رانية طه الودية
تتناوب فصول السنة، فتُجدد حياتنا، وتنفض عنها غبار الروتين والملل.
فكم تعشق النفوس التغيير و انتظار الجديد.
لذا فقد وهبها الخالق مراحل تمر بها أشبه ما تكون بالفصول الأربعة, بما فيها من تغيرات في الزمان والمظهر الخارجي. فهي لا تكاد تستقر على حال.
فالنفس الإنسانية تتمتع بكل تقلبات الفصول الأربعة.
فتبدأ بشتاء ثقيل، يرمي بظله على كل من حوله. ليُحملهم أعباء التأقلم معه ومشقة الحياة فيه. ويكسوا الأرض بلونه الموحد، فيكاد رائيه يلمح فيه أنانية الطفولة في فرض نفسه على من حوله وكأنه عالمهم الوحيد. فهو يفرض نفسه ويحمل من حوله مشقة العناية به.
وكما الطفل بحاجة لكل من يوقظ في دربه شمعة دفء. ويحن ويقترب من كل من يوقد له شعلة من الحنان، و يرتمي في أحضانه لينعم بالدفء العاطفي.
فنحن في هذا الفصل نرنو لكل قبس يمنحنا الدفء في شتاء قاس. ومع ذلك فالطفولة كالشتاء، تحمل الأمل لمن حولها، والبركة في انتظار غيث يسقي عطش وجفاء النفس, وتبعث الحياة فيمن حولها والبهجة رغم أعبائها.
وعندما تكتسي الأرض ثوبها الأبيض. تُذكرنا بقلب الطفولة النقي الذي لا يحمل إلا النقاء والخير لمن حوله.
وما يلبث ثقل الشتاء يتحول إلى ربيع يُزهر ويُعطي البهجة. فيغدو واحة تذيب ما كان من مشقة قبله. فيتهيأ الجميع لزراعة ما يحب من ثمر و زهر.
ويستعد الوالدان لزراعة كل معاني الجمال والقيم في ذاك الربيع ليزهر عطاءً وحباً.
فهو فصل الصبا والأحلام. وكل يحلم فيه بثمرة.
وكلما كانت الزراعة في هذا الفصل أكثر، كلما كانت أنجح وأكثر عطاءً, لما تتمتع به هذه المرحلة من صفاء وتقبل على احتضان البذور لتنمو وتُزهر.
وفيه يقف الشعراء متغنين بجماله وروعته. كما يتغنون بجمال الصبا وقوة الشباب وروعتها.
ثم تجف هذه الابتسامة الخضراء، بهبوب نفحات الصيف بما فيه من شمس لافحة. لكنها تضيء كل ما حولها. فيكثر فيه العمل والجد كمرحلة النضج تماماً, ويشتد نضج ثماره كلما اشتدت حرارته. وتزداد فيه ساعات العمل والنشاط لتحقيق الأحلام.
فنهاره الطويل يمنح النشاط للعمل والحصاد. وليله السامر يؤنس النفوس ويعيد فيها الأمل والحياة.
ثم يأتي الخريف, كخريف العمر.. بكل ما يحمله من ذكريات يختزنها في أوراقه المتساقطة. وشحوبه، ونُسيماته التي تتحدث بصمت الحكيم عن كل ما عانته وعايشته من سعادة وشقاء.
فتبدأ الأوراق بالافتراق والسقوط. وقد تذبل بعضها وهي متمسكة بالغصن. وتسقط الأخرى مستسلمة لنُسيمات الهواء بنقلها في كل اتجاه. فهي تحكي حالة ضعف وتبدل حال.
فالشجرة اليانعة الظليلة. هي الآن الشجرة العارية الأغصان، فهي تكابد عطاءً لسنوات, وتنتظر بأمل بُرعمات صغيرة تجلس على أغصانها العارية، فتكسوها حلة وجمالا وتُؤنس وحدتها, وتشعرها أن وجودها مهم لتنمو عليه البراعم من جديد.
ولتهمس لها: إن حياتك لم تنتهِ، بل ابتدأت بالعطاء، فاستحقت الإعطاء.
وهذه التغيرات تبعث رسالة في طياتها، عبر نُسيماتها، رسالة فيها حكاية الإنسان في شريط مصور يُلهمنا لنتساءل أليست النفس مرآةً لكل الفصول؟
ا

JoomShaper