يقول الماهاتما غاندي انّه حتى بداية العشرينات من عمره كان يحمل الكثير من الغضب والضغينة في قلبه تجاه شخص آلمه كثيراً وتسبب له في جرح غائر في نفسه، رغم أنّه كان من المقربين إليه، وأنّه لمدة طويلة من حياته أراد أن يرد لذلك الشخص الذي كان يثق به كثيراً الصاع صاعين وينتقم لنفسه.
عشت – والكلام لغاندي – حياة مليئة بالقصص المؤلمة التي عرقلت مسيرتي وأثقلت نفسي وروحي حتى أنني حملتُ الآخرين مسؤولية الحياة التي كنت أرغب في أن أعيشها ولم أستطع، لذا أدركت أن شعوري بالغضب والألم والرغبة والانتقام هو الذي نغص علي حياتي وامتص كل طاقاتي الإيجابية وصفاء ذهني وروحي، خصوصاً أن تلك المشاعر تزداد يوماً بعد يوم لتحرق صاحبها وتتحول إلى هاجس مزعج، ويضيف أنّه كان من الممكن أن يحكي تلك القصص التي يمكن أن يمر بها ولكنه آثر ألا يفعل حتى لا يضطر إلى أن يذكر أسماء من كانوا جزءاً من تلك القصص. لقد تعلمت لاحقاً ألا أعيد سرد تلك الحكايات المؤلمة، وأن أستبدلها بأخرى تشرح كيف تعلمت بصعوبة أن أسامح الآخرين وأسامح نفسي كي أحررها وأحرر روحي من كل المشاعر السلبية البغيضة التي تعرقل حياتنا وتمنعنا من التقدم.
من الصعب جدّاً أن نسامح من تسببوا لنا في الألم سواء كان ذلك بإرادتهم وإدراكهم لما يفعلونه أو لمن لم يقصدوا ذلك، ففي لحظات الشعور بالجرح والألم – سواء بسبب نقد عنيف أو موقف غير متوقع – لا يمكننا إلا أن نفكر في أن ما حدث كان متعمداً ومقصوداً سبق الإصرار، ومن هنا تأتي فكرة ضرورة رد الصاع صاعين.
وتؤكد الكثير من الكتب الخاصة بالتصالح مع الذات وتحرير النفس من المشاعر السلبية التي تكبلنا وتجعلنا أسرى لها على ضرورة التحرر من تلك المشاعر والانطلاق نحو حياة أفضل، ولا يأتي ذلك إلا ببعض التفهم لأنفسنا أوّلاً وللآخرين ثانياً، وأفضل ما يمكن عمله هو التأكيد على أنّه لا يوجد شخص سيئ مطلقاً أو جيِّد مطلقاً، ولكننا جميعاً مزيج بين هذا وذاك، وان كلا منا يحمل بداخله مخزوناً ضخماً من التجارب والمشاعر الإيجابية والسلبية التي تؤثر على ردود أفعاله في لحظة ما قد تكون مختلفة تماماً عن ظروف أو أوقات أخرى. وهذا لا يعني بالضرورة ألا نشعر بالضيق حيال تلك التصرفات الجارحة، ولكن على الأقل قد تساعدنا على تفهم الآخرين.
وفي كتابها الأكثر مبيعاً في العالم You can heal your life تؤكّد Louise l.Hay على أنّ التسامح هو الحل الأمثل لكل المشاكل التي تواجهنا سواء كان ذلك مع أنفسنا أو مع الآخرين، وذلك لأننا تحررنا من الماضي وأطلقنا سراحنا نحو الحاضر والمستقبل. وتضيف Hay:
انّنا إذا شعرنا بأننا مكبلون وغير قادرين على التقدم للأمام، فهذا يعني أننا نحتاج المزيد من التسامح حتى نقطع جميع الخيوط السلبية مع الماضي.
وتلخص الكاتبة بعض المشاعر كالندم والحزن والألم والخوف أو الشعور بالذنب ولوم الآخرين وصولاً إلى الانتقام بأنّها جميعاً انعكاس لعدم مسامحة الآخرين أو النفس على أخطاء ارتكبت في الماضي وجعلتنا أسرى لها.
ولكي نصل إلى حد التسامح، علينا أوّلاً أن نعلم أنّ الحب هو الوسيلة الوحيدة لمداواة أنفسنا، وهو الشعور الوحيد القادر على دفعنا إلى الغفران للآخرين.

