المحاسبة طريق الصلاح، والاشتغال بتقويم النفس سبيل الإصلاح، والمحاسبة والتقويم يتطلبان عزيمة ومثابرة، وجدًّا ومصابرة، ومَنِ اشتغل بما لا يفيد انصرف عمَّا يفيد، والأمانة عظيمة، والمسؤولية جسيمة، والعمر قصير، وأعظم الربح حفظ الوقت، وخير الغنيمة محاسبة النفس.
وفي هذا الزمن تكاثرت المشكلات، وتكالبت المغريات والمُلهيات؛ فزاحمت الواجبات ونازعت الأولويَّات.ومن الغريب في طبائع النفوس أنها تتلذَّذ وتسترسل في الخَوْض فيما لا يفيد، وتقطيع الوقت فيما لا ينفع، بل ما أسرعها في تتبع العَوَرات، والاشتغال بالعثرات، والانصراف إلى النقد غير البناء! ولو تأملت وتفحصت لرأيت وأدركت أنه لا يهتم بالصغائر إلا الصغار، ولا يفتش عن المساوئ إلا البطَّالون.
إن كثيرا من مشكلات الأمة ومآسيها والناس وآلامها - ليست في شؤون السياسة، ولا في قضايا الاقتصاد، ولا في تسلط الأعداء، ولكنها في المسؤولية الخاصة على كل نفس: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وفي هذا كله تأملوا هذا الحديث العظيم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)[1]، وقد عدَّه بعضهم ثُلُثَ الإسلام، ولقد قالوا: "اجتمع فيه الورع كله"!؛
لأن تَرْك ما لا يعني لا تقوى عليه إلا القلوب السليمة والنفوس الزاكية، نفوس تنطوي سرائرها على الصفاء، فأصحابها في راحة، والناس منهم في سلامة.
فمَنْ شاء أن يتطلَّب صلاح نفسه وسلامة صدره؛ فليشتغِل بعيب نفسه، وليبكِ على خطيئته، والاشتغال بعيوب النفس وتجنب عيوب الناس يُورِث نورَ القلب، وراحة البال، وصفاء الضمير، وسلامