بدر الشبيب
في ظل غياب المؤسسات العلمية التي تعنى بدراسة الظواهر الاجتماعية المختلفة ومتابعتها، وتبقى محاولة الإجابة على المسألة الاجتماعية مشوبه بالقصور، من هنا تكون الإجابة على هذا السؤال معقدة جدّاً، لأنها تتطلب دراسة المجتمع دراسة عميقة لمعرفة العناصر التي تؤثر في توجه مجتمع ما نحو الكتاب وعزوف آخر عنه. وقضية كهذه يجب أن تشغل وقت الكثير ممن له صلة بالشأن الثقافي، ذلك لأنها قضية خطيرة تتصل إتصالاً مباشراً ببقاء المجتمع ونموه وتقدمه. وباختصار إنّ المجتمع الذي لا يقرأ هو مجتمع ميت خصوصاً في زمن الإنفجار المعرفي. وفي هذه العجالة سأحاول الكشف عن بعض الأسباب التي أراها ذات علاقة بالإجابة عن السؤال الذي نحن بصدده.
ضعف الشعور بالحاجة للكتاب، عندما نشعر بالجوع يحركنا هذا الشعور نحو ما يسد جوعنا ويشبع غريزتنا وهكذا بالنسبة لبقية الحاجات الأساسية المادية. ولكن ماذا عن الحاجات المعنوية؟ كيف نشعر بالجوع العاطفي أو الأخلاقي؟ كيف ومتى نشعر بالجوع المعرفي؟ ربما يكون الجواب: إننا نشعر بالحاجة للمعرفة عندما يتعاظم شعورنا بجهلنا، لكن هذا يجرنا نحو سؤال آخر: متى نشعر بجهلنا؟
في ظني إننا نشعر بجهلنا عندما نعيش في وسط يميز العالم من الجاهل، والمثقف من غيره، وعندما ترتفع قيمة العلم والمعرفة لتصبح معياراً أساسياً في تقديم الناس وتأخيرهم وتبوئهم المناصب والمراكز القيادية. أما عندما تغيب هذه القيمة يضمحل الشعور بالحاجة للعلم والمعرفة والقراءة. إنّ الشعور بالحاجة للمعرفة لا يكفي للتوجه للمعرفة فهو يقتضي ذلك، ولكي يحصل التوجد لابدّ من زوال الموانع وارتفاعها، بأن تكون المعرفة متاحة للجميع وأن يتوفر الكتاب المطلوب في الوقت المطلوب.
دور الإعلام، من أخطر وسائل التوجيه في عصرنا الحاضر إذ عنه يتلقى الناس الجزء الأكبر من ثقافاتهم ويتأثرون برؤيته وتحليلاته من حيث يشعرون أو لا يشعرون. إنّ كثيراً من المواقف التي نتخذها والاهتمامات التي تطغى على تفكيرنا هي مواقف واهتمامات وسائل الإعلام وإذا نظرنا إلى الفضائيات بشكل خاص لرأينا أنّ هذه المحطات لا تهتم بالثقافة الجادة الأصيلة من جهة بل تبث كل ما يمكن أن يحط من شأن العقل ويعمق تشرمذنا الثقافي ويزيدنا تيها على تيه. يتسمر الناس أمام المحطات الفضائية ساعات طويلة، ينتلقون من غناء إلى رقص إلى فيلم إلى حديث مع فنان أو فنانة. يستمعون إلى الفنان يدلي برأيه في كل شيء.. والراقصة تهز المشاهدين بآرائها (الوضعية طبعاً) في السياسة والأخلاق والاجتماع. وهكذا يتلقى الناس ثقافة ساذجة، فكيف يشعرون بالحاجة للكتاب ماداموا مشغولين بمطاعم الوجبات (الثقافية) السريعة.
دور المثقفون:
المثقفون في المجتمعات النامية لا يمارسون دورهم بالشكل المطلوب في نقل القراءة من حالة فردية خاصة إلى حالة اجتماعية عامة، فالمثقفون إما غائبون أو مغيبون عن الفعل الإجتماعي، غائبون بسبب النظرة الفوقية وما يصاحبها من لغة النخبة التي لا يفك طلاسمها ويحل رموزها إلا أخص الأخص من المثقفين. ومغيبون إما بسبب الإحباطات الاجتماعية المتوالية وإما بسبب تأزم العلاقة بين السيف والقلم.
أين الإهتمام بالناشئة، ممارسة القراءة عادة والعادة محصلة ثلاثة أمور هي: المعرفة (ماذا نقرأ ولماذا نقرأ)، ومهارات القراءة (كيف نقرأ)، والتوجه للقراءة المدفوع بالرغبة. ولكي تتحول القراءة إلى عادة اجتماعية يجب أن تكون متضمنة في العملية التربوية والتعليمية.
فالطفل عندما ينشأ في بيئة تعشق الكتاب وتمارس القراءة لابدّ أن يتأثر بتلك البيئة، وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم أي عندما تشكل المادة التعليمية دافعاً للطفل وحافزاً له على القراءة بما تحمله من مضامين حيوية وأساليب تشويقية، وعندما يتم التركيز على تنمية مهارات الطالب وتوسعة مداركه، بدلاً من أساليب التلقين التي تعتمد على حشو رأس الطالب بمادة يحفظها ولا يفقهها، ينتظر وقت الإختبار ليقذفها من رأسه ويستريح من صداع لا تسكنه المهدئات. ولعل إحدى المشاكل الكبيرة التي تواجه الآباء الراغبين في تنشئة أبنائهم على القراءة هي ندرة الكتاب الذي يتناسب والمرحلة العمرية الدقيقة التي تتطلب موضوعات خاصة وصياغة خاصة بل وشكلاً وحجماً خاصين للكتاب. من هنا تأتي أهمية ظهور متخصصين يستطيعون تلمس حاجات الناشئة الثقافية ويستجيبون لمتطلباتهم من أجل إحداث نقلة نوعية في ممارسة القراءة على مستوى المجتمع.
* شاعر وكاتب من المملكة العربية السعودية
مجتمع لا يقرأ في زمن انفجار المعرفة
- التفاصيل