- تدريبات عملية للتسامح مع الآخرين:
وتقدم Hay أربعة تدريبات عملية تم تطبيقها على آلاف الأشخاص، ولاقت نجاحاً كبيراً من شأنها رفع الشعور بالغضب من النفس ومن الآخرين، وبالتالي التسامح مع الجميع من خلال خطوات بسيطة يمكننا تطبيقها بجدية في المنزل.

1- التخلص من الغيظ والامتعاض:
تمرين سهل، قد يبدو مضحكاً ولكنه فعال في تفريغ شحنة الغضب التي تخيم على مشاعرنا كالغيمة السوداء التي تعكر صفو حياتنا.
·       اجلس بهدوء شديد في مكان هادئ.
·       ارح جسمك قدر الإمكان وكذلك عقلك.
·       اغمض عينيك تماماً.
·       تخيل أنك تجلس في مسرح وعلى منصة المسرح تخيل الشخص الذي تحمل له مشاعر شديدة من الغضب والغيظ وترغب في الانتقام منه، قد يكون هذا الشخص ميتاً أو حيّاً، بعيداً أو قريباً، المهم أنّه آذاك بشكل كبير.
·       عندما تتخيل ذلك الشخص بوضوح وكأنك تراه فعلاً.. حاول التركيز على الأشياء الجميلة والسعيدة التي قد ترسم البسمة والسعادة على وجهه أو وجهها، تذكر جميع الأشياء التي تعني لذلك الشخص الكثير وتزيد من سعادته.
·       قبل أن تخرج تماماً من على المنصة، حاول أن تتخيل نفسك واقفاً معها على نفس المنصة، وتستمتع بكل الأشياء التي تسعدك وتضع البسمة على وجهك.
·       عليك أن تدرك أنّ الحياة مليئة بالأشياء الجميلة السعيدة التي تكفينا جميعاً.
الآن افتح عينيك لتعود إلى عالمك من جديد، ولكن بمشاعر أخرى.
هذا التمرين ليس بالسهل كما تعتقد، ولكنه مفيد جدّاً في إزالة الغمامة السوداء المليئة بالحزن والغضب التي نحملها فوق رؤوسنا تجاه من نشعر تجاههم بتلك المشاعر.
كرر هذا التدريب يومياً ولمدة شهر مع تغيير الأشخاص الذين تشعر تجاههم بمشاعر سلبية.

2- التخلص من الشعور بالانتقام:
هناك طفل صغير مشاغب في داخل كل شخص فينا، هذا الطفل لا يأبه كثير الفكرة التسامح لأنّه أصغر من أن يفهمها ويحاول جاهداً أخذ حقه باليد ممن آذاه.
في حالة كهذه لن يفلح التمرين الأوّل في مساعدة الضحية ومن هنا فقد تغيرت تقنية التعامل مع الحالة.
·       اجلس في مكان هادئ.
·       أغمض عينيك تماماً.
·       استدع بخيالك الشخص الذي آذاك كثيراً وتشعر بالكثير من الغضب تجاهه.
·       تخيل أنك تنتقم من هذا الشخص بالشكل الذي يرضيك، سواء بالصراخ أو الضرب أو على وسيلة أخرى قد تفكر بها.
·       خذ وقتك في وسيلة الانتقام التي اخترتها واستمر في ذلك حتى تشعر بالتخلص من كل المشاعر السلبية التي تحملها لهذا الشخص.
·       افتح عينيك بعد ذلك بهدوء شديد، اترك المكان وسوف تشعر بأنّ خطواتك أخف وأسرع. وبالتالي سيكون تمرين التسامح هو خطوتك التالية، ولكن ليس في نفس اليوم. هذا التمرين لا يصلح للتدريب عليه يومياً، ويكفي أن تقوم به كلما شعرت برغبة شديدة في الانتقام من شخص ما.

