه مع أفكار الكثير، فتكون الاستفادة منها وإمكانيّة تداولها أكبر!
قد يشاهد أحدهم برنامجًا تلفزيونيًّا يخبر عنه صديق أو صديقان، لكن على مواقع التّواصل فثانية واحدة كفيلة بنشر فكرة أو مقطع ومشاركتها مع الجميع.
هذا الفضاء الحرّ أتاح للوعي أن يجد متنفّسه، وللرّأي أن يكون له صوت وصدًى.
هو ليس عالمًا مثاليًّا صرْفًا، لكنّه واعٍ لدرجة التّفريق بين الخطأ وضدّه، وحرّ بحيث يملك الشّخص فيه أن يقول لا لما يستنكره، ونعم لما يوافقه، تجري فيه حملات عفويّة لإقامة الشّهر بالصّورة الأفضل، وإن لم تكن الأمثل.. حملات لختم القرآن، نشر لفتاوى مهمّة، حملات لمقاطعة بعض البرامج ومبادرات تطوّعيّة لخدمة المساجد وإفطار الأسر.
الجميل في الأمر أنّ هذه المبادرات تبدأ فعليًّا قبل بداية الشّهر لتطبع عليه روحانيّة قبل مجيئه، وتضرم نار الشّوق إليه.. كما يتّضح أنّ مواقع التّواصل الاجتماعيّ ساهمت في تفتّح دينيّ لدى الكثير، فخرجت نمطيّة أنّ التّحفيز على فعل العبادة أو الأعمال الخيريّة أو النّصح أو التّذكير، لا يأتي سوى من رجل الدّين فقط، بل قد تأتي من الفرد العاديّ العفويّ غير المرتبط بأيّ توجّه دينيّ صِرْف في دراسته أو عمله أو نشاطه. وهنا تصبح اللّهجة النّصحيّة أبسط وقريبة للقلب وإمكانيّة تقبّلها عالية النّسبة.
والحقيقة أنّ العالم الافتراضيّ الذي يحتضن مواقع التّواصل الاجتماعيّ أثبت فاعليّته؛ إذ إنّ وصوله للشّرائح المستهدفة أسرع.. وفرص عرض الأفكار متاحة لفئة كبيرة، بالتّالي معدّل المتطوّعين أكبر، والتّكاليف أقلّ، واستطاع من تجارب كثيرة كسب مصداقيّته؛ فأصبح التّفاعل معه آمنًا وسهلاً في جميع المواسم، وفي الموسم الرّمضانيّ على وجه التّحديد.
كما يسهل للفرد فيه اختيار نمط اهتماماته فيبعد نفسه تمامًا عن العيّنات التي لا يفضّلها، ويركّز على تلك التي يرغب فيها. وكون متابعته أو قضاء الوقت عليه ليس مفروضًا بوقت معيّن.
ذلك لايبخس حقّ التّلفزيون وبعض برامجه الهادفة، و لايعلي –بالطّبع- من قدر مواقع التّواصل الاجتماعيّ بشكل "تنزيهيّ"! لكنّه يشير إلى أنّ الفرد البسيط قادر على التّأثير على الفرد الآخر بشكل أسرع، وأنّ المجتمع في مرحلة وعي متّسعة جعلت مساحة الانتقاء أكبر لدى المتلقّي.
وإن أراد شخص ما على موقع تويتر أو الفيس بوك أو برامج الدّردشة إيصال فكرة تحفّز روحانيّة الشّهر، فاحتماليّة تعرّض متابعيه وأصدقائه لها أعلى من تعرّضهم جميعًا لبرنامج تلفزيونيّ محدّد!
وفي الأخير يبقى الإعلام بجميع أشكاله مجرّد أدوات ممغنطة، تتفاوت قدرتها على الجذب وفقًا لرغبات الفرد والصّورة التي أطّرها للتّفاعل الإعلاميّ الرّمضانيّ الذي خطّط له.
رمضان والإعلام
- التفاصيل