لها أون لاين
توزيع تركة الأب قبل وفاته منعا لوقوع الخلاف والشقاق بين الأبناء، من الأمور التي صارت تحدث بشكل مضطرد، خصوصا بعد شيوع قصص الخلاف التي تنشب بين الورثة بعد وفاة المورث.
في التحقيق التالي نقف على آراء الفقهاء والدعاة وعموم الناس في مدى المنافع والمضار الاجتماعية المترتبة على هذه القسمة التي لا يراها الفقهاء الشرعيون.
يؤدي إلى مفسدة كبيرة
يقول الدكتور ماهر أبو عامر  خبير العلاقات الاجتماعية: بعض العلماء قالوا إن توزيع التركة قبل وفاة صاحبها لا يجوز شرعا، والبعض أجازها على أن تكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وهناك من يرى أنها تقسم بالتساوي بين الأبناء، وتكون في هذه الحالة كالهبة. أما من الوجهة الاجتماعية فيقول أبو عامر: ربما يؤدي تقسيم التركة في حياة الوالد إلى مفسدة كبيرة، لأنه ربما يصبح الوالدن ألعوبة في يد الأبناء، خصوصا إذا وقع في العقوق، وفي هذه الحالة يجد الآباء أنفسهم مجردين ولا يدرون ماذا يفعلون.
ويضيف أن بعض الآباء يرى في ذلك هروبا من الشرع، خصوصا لدى أصحاب الأراضي الزراعية، حيث يرغب الأب ألا تذهب أرضه لبناته، لأنها بذلك تذهب لأزواجهم الغرباء عن العائلة، ولا يمكن أن يحصلوا على هذه الأرض التي تعبوا فيها وأنها لابد أن تكون لأولادهم الذكور دون الإناث!
والبعض يكون كل أولاده بنات، فيكتب لهم كل شيء للهروب من الورثة الشرعيين، وهذا لا يجوز سواء إذا كان يريد به العدل بين أولاده أو يريد الهروب من الورثة، وبالتالي فإن هذا التقسيم له أضراره الاجتماعية والأفضل أن يكون بعد وفاة صاحب التركة.

نعم إذا كان بالتراضي بين الجميع
ويقول الداعية عبدالمحسن الذكي: هذه التركة لا يمكن أن تسمى إرثا، فالإرث يكون بعد موت مورثه وأي صورة تخالف ذلك لا تجوز شرعا.
لكان واقع الحال يقول: إن بعض الآباء يخشى على أولاده المنازعة بعد وفاته، فيجمعهم ويقسم بينهم تركته خصوصا في الأصول الثابتة كالعقارات وغيرها ويرضي جميع الأطراف، خصوصا أن بعض المواقع العقارية يكون مميزا عن الآخر وهو ما يسبب الخلاف في المستقبل.
وبعد أن يقوم الأب بالتوفيق بين أبنائه، يكتب بذلك عقودا ويحتفظ بها عنده حتى وفاته، وبذلك يكون ضمن أنهم لن يتخاصموا ولن يشب بينهم الخلاف بعد وفاته.
وهذه الطريقة أصبحت من الأعراف الاجتماعية التي يرتضيها الكثير من أولياء الآباء ومن الأبناء أيضا، حيث يتدخل فيها الفضل والتراضي بين الأخوة إرضاء لوالدهم.

