د. علي الحمادي
في الثلاثينيات من القرن الماضي كان هناك طالب جديد التحق بكلية الزراعة في إحدى جامعات مصر، وعندما حان وقت الصلاة بحث عن مكان ليصلي فيه، فأخبروه أنّه لا يوجد مكان للصلاة في الكلية، ولكن هناك غرفة صغيرة (قبو) تحت الأرض يمكن أن يصلي فيه.
ذهب الطالب إلى الغرفة تحت الأرض وهو مستغرب من الطلاب في الكلية لعدم اهتمامهم بموضوع الصلاة، هل يصلون أم لا؟! المهم، دخل الغرفة فوجد فيها حصيراً قديمة، وكانت غرفة غير مرتبة ولا نظيفة، ووجد عاملاً يصلي، فسأله الطالب: هل تصلي هنا؟ فأجاب العامل: نعم، لأنّه لا يوجد أحد آخر يصلي معي، ولا توجد غير هذه الغرفة.
فقال الطالب بكل اعتراض: أما أنا فلا أصلي تحت الأرض، وخرج من القبو إلى الأعلى، وبحث عن أكثر مكان معروف وواضح في الكلية وعمل شيئاً غريباً جدّاً! وقف وأذن للصلاة بأعلى صوته!!
تفاجأ الجميع وأخذ الطلاب يضحكون عليه ويشيرون إليه بأيديهم ويتهمونه بالجنون.. لم يبال بهم، جلس قليلاً ثمّ نهض وأقام الصلاة وبدأ يصلي وكأنّه لا يوجد أحد حوله، ومرت الأيام.. يوم.. يومين.. لم تتغير الحال... الناس كانت تضحك ثمّ اعتادت على الموضوع كل يوم فلم يعودوا يضحكون.. ثمّ حصل تغيير.. صعد العامل الذي كان يصلي في القبو وصلى معه.. ثمّ أصبحوا أربعة وبعد أسبوع صلى معهم أستاذ!
وانتشر الموضوع وكثر الكلام عنه في كل أرجاء الكلية، فاستدعى العميد هذا الطالب وقال له: لا يجوز هذا الذي يحصل، أنتم تصلون في وسط الكلية!! نحن سنبني لكم مسجداً عبارة عن غرفة نظيفة مرتبة يصلي فيها من يشاء وقت الصلاة. وهكذا بني أول مسجد في كلية جامعية، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ إن طلاب باقي الكليات أحسوا بالغيرة فبنوا مسجداً في كل كلية في الجامعة.
هذا الطالب تصرف بإيجابية في موقف واحد في حياته؛ فكانت النتيجة أعظم من المتوقع.. ولا يزال هذا الشخص – سواء كان حياً أو ميتاً – يأخذ حسنات وثواب عن كل مسجد يبنى في الجامعات ويذكر فيه اسم الله.
أما أصحاب النفسيات المريضة، الذين يقولون: "مش أنا اللي هيغير الكون"، "خلِّيك في حالك"، "ويا عم أنت مالك، أنا في حالي وأنت في حالك"، فهؤلاء لا يصلحون للعيش في الحياة؛ لأنّ الحياة تحتاج إلى الإقدام والمبادأة والمبادرة، وأن يكون هناك سبق التقدم.
يقول الشاعر:
إذا القومُ قالوا مَن فتىً خِلتُ **** أنني عُنيْتُ فلم أكسلْ ولم أتبلَّدِ
ويروي صاحب كتاب "كيف تكسب المال" أنّ امرأة في ولاية نيوجيرسي كانت تبيع الفاكهة في كشك صغير تزاحمه عشرات من الأكشاك الكبرى، ولكنّه يفوقها جميعاً في تصريف الأصناف وإرضاء الزبائن، ذلك أنّ المرأة عندما تزن الفاكهة وتضيف إلى كل وزن تفاحة أو خوخة، ثمّ تضحك وتقول: هذه إكرامٌ لكِ أو للصغير!! وقد كان لهذه البادرة تأثيرها في نفوس المشترين.
فيا أيها الإنسان بادر إلى التقى **** وسارع إلى الخير ما دمت مُمهَلُ
وأكثر من التقوى لتحمدَ غبَّها **** بدار الجزا دارٌ بها سوف تنزل
وقدِّم لما تُقدم عليه فإنما **** غداً سوف تُجزى بالذي أنت تفعل
وسارع إلى الخيرات لا تُهملنَّها **** فإنك إن أهملت ما أنت مُهمَلُ
فما أحسن التقوى وأهدى سبيلها **** بها ينفع الإنسان ما كان يعملُ
النفسيات المريضة لا تصنع الحياة
- التفاصيل