الدستور – مرام ابوعنزه
يعتقد بعض الاباء أن المحبة تعني توفير الملابس والهدايا وما شابه ذلك لاطفالهم، لكنهم لا يرون أن الحب الحقيقي الذي لا ينتبه إليه الكثيرون منهم هو عواطفهم ومشاعرهم، فضلا عن كونهم لا يكترثون بمشاعر الطفل وأحاسيسه، فقد يتركون للخادمة التي قد لا تكون مؤهلة مهمة الاهتمام بصغارهم، أو يقف دورهم عند النقَد والتوبيخ على كل صغيرة وكبيرة، أو يقال له كلمات تعني أنه عبء ثقيل كوصفه بالإزعاج والمضايقة وقلة الفهم وعدم التركيز أو أن أخاه أو الأطفال الآخرين هم أحسن منه؛ الشيء الذي يحبطه ويبعث في نفسه الحقد والغيرة. ومن منطلق أهمية إظهار الأبوين الحب والحنان للطفل ومع الحياة «السريعة» التي نعيشها بكل ما فيها من مشاكل وتحديات ومصاعب، يبرز هذا التساؤل هل يحصل أطفالنا على الكمية المناسبة من «الحب « لكي ينشأوا النشأة الصحيحة؟ وهل لدى الوالدين الوقت الكافي لكي يتمكنوا من إيصال شعورهم ومحبتهم لأولادهم؟
الأم مدرسة
بداية تقول روان محمد: بالتأكيد أن مهمة الأم في البيت لا تقتصر فقط على الإطعام والتغذية والاهتمام بالملبس والمشرب ، إنما الأم هي «مدرسة» يتعلم فيها الطفل السلوكيات الصحيحة والاتجاهات الايجابية ولعل إحدى احتياجات الطفل التي تقوي من شخصيته وتجعله يسير على الطريق السوي هو « الإشباع العاطفي» أو تلك الكمية الهائلة من «الحب والحنان» التي يجدها على صدر أمه فتجعله يشعر بالأمان والراحة. ولان حاجة الطفل إلى الحب والحنان هي حاجة طبيعية لذلك تبرز أهمية أن يتم «إشباع» هذه الحاجة من خلال تعامل الأبوين مع الطفل و إعطائه الإرشادات بأسلوب «تربوي» سليم لا وجود فيه للشدة القصوى او اللين الكبير.
ضروريات الحياة
أكد الدكتور إبراهيم جلال اختصاصي علم النفس أن الحب من ضروريات الحياة بالنسبة للطفل وتتضح هذه الأهمية عندما ندرك أنّ الوصول إلى مرحلة حب المجتمع لا بد أن تمر عبر حب العائلة. ومن جانب آخر لا يمكن بناء وتكامل القوى العقلية والفكرية للطفل إلا في ظل محيط هادئ ومليء بالحب وإلا سيصاب بالكآبة والاضطراب الفكري. ويقول كشفت العديد من الدراسات أن حب الأم وعاطفتها هما من العوامل المهمة التي تعالج الطفل لدى مرضه ويزرع حنان الأم في قلب الطفل الشجاعة والبسالة ويقوي عزمه في مواجهة المشاكل والمصائب المختلفة بما في ذلك المرض ويعتبر هذا بحد ذاته عاملاً مساعداً على استعادة الطفل لسلامته.
لا يشعرون بالحب
وتقول إسراء خلدون كل أمهات وآباء العالم يحبون أبناءهم ،لكن المعضلة بان الأبناء لا يشعرون بهذا الحب لأنهم ببساطة يسعون إلى سماع هذه الكلمات من أبويهم .
وتشير خلدون إلى أن حياتنا اليومية وانشغالاتنا بالعمل والبيت ومتطلبات المعيشة كان لها الآثار السلبية التي راح ضحيتها في كثير من الأحيان الأبناء حيث نجد الأب يقضي معظم ساعات النهار في العمل والأم كذلك، وتضيف أن معظم عائلاتنا اليوم تترك الأبناء بين أيدي الخادمات اللواتي يشرفن على التربية وهذا الأمر خاطئ جدا لأنه لا احد قد يملأ فراغ الأم والأب.
