ليلى حلاوة
في بداية زواجي قالت لي رئيستي في العمل نصيحة لوجه الله: حافظي لنفسك على نصف ساعة أو على الأقل خمس دقائق؛ لتجلسي فيها وحدكِ تستمتعي فيها بكوب شاي، أو قراءة قصة، أو لتفكِّري في شيء ما...
نصحتني أنْ أنهض من نومي باكرًا مثلما تفعل لتجهز كوب "شاي بلبن"، وتجلس وحدها خلسة قبل أنْ يصحو الأولاد ومعهم الزوج؛ ليبدأ يوم طويل وشاق من: الطلبات، والعمل، وغيره، وغيره، وغيره!.
تذكرت هذه الكلمات بعدما رزقني الله بطفلين صغيرين؛ فاليوم بطوله لا تستطيع أنْ تجلس فيه أو يهنأ لك بالٌ؛ "أَكْل، وشرب، ولبس، وطبخ، وتنظيف..."، "إلحقي نُور وَقَّع المياه على الأرض"، "مَلَك: ماما عايزة أعمل حمام"، "نور بيعيط... سكِّتيه أرجوك"، "ماما: مش هاتطبخي انهارده، بابا زمانه جَي...".
وفي تمام الخامسة مساءً أكون قد فقدتُ كل الطاقة لدي، ومعها بالتأكيد فقدت أعصابي؛ فعندما يبكي "نُور" أتركه يبكي، وعندما تطلب مني "ملك" شيئًا أغضب في وجهها... تعبت، إنتوا مش بترحموا... أمَّا عندما يأتي زوجي فيجدني جثةً هامدة، لا أستطيع حتى أنْ أقدم له الطعام بشكل مقبول.

هذه الدَّوَّامة لا تدور داخلها أم واحدة بل الأمهات جميعهن؛ مما يجعلنا نتسائل: كيف عاشت أمهاتنا؟! وكيف احتملن كل هذا التعب؟! صحيح أنَّ النتيجة أبناء رائعون يكبرون ويتفتحون كالأزهار، ولكنَّ إدارة الموقف غاية في الصعوبة، وتفاصيل لا تحتمل؛ لابد من إجازة، لابد من يوم بعيد عن كل هذا؛ حتى نستطيع أنْ نواصل بنجاح وحب، لابد من ساعة أو حتى دقيقة من الصمت بعيدًا عن صراخ "نور" وطلبات "ملك" وانتقادات "أبيهما".

تقول "رشا"، أمٌّ لطفلين: أشعر أنَّني "خدَّامة" في بيتي؛ فالطلبات لا تنتهي، والشغل لا ينتهي، وفي آخر اليوم لا أجد حتى كلمة تقدير من زوجي، بل يقول لي كل الأمهات يقومون بما تصنعيه! ما الجديد؟! لماذا تشتكين دائما؟! هذا دورك!.

فترد "رشا" قائلة: يارب الطف بي، حتى كلمة التقدير عن تعبي لا أجدها، "دا الخدَّامة أحسن مني بكتير؛ بتاخد تقدير وبتاخد إجازة".

أمَّا "صافي" فتقول: لم أصل للثلاثين من عمري وشَعْري شَابَ؛ فالشعر الأبيض ملأ رأسي ولم أفعل شيئًا منذ زواجي سوى: الحمل، والولادة، والرضاعة، والجري وراء العيال؛ "نفسي آخد إجازة أخرج فيها مع زوجي وحدي، نفسي ألاقي شوية وقت أهتم فيهم بنفسي؛ ليست أنانية ولكني أريد أنْ أشعر بكوني إنسانة لها أيضًا طلبات، فبالكاد أنظر لنفسي في المرآة، وهذا على الأقل سينفِّر زوجي مني، أريد أنْ أستعيد ولو لحظة من فترة خطوبتي".

