حسن آل حمادة
من الصور الحضارية للمجتمعات – المتقدمة أو المثقفة – كثرة إقبال أفرادها بمختلف مستوياتهم العلمية والفكرية والاجتماعية على القراءة، حتى أصبح الفرد منا يتصور بأن تلك المجتمعات مصابة بمرض نفسي نستطيع أن نطلق عليه مرض التعطش للقراءة – إن صح التعبير – وهو في الحقيقة ليس مرضاً، إنما هو حالة صحية، قوته الدافعة حب الاستطلاع والمعرفة عند الإنسان فنجد الواحد منهم لا يبرح عن مكانه إلا وفي يده كتاباً ما، مما ساعد على انتشار "كتب الجيب" بصورة كبيرة في تلك المجتمعات.
كانت هذه صورة بسيطة وموجزاً لحالة المجتمعات "المثقفة" ولكن لو نظرنا إلى المجتمعات الأخرى، والتي تمثل صورة مغايرة لتلك المجتمعات، نرى أفرادها وعلى اختلاف مستوياتهم يضيعون أوقاتهم في أمور هامشية أو ثانوية إن لم تكن مضرة بالإنسان والمجتمع والدين، تضيع ساعات العمر سدى!. إنّ الكثيرين من أبناء هذه المجتمعات لا يعرفون مصطلح "القراءة" إلا قبل ساعات الامتحان، وذلك من أجل الحصول على الشهادة العلمية، فعندما تسأل الطالب في الجامعة على سبيل المثال ماذا تقرأ؟ يجيبك تكفينا المواد الدراسية وكتب التخصص!!، فإذا كان هذا مستوى تفكير الطالب الجامعي فما هو حال طالب ثانوية أو غيرها من المستويات الأقل ثقافة ونضوجاً؟، بالتأكيد ستكون الحالة مزرية. وأكثرنا – للأسف الشديد – يحفظ الشطر الثاني من شعر أبي الطيب المتنبي، حيث يقول: (وخير جليس في الزمان كتاب) ولكن من منا عمل بهذه المقولة؟ ربما القليل!!. فإن معظم الذين يتعلمون القراءة لا يتابعون القراءة بعد التعلم. وهذا بالطبع سوف يؤدي إلى رجوعهم للأمية مرة ثانية وتتفشى الأمية الثقافية، وهي أخطر من معضلة أمية الأميين. فعلى صعيد القراءة في العالم العربي: "تراجع عدد النسخ التي يطبعها الناشر من كل عنوان، إذ على الرغم من تزايد عدد السكان إلى 250 مليون عربي، وتناقص عدد الأميين بسبب قوانين التعليم الإلزامي، فإنّ الناشر بات لا يطبع من أكثر عناوينه رواجاً أكثر من ثلاثة آلاف نسخة، مما يعني بأن أُمّة (اقرأ) أصبحت لا تقرأ". الأمة الإسلامية التي انطلقت من كلمة (اقرأ) أصبحت لا تقرأ!
لماذا نحن مجتمع لا يقرأ؟ هذه (المداخلة) ليست من وظيفتها الإجابة عن هذا السؤال، بل سوف ينصب التركيز فيها على الإجابة عن الشق الآخر، وهو كيف نسهم في صنع مجتمع قارئ؟.
صناعة المجتمع القارئ
- التفاصيل