شعور بالأمان
وترى عبير احمد أخصائية تربية أطفال أن عاطفة الحب والحنان من الأهل للأبناء تجعلهم يشعرون بالأمان، فالطفل الذي يفقد الحب والاهتمام ويعاني من الحرمان العاطفي من عائلته سيبحث عن العاطفة والحب خارج البيت عندما يكبر؛ ما يؤدي إلى عواقب عاطفية شديدة، إذ يمكن أن يمنح هذا الطفل أو الطفلة اللذان أصبحا في جيل المراهقة عواطفهم لمن يستغلها أبشع استغلال، وهنا لا بد لنا أن نقف على الحرمان العاطفي الذي تعاني منه الفتيات وخطورته على حياتهن، فإن الفتاة بطبيعتها تتميز بحساسيتها هذه القاعدة لها استثناءات لذلك علينا أن نذكر بأهمية سبغ الحنان والحب على الطفلة الأنثى.
وعلى الآباء، أن يعلموا أنه لا خوف من إظهار العواطف للأطفال لأنه من المهم أن يعلم الطفل أن الأشخاص من حوله يحبونه ويحتاجون لوجوده، وفي حال الاعتراض على سلوك معين اقترفه الطفل فيجب أن يكون هذا الاعتراض منصباً على السلوك وليس على شخصية الطفل؛ الأمر الذي يجعل الطفل مؤمناً بأنه محبوب من الجميع بالرغم من عدم الرضا عن سلوكياته وتصرفاته الخاطئة.
عامل اساسي
ويرى محمد أمين ان الطفل يحتاج كغيره من أفراد الأسرة إلى الحب ويتعطش إليه منذ الأسابيع الأولى لولادته، حيث إنه لا يختلف عن البالغين في بحثهم عن السعادة والكمال عن طريق الحب، ويعد الحب عاملا ضروريا وأساسيا لنمو الطفل جسمانيا وفسيولوجيا فحاجته لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب والنوم والتربية والتعليم.
وبناء على ذلك يترتب على الأهل أو على أي شخص مسؤول عن الاهتمام بالأطفال وتربيتهم وتعليمهم، أن لا يتخذ منهج العقل أسلوباً للتعامل مع الطفل دون تزويده بالمشاعر الرقيقة التي تعبر عن الجانب الإنساني، لأن التربية المبنية على العقل والمنطق فقط ستكون معتمدة على مجموعة من القواعد الجافة الخالية من الحب والود والتعاطف، وسينتج عنها بكل تأكيد أطفال كثيرون يتمتعون بسوء التوافق، ويميلون للسرقة والهروب والمشاكسة والعدوان، ويعود السبب الأساس لهذه التصرفات إلى جفاف وفتور المعاملة مع الطفل وافتقاده إلى عاطفة الحب والحنان.
أكثر انضباطا
وتقول تمارا أكرم خبيرة نفسية: إن الطفل الذي يشبع من الحب والحنان يكون أميل إلى الطاعة والتعاون والانضباط لذا يعتبر توفير العطف والمحبة ركنا أساسيا من أركان تربية الطفل بجانب فهم تصرفاته وكسب ثقته.
وإذا كان مثل هذا الأمر ينطبق على الأشخاص البالغين والمتقدمين بالعمر، فكيف تكون الحال مع الأطفال الصغار الذين يحتاجون لمشاعر الحب والعطف والحنان من قبل من حولهم بنسبة مضاعفة عن غيرهم؛ وذلك ليشعروا بأنهم مازالوا موضع تقبل واهتمام من الآخرين؛ الأمر الذي يساعدهم للوصول إلى الاتزان الانفعالي تجاه مواقف الحياة المختلفة، فيقبل هؤلاء الأطفال على إنشاء علاقات اجتماعية بكل ثقة وقوة، ويكونون أكثر قدرة على جذب انتباه الآخرين والتعامل معهم بيسر وسهولة.
ولكن عندما يفتقد الطفل المشاعر التي تغذي الإشباع العاطفي لديه، سيكون انطوائياً ولا يقوى على مواجهة المجتمع والعالم الخارجي،وذلك يعود لعدم منحه حقه من الحب والعطف والحنان، واستخدام أسلوب العقل والمنطق في تربيته وتعليمه.
حاجة الطفل الى العاطفة .. الحب والحنان لهما الأثر الأكبر في نشأتهم
- التفاصيل