"عبير" تقول: عندما ينام الأولاد أتنفس الصعداء، وبالرغم من أنَّني أكون في غاية التعب وأتمنى أنْ أضع جسدي على السرير إلَّا أنَّني أُصر على "الصحيان"؛ لأجلس مع نفسي نصف ساعة أفكر فيها فيما حدث خلال اليوم، والغريب أنَّني أفكر في أولادي بشكل مختلف؛ فأندم على صراخي في وجه "مريم"، وأذهب لأحتضنها وهي نائمة، وأتمنى لو تكون "صاحية" لأعتذر لها عمَّا حدث مني، ولهذا أرى أنَّني لابد أنْ آخذ "بريك" حتى أتأمل ما حدث خلال اليوم، وأفكر فيما سيحدث بعد ذلك".

كما كتبت "رغداء بندق"، وهي زوجةٌ وأمٌّ لطفلين، على صفحتها على "الفيس بوك" تعليقًا تقول فيه:

"نفسي في إجازة لي لوحدي فقط"، في حين ردت عليها "مانيفال أحمد" بتجربة عملية قائلة: "مرة قلت لزوجي عاوزة أخرج من غيرك ومن غير العيال "إنْ شالله" ساعة، قال لي طيب "حرجعلك بكرة" بعد صلاة الجمعة، طبعًا ولا صدقت، وياللعجب وَفَّى "عبد الرحمن" بوعده! طبعًا "خدت ديلي في سناني وجريت، بس بما إني ماكنتش عاملة حسابي على الخروج ماعرفتش أروح فين، لكنْ لقيت معرض دخلت اتفرجت وعزمت نفسي على عصير ورَوَّحت بعد ساعة بالضبط، بعدها حَسّيت براحة نفسية إني قعدت مع نفسي شوية ولوحدي وسط كل الزحمة! ده شيء عظيم".

أمَّا خبراء علم الاجتماع فيقولون: إنَّ الأم لابد أنْ تحصل- بالفعل- على قسط من الراحة، ولابد أنْ يحترم فيه الأولاد هذه البرهة من الوقت، ويتركوا أمهاتهم دون أنْ يزعجوهم بأي طلبات، ولكنْ كيف تدرِّب كل أم أطفالها على هذا النوع من الالتزام؟ وفي أي سِنٍّ تستطيع أنْ تفعل ذلك مع أولادها؟ وهل هذا واقعي؟.

تجيب على ذلك د. نعمت عوض الله، المستشارة الاجتماعية، فتقول:

·        الأطفال في سن الرضاعة، أي حتى تمام السنتين، لا يمكن أنْ يفهموا أو يحترموا، إنَّما على الأم أنْ تتعرف على نظامهم اليومي؛ لتحصل على وقتها الخاص، فالأطفال في هذه السِّن ينامون فترات طويلة أثناء النهار.

والإنسان يكون في كامل نشاطه نهارًا، فيكون الأفضل أنْ نستغل الوقت باكرًا في إنهاء الأعمال المنزلية، وبعد الظهر نستغل نوم الأطفال الرُّضَّع في الاسترخاء، والاسترخاء يبدأ ببعض الرياضة من أجل فك عضلات الجسم المشدودة، بعد ذلك كل أمٍّ حرة تختار تسمع "قرآن.. حديث.. تقرأ كتاب.. وهي ممددة، تنام شوية جنبهم؛ لأنَّها بتضطر تصحى معاهم إنْ شاء الله حتى في نص الليل".

·        عندما يكون الأطفال في سن ثلاث سنوات فأكثر يقل نوم الأطفال، وعادة فإنَّهم ينامون أثناء العودة من الحضانة أو بعدها، وهذا يكون وقتًا جوهريًّا في البيت؛ حيث تحضير الطعام وضبط المسائل؛ لأنَّ الأم هي أيضًا تكون عائدة من عملها- إن كانت تعمل.

وهنا نستطيع أنْ نقول للطفل ونفهِّمه مثلًا: "دلوقتي ماما عاوزة ترتاح شوية علشان هي تَعْبانة يا حبيبي، تحب أنت تعمل إيه؟ وعادة الأطفال ليس لديهم أفكار أو ابتكارات؛ فتقترح عليهم أنْ يشاهدوا الكارتون لمدة نصف ساعة، ليس أكثر، وهذا هو وقت استرخائها؛ ممكن تمارس شوية رياضة، ثم تاخد دش، وتشرب مشروبًا من مضادات الأكسده، أو مشروبًا منعشًا: شاي أخضر, جنزبيل, كركديه، شعير، نعناع بالليمون...