3- تمرين التسامح:
الآن وبعد إزالة الشعور بالغضب، يمكننا إجراء تمرين التسامح وتحرير الذات من تلك المشاعر المعطلة.
·       نفس الخطوات السابقة، اجلس بهدوء مع إغماض العينين.
·       قل بصوت مرتفع: الشخص الذي أريد أن أسامحه.. وأنا أسامحه لقيامه بعمل... الذي ضايقني كثيراً.
·       ردد ذلك عدة مرات ولمدة لا تقل عن 5 دقائق، فهذا التمرين يوجه رسائل إيجابية مليئة بالتسامح إلى عقلك اللاواعي الذي يحولها إلى مشاعر واعية فيما بعد.
·       تخيل أنّ الشخص الذي تريد أن تسامحه يشكرك على ذلك، ويقول لك إنّه أطلق سراحك الآن من مشاعرك السلبية تجاهه.
·       عندما تشعر بأنك بالفعل غير حاقد على هذا الشخص، فقل بصوت عالٍ وبنفس الخطوات سالفة الذكر "أنا أسامح نفسي على..."، ولمدة خمس دقائق أخرى، كرّر ذلك مرّة كل أسبوع للتخلص من أي مشاعر غاضبة تجاه نفسك أو الآخرين.

4- تمرين التخيل أنت – أمك – أبوك أطفال من جديد:
هذا التمرين جيِّد جدّاً لإعادة حبك لنفسك ولأمك وأبيك، فكلنا تعرضنا لمواقف قد لا تعجبنا في طفولتنا وتبقى في ذاكرتنا لطالما لم نتخلص منها، قد تكون هذه الذكريات مرتبطة بأخطاء تربوية من أحد الوالدين أو كليهما.
ولكي نطلق هذه الذكريات من عقلنا اللاواعي ومن ذاكرتنا، فعلينا اتباع التمرين التالي كي نعيد مشاعر الحب والدفء والثقة بين أفراد الأسرة الواحدة.
·       اجلس في هدوء شديد وباسترخاء كامل يبدأ من رأسك حتى أخمص قدميك، أغمض عينيك تماماً.
·       تخيل نفسك طفلاً صغيراً لا يتعدى عمره خمس سنوات، انظر مليا في عينيه حتى ترى النظرات المتلهفة لحبك وحنانك، أنظر بعمق ستجد أنّ هذا الطفل يبحث عن حبك ودعمك.
·       ضم ذلك الطفل بذراعيك جيِّداً واغمره بالحب والحنان وقل له كم أنت تحبه وتهتم لأمره، امتدح كل ما يقوم به، وقل له إنك تحبه في كل الأحيان وأياً كانت الأخطاء التي يرتكبها.
·       الآن انظر إليه مرّة أخرى وحاول تخيله وكأن حجمه يقل تدريجياً بحيث يمكن وضعه في قلبك، ضعه هناك بحيث يمكنك رؤيته بنظر إليك كلما نظرت إليه.
·       كرّر نفس التمرين مع والديك وبنفس الكيفية مع الفارق أن والدك ستتخيله طفلاً صغيراً.
·       في النهاية وبعد أن أصبح الجميل (البنت – الأُم – الأب) في قلبك الصغير، ليعطي كل منكم الآخر الحب الذي يحتاجه ويمنحه الأمان واالسعادة.
·       اعلم في النهاية أن قلبك الصغير يحمل حباً كبيراً يمكن أن يملأ الكون بأسره، ولكن ابدأ أوّلاً بحب نفسك وأسرتك، ووسع الدائرة كلما أمكنك ذلك.

JoomShaper