مالك فيصل الدندشي
السعادة مطلب عظيم يسعى إليه الزوجان، ولا تنال هذه إلا بالسكن والطمأنينة، والمودة والرحمة التي تنشأ بين الزوجين بعد معاشرة المرأة زوجها بالحسنى، وبعد أن يمنح الرجل أهله عطفه وحنانه، ورعايته لها بأدب واحترام، وأن يقوم كل منهما بواجبات الآخر بما يرضي الله ورسوله؛ وأخيرا يأتي الأولاد، فيملؤون البيت بهجة وسرورا، وإذا وسع الله عليهما ببيت واسع ومال حلال طيب، فقد اكتملت سعادة الزوجين، فكيف إذا كان أبواهما راضيين عنهما بعد رضا الله؛ فهذا – والله - غاية السعادة في الدنيا.
إن والدة الزوج لمن أحرص الناس على تزويج ولدها لتسعده في حياته، فتراها – بعد أن يكبر ولدها، ويبلغ مبلغ الرجال – جادة في البحث عن شريكة حياته، وتختار له زوجه، وتزوجه لتسعد برؤية ذريته، وكذلك زوجها يشاركها هذا الشعور؛ وإن أخواته وإخوانه ليفرحون كثيرا بهذا؛ فكيف يكون الحال مع أشقاء وشقيقات العروسين، وبقية الأرحام والجيران والأصدقاء؛ إنه الشعور نفسه شعور الغبطة والسرور.
ولكن جو السعادة قد يغبر في بيت الزوجية أو يهتز أو يتزلزل؛ وقد يشتعل وربما يحترق، وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وهنا لابد من اتخاذ أساليب للوقاية قبل وقوع الكارثة، ولقد ذكرت في مقال سابق (كيف تسعد الأم ابنها بعد زواجه؟) كيف تعمل الأم لتحقيق الراحة لابنها؛ فليراجع؛ إذ إن الأم هي أول من يكون سببا في حصول ما حصل، سواء كانت مصيبة أم مخطئة؛ أو كانت تحرص على هذا بحسن نية أم بدافع الغيرة؛ ومن هنا يأتي دور الأخت الشقيقة في إصلاح ذات البين بين أمها وشقيقها؛ أو بين الأم وزوج شقيقها، عليها ألا تنحاز إلا للحق، وألا تصب الوقود على النار فتزيدها اشتعالا، تصب الماء لتطفئ اللهب، وتمنع الهواء لتخنق الحياة في النار؛ تبتغي بذلك وجه الله تعالى.
لقد ذكرت في المقال السابق العوامل التي تنشأ، وتكون سبباً في إحلال الشقاء في بيت الزوجية؛ ولا سيما ما يتعلق بالأم التي تشعر بأن ابنها قد سُرِقَ منها، ولم يعد يهتم بها وانصرف عنها إلى غيرها، وهي التي ربت وتعبت و و و و و و و لا شك أن بعض الأزواج من الطرفين لا يقدرون هذا الشعور لدى الأم، سواء عن جهل أو غفلة أو عن قصد؛ فيزيدون المشكلة تعقيدا إلى أن ينتهي الأمر بالأم بطلب تتقدم به إلى ولدها أن: طلق زوجتك أو عاقبها أو احرمها من كذا وكذا و و و و و هنا يحتار المسكين ماذا يفعل ولا سيما إذا هناك أولاد!.
إن الشقيقة تستطيع أن تلعب دورا بارزا في حل المشكلة؛ وذلك بأن تخاف الله تعالى في أثناء حلها، وتطلب من الله عز وجل أن يوفقها في مسعاها، وأن تخوف جميع الأطراف من غضب الحق تبارك وتعالى، وتبين لهم جميعا أن هناك حسابا في الآخرة لمن كان ظالما، ثم توضح مسألة الحقوق ومراعاتها؛ فلا يطغى حق على آخر؛ ويستطيع كل عاقل أن يمارس حقه دون أن يؤثر على غيره؛ وإن هذا يعتمد على حسن التصرف والحكمة، وصفاء النية، وأن يكون مبدأ التناصح هو المهيمن في الحياة ثم إحسان كل إنسان الظن بالآخر؛ وألا يرتاب من تصرفات غيره، ولا بد من تذكير الشقيقة بشيء مهم ألا وهو: أن تضع نفسها في مكان أخيها وزوجه؛ وأنها ربما تبتلى بذات المشكلة، فماذا تريد من الآخرين أن يفعلوا؟ أتريد أن يطفئوا النار أم يشعلوها؟.
