محمود القلعاوي
كثير من مشاكل بيوتنا بسبب توافه الأمور وصغار المسائل.. وحياتنا تشهد على ذلك بعشرات بل بمئات القضايا التي تنتهي بالفراق؛ فهذا ثائر لأنَّ الطعام لم يُعد في وقته، وذلك غاضب لأنَّ مِلْح الطعام قليل عن مطلبه، وتلك أوقدت نارًا في بيتها لأنَّ زوجها لم يشترِ لها ما طلبته على الرغم من أنَّ الدنيا تسير شهورًا من غير مجاب طلبها أو طلبه.. أمور هينة سهلة تافهة لا تحتاج إلَّا إلى ردود على قدرها وفقط.
البَسَّام الأعظم
ولقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- مشرقَ الوجه، تزيِّنه الابتسامة الصافية التي تبعث الراحة في نفوس من حوله، والتي يحل بها الكثير من المشاكل.
- فعن جرير بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه- يقول: "ما رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت إلَّا تَبَسَّم في وجهي". رواه البخاري.
- وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّكم لن تسعوا الناس بأموالكم؛ فليسعهم منكم بسطُ الوجه وحسنُ الخُلُق". رواه مسلم.
- قال عبد الله بن الحارث- رضي الله عنه: "ما رأيتُ أحدًا أكثر تبسُّما من رسول الله- صلى الله عليه وسلم". رواه الترمذي.
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة". رواه الترمذي.
- وعن عمرة قالت: "سألتُ عائشة- رضي الله عنها- كيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خلا مع نسائه؟ قالت: كالرجل من رجالكم إلَّا أنَّه كان أكرمَ الناس، وألْينَ الناس، ضحَّاكًا بسَّاما". كتاب مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا.
لا للعبوس
فالعبوس في وجه الناس خُلقٌ لا يرتضيه الإسلام مطلقا، وذلك واضح من خلال عتاب الله، عز وجل، لنبيه- صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى". سورة عبس (4:1).
فالعبوس مرفوض حتى مع الأعمى الذي لا يلحظ ذلك بسبب ابتلائه بحبيبتيه، وإنْ كانت مشاعر العابس لعبوسه قد تُثير أحاسيسه.
يقول الأستاذ "دايل كارنيجي" في كتابه: "كيف تكسب الأصدقاء"؟:
"إنَّ قسمات الوجه خير مُعبِّر عن مشاعر صاحبها؛ فالوجه الصبوح ذو الابتسامة الطبيعية خير وسيلة لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، إنَّني أعرف الكثير ممن سبقوني إلى الحياة الأبدية، وأَرْسخهم في ذاكرتي هم الذين كانوا خير مؤازرٍ لي في أحلك الظروف؛ فابتسامتهم الصافية المشرقة ماتزال مرتسمة في حافظة الذكريات التي أحملها، إنَّها طبيعة مؤثرة في عواطفي، وأعتقد أنَّها حالة مشتركة بين القلوب المملوءة بمشاعر الحب والوفاء.
إنَّ الابتسامة الصافية من ألوان التصنع خير رسول نوجهه إلى من نتعامل معه، أو نخالطه في أماكن عديدة".
فما رأيكِ؟: عندما يعود زوجكِ منهكًا متعبًا قد أعيته متاعب الحياة ومتطلباتها فتقابليه بوجهٍ شاحب عابس يشكو هموم الأولاد ومسئوليات المنزل، متذمرة من غيبته الطويلة عنك؛ فلا يجد عندئذ بُدًّا من أمرين:
إمَّا أنْ يصُبَّ عليك وابل همومه ومتاعبه في صورة غضب يهز كيان جنتكما، ويقضي على أنسكما فيها لتنقلب صحراء جرداء لا أنيس فيها ولا جليس، وإمَّا أنْ يتمالك نفسه، ويلتمس لك العذر، وينسحب بكل هدوء إلى مخدعه مستسلمًا لنوم عميق.. وتبقين تعانين الحسرة والهم والشعور بالتعاسة.
سيدتي ما رأيكِ ببسمة اللقاء بدلًا من عَبَسِهِ؛ لتنقلب الصحراء إلى جنة.
عُدَّ المحاسن ودع غيرها..
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إنْ كَرِه منها خُلقًا رضي منها آخر". رواه مسلم.
هل قرأته بقلبك وعقلك معًا؟ "لا يفرك": لا يبغض ولا يكره، انظر إلى حَسَنَتِها واترك سيئتها، انظري إلى إيجابياته لا سلبياته؛ فيا ليت الزوج ويا ليت الزوجة كلٌّ منهما يسحب كلام الإساءة وجرح المشاعر والاستقرار!. يا ليت كلًّا منهما يذكُر الجانب الجميل المشرق في شريك حياته، ويغض الطرف عن جانب الضعف البشرى في قرينه.
إنَّ الرجل إذا عدَّد محاسن زوجته وتجافى عن النقص سَعِدَ وارتاح، وكذلك المرأة إذا عدَّدت محاسن زوجها وتجافت عن النقص سَعِدَتْ وارتاحت؛ فماذا يخسر الرجل إنْ سكت إذا غضبت زوجته؟!، وكذلك ماذا تخسر المرأة إذا سكتت إذا غضب زوجها؟!؛ حتى تهدأ الثائرة، وتبرد المشاعر، ويسكن الاضطراب.
الحياة فن..
يقول أحمد أمين:
"ليس المبتسمون للحياة أسعد حالًا لأنفسهم فقط بل هم كذلك أقدر على العمل، وأكثر احتمالًا للمسئولية، وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب، والإتيان بعظائم الأمور..
وهناك نفوس تستطيع أنْ تصنع من كل شيء شقاءً، ونفوس تستطيع أنْ تصنع من كل شيء سعادة؛ فهناك المرأة في بيتها كل شىء أسود في يومها لأنَّ طبقا كُسر، ولأنَّ نوعًا من الطعام زاد الملح فيه ولأن...
وهناك رجل ينغص على نفسِه حياتَه، وكذلك على كل من حوله من كلمةٍ يسمعها، أو يؤولها تأويلًا سيئًا، أو من عمل تافه حدث له..
الحياة فنٌّ، وفنٌّ يُتَعلَّم فاجتهد أنْ تتعلم هذا الفن، والنفس الباسمة هي التي تجيد أنْ تقوم بهذا الفن فترى الصعاب مذللة يمكن التغلب عليها، ترى الجبال الشاهقة وديانا سهلة يمكنها المشي عليها.. أمَّا هذه النفس العابسة فترى الصغائر عظائم يصعب تجاوزها، ودائما تتعلل بـ"لَوْ" و"إذا" و"إنْ".. إن صاحب هذه النفس يود أنْ ينجح في حياته، أنْ يحقق أحلامه وطموحه، ولا يريد أنْ يدفع الثمن؛ إنَّه ينتظر السماء حتى تمطر ذهبًا وفضة، أو تنشق الأرض فتخرج له كنزًا". من كتاب "فيض الخاطر".
فلتكن بدايتنا
البسمة.. بداية اليوم.. بداية اللقاء.. بداية دخول البيت .. بداية النقاش.. فالبسمة إعلان مبدئي للوفاق والمصالحة والحب.. بسمة نرسمها على وجوهنا في بيوتنا نحل بها كثيرًا من مشاكلنا.. ونمتص بها غضب الغاضب منا.
وللقاء بسمته..
- التفاصيل