رأي الناس
تقول أم هشام ـ ربة منزل ـ أرى أن تقسيم التركة بين الأولاد في حياة الأب مما يحفظ العلاقة بين الأخوة في المستقبل، ويضمن استقرارها، وأنا شخصيا حصل هذا معي وقد جمعنا أبي وتراضينا على هذا.
وتضيف: لكنني أرى ألا يخلي الأب نفسه تماما فقد يتغير الأبناء ويقع العقوق، لذلك لابد للأب من الاحتفاظ لنفسه بقدر من المال يعيش منه في سعة، بدلا من أن يتسول من أبنائه أو يعقوه.
أما سعد عبدالفتاح ـ مزارع ـ فيقول: لا أرى أن هذه الطريقة مناسبة، لأنها تبقى لها ذيول في المستقبل، فلو قسم الأب تركته بين الأبناء فإنه سيبقى على شيء لنفسه يعيش منه، وإذا كان يقسم ما لديه بين أبناء خوفا من شجارهم بعد وفاته، فإنهم سيتشجارون على ما تبقى منه إن لم يكن بينهم وفاق ومحبة، والأصل وجود المحبة بين الأخوة، لذلك أرى أن تبقى الأمور كما هي دون تقسيم، وبعد وفاة الأب يقول الشرع كلمته وعلى الجميع احترامها.
ويتفق معه الحاج علي عبدالعال الذي قسم تركته بالفعل بين أبنائه، لكنه يشعر أنه لو لم يكن هناك توافق بين الأشقاء فإن الخلاف سيقع حتما، خصوصا أن أحد أبنائه توفي بعدما قام بتقسيم أصول عقاراته بين أولاده جميعا، وبالتالي أصبح من حقه أن يرث في ابنه، وأصبح من حق أخوته الميراث فيه كذلك!، ويضيف: لذلك ألغيت كل ما كتبت لهم، وقلت دعوا كل شيء بعد الوفاة. وفاتي أو وفاتكم فلا يعلم العمر إلا الله سبحانه وتعالى.
ويقول محمد هاشم ـ موظف بالمعاش ـ قسمت كل ما لدي على أولادي، وأشعر أني مطمئن عليهم، وأن علاقتهم ببعضهم ستكون طيبة في حالة وفاتي. كما أنني اتفقت معهم على مبلغ شهري يدفعوه جميعا لي يكفي احتياجاتي واحتياجات والدتهم، وأرى أن هذه طريقة مثالية تريح الأب من تربص أبنائه به، وتريح الأبناء من الوساوس تجاه بعضهم البعض، حيث يكون الأب القاضي والحكم خلال حياته، ولكن يجب أن يكون الأب عادلا، ويتقى الله في توزيع تركته، ولا يجوز أن يساوي بين الأبناء والبنات عند توزيع التركة إذا كان التوزيع جائز قبل الموت.

يجوز على سبيل الهبة ولكن!
يقول الدكتور يوسف البدري عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن الله تعالى ترك أمر الميراث لما بعد وفاة المورث، يقول الله تعالى "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ"، هذه الآية نُسخت بآية المواريث الموجودة في سورة النساء "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا*وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ"سورة النساء.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث"رواه الترمذي وصححه الألباني، فلابد من الالتزام بالمواريث كما جاءت في سورة النساء، ولا وصية إلا لمن لا يرث وهي الوصية للأحفاد الذين مات أبوهم في حياة جدهم.
فإذا أراد الوارث الأب أن يوزع تركته قبل وفاته، فهذا مكروه شرعا، لأنه لا يدري متى يكون العمر، وربما يطول به العمر، وبالتالي فإنه مكروه ولا أقول محرم.
وإن كان ولابد أن يوزع على أبنائه في حياته، فسيكون على سبيل المنحة أو الهبة أو العطية، وهنا لابد له من المساواة التي قد يخالفها بعض الآباء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ساووا بين أولادكم"ضعفه السيوطي و الألباني، و في الحديث الصحيح:"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"رواه البخاري ومسلم، فإن فعل فلابد أن يعدل بينهم، وأن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو أمر مليء بالمحاذير لأنه ربما يموت أحد الأبناء قبل وفاة والده، أو ربما كان أحدهم سفيها، فالأفضل أن يترك الميراث إلى أن يموت الأب.
وإذا حصل خلاف بين الأبناء، فالسلطان ولي من لا ولي له، وهناك المحاكم الشرعية تقوم بدورها في الفصل بين المتخاصمين، وهذا هو الأفضل خروجا من كل خلاف ومنازعة.

JoomShaper