من الأعمال التي إن قامت بها الأخت الشقيقة والتي تسهم في وأد الفتنة في بيت أخيها؛ وذلك في حال إن جاءت أمها تشكو إليها ما يريبها من ابنها أو زوجه؛ فلا ينبغي أن تقول لها: صدقت يا أماه إنك على الحق، وإن شقيقي غارق في حب زوجته، ولم يعد يهتم بك ولا بنا، انظري ماذا يفعل كذا وكذا وكذا وربما تنبه أمها إلى أشياء هي غافلة عنها!!!! وما أكثرها وهي غالبا ما تتعلق في طريقة تعامله مع أقارب زوجته وخاصة أبواها؛ وفي سوء توزيعه لما يترتب عليه من حقوق وواجبات، ويمكن حل الكثير منها بهدوء ودون إثارة؛ ولكن الشيطان من مصلحته إحداث الفتنة، وزرع الشقاق، أرجوك أيتها الشقيقة، ألا تنفخي في الجمر الراكد، بل اعملي على إطفائه، وتصوري (مرة أخرى) أنك أنت محل أخيك وزوجه فماذا ترغبين؟.
إن أول عمل تقومين به إن جاءتك والدتك شاكية باكية أن تبذلي ما بوسعك لإقناعها أن أخاك وزوجه أخطآ من غفلة وجهل، وهذا أمر طبيعي يا أمي من رجل بدأ حياة جديدة تتطلب وضعا جديدا ينبغي أن نتأقلم معه جميعنا، ولن يستمر، وليس هو أول من تزوج وحصل منه ما حصل نتيجة هذا التحول في حياته؛ فقد أصبح رب منزل، ترتبت عليه حقوق يجب أن يؤديها، وهذا يتكرر عند كل الناس؛ ثم إنه ذكر لي أنك عنده أغلى من كل الدنيا، وهو خائف أن تشعري أنه مقصر معك، وطلب مني أن أبلغك هذه الرسالة، وأن زوجته يا أمي طيبة القلب تعدك مثل أمها، وتتمنى أن تبلغيها عن أي تصرف لا يليق بك تفعله من غير ما قصد، وإنني أحس عند زيارة أخي كأني مع أختي الثانية (الأم ترغب أن يكرم بناتها في بيت أخيهم).
لم ينته دورك عند إقناع أمك بما يجب أن تكون عليه مع أخيك؛ بل عليك أن تزوري أخاك زيارة حب ومودة؛ ثم تنبهيه على أخطائه إن وجدت بأسلوب المحب المتمني له كل خير مذكرة إياه بفضل الأم وحساسيتها تجاه ولدها إذا تزوج، وماذا ينبغي عليه أن يتصرف في هذا الشأن، ولا بأس باصطحاب هدية متواضعة لزوجه وله؛ واحرصي أن تجمعي الأسرة كلها على طعام أو غيره لتمتين العلاقات وزيادة في التآلفات سواء كنت متزوجة أم بكرا؛ ولا مانع أن تنقلي إلى أخيك وزوجه بعض مشاعر أمك (بلباقة وأدب) كي لا يقع منهما خطأ غير مقصود لا يريدانه.
ما أجمل أن يكون كل واحد منا داعية وئام، وما أحلى أن يكون كل منا مطفأة للشر، وما أبهى أن يتحلى المسلم بحسن الخلق وحب الخير للآخرين كما في الحديث الشريف المتفق على صحته: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الأسرة الواحدة تشبه الشجرة؛ فالجذر هو الأب، والساق هي الأم، والأغصان هم الأولاد، والبراعم هي ذرية الأبناء؛ فإذا سقيت هذه الشجرة بماء المكرمات طابت ونمت، وإن سقيت بماء آسن خبثت ويبست؛ فذلكم حال من يربي أسرته على تقوى الله تعالى، ومن ينشئها على معصية الحق تبارك وتعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ). الأعراف الآية 96.
وفي خضم هذا المقال لا أريد من أحد أن يفهم عني خطأ لم أقصده وهو: أنني أحمل الأمهات مسؤولية إحداث الشقاء في المنازل، وأعفي الأبناء والزوجات من ذلك كلا والله، ولكني أردت أضع المشكلات في حجمها الطبيعي، وأعطي كل فرد في الأسرة مهمة غرس السعادة؛ وأن يبذل الجميع جهدهم من أجل بعث حياة الحب، وحسن الظن، والتعاون على البر والتقوى، وهذه مطالب شرعية، ولا أحد معصوم عن الخطأ إلا الرسل؛ وإلا فالأم مقامها كبير وفضلها جليل، ومهما قدمنا للأبوين، فلن نصل إلا إلى جزء يسير من رد الفضل إلى أهله؛ إلا أن كل ذلك مرهون بقواعد أساسية تقول: إن الله حرم الظلم على نفسه، وجعله بين الناس محرما؛ فلا نتظالم؛ ثم إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والمصاحبة بالمعروف من مقاصد شريعتنا الغراء؛ لذلك فالواجب على الكافة التعاون على البر والتقوى.
كيف تسعد الأخت أخاها بعد زواجه؟
- التفاصيل