·        مع تقدم سن الأبناء يكونون قد اعتادوا بالفعل على أنَّ ماما أحيانًا تحتاج للراحة، وأنَّهم لابد أنْ يتركوها وحدها قليلًا.

وكل ما تقدم يلزمه بعض التعليمات كما يلي:

- وقت الاسترخاء لا يمكن أنْ يكون للتليفزيون أو التليفون.

- "الاثنين بيسببوا شد عصبي وتوتر بسرعة الصورة وكثرة الموضوعات".

- "نوم لأ... وألف لأ..." إلا إذا كان الوالد في البيت، أو أي مراقب كأخ أكبر، لا يجوز ترك طفل تحت سن الثامنة بدون رقابة، وحتى بعد الثامنة أفضل عدم النوم، مجرد أنَّ الواحد يغمض عينيه ويمدد جسمه يكفي.

- أؤكد في النهاية على أنَّ التربية عمل متعب ومضنٍ، ويجب تغيير نمط الحياة معها.

من ناحيتها، تنصح "مديحة حسين"، الخبيرة في الشأن التربوي، كل أم قائلة:

- بدلًا من "اللهس" طوال الوقت وراء تحمل مسئولية الأبناء خصصي وقتًا لتدريبهم على تحمل مسئوليتهم الشخصية: (ترتيب الغرفة، طي الملابس، اكتشاف مواهب وتخصيص الإمكانات لتنميتها، تدريبهم على تحضير وجبات خفيفة، الشراء من السوق...الخ)؛ فهذا سيمنحك فرصًا عظيمة للتواصل، وإكسابهم القيم والمهارات بطريقة سلسلة، والأهم سيفتح لك رصيدًا استثماريًّا في بنك أوقات الفراغ.

- استثمري شبكة العلاقات الاجتماعية المحيطة (الجيران، الأهل، الأصدقاء...)، ونظمي معهم فاعليات للأطفال مثل: (الذهاب للنادي، المكتبة، السوق،...) بحيث يمكن تقسيم أبنائكم حسب أعمارهم أو اهتمامتهم...إلخ، وقوموا بعمل جدول للفاعليات، وتقسيم حضور الأطفال فيها، ومن سيرعاهم؟. المفروض أنْ يوفر هذا الاقتراح بعض الساعات الحرة ولو شهريًّا لكل واحد منكم.

- وجود نظام أو روتين يومي لأنشطة الأبناء (النوم، الاستيقاظ، الطعام، اللعب، الهوايات...الخ) يفيدهم على المستوى التربوي، ويتيح لك الهدوء والمرونة في تحقيق باقي أهدافك خلال اليوم، ومنها إيجاد أوقات خاصة مستقطعة؛ فاحرصي على وجود هذا النظام والأهم تطبيقه.

- اقترحي يوم (الملك / الملكة) على أسرتك، وفكرته ببساطة (تبادل الأدوار) مثلًا يتحمل زوجك يومًا مسئولياتك كاملة تجاه البيت والأولاد- طبعًا في حدود إمكاناته- وخططي لقضاء هذا اليوم في نشاط مميز، ثم يأتي الدور على زوجك يومًا، وإذا كان الأبناء كبارًا يمكنك تنفيذ نفس الفكرة معهم وجعله يوم (الأمير والأميرة)، وتفننوا في وضع قواعد وامتيازات هذا اليوم.

- استثمري بعض الفرص لينفرد الزوج بوجود الأبناء معه: (وقت الصلوات في المسجد، حضور مسابقات، زيارات عائلية، أنشطة خاصة...) طبعًا حسبما تسمح به أعمارهم وظروف كل منهم.

- توفير الأوقات مهارة يمكن اكتسابها بتعلم فنون تنظيم الوقت، ومهارات الإدارة، وتفويض السلطات، وكيفية استغلال الإمكانات المتاحة؛ لكنَّ التحدي الأكبر في: كيفية الاستمتاع بها واستثمارها لشحن الطاقات وتنشيط الهمم

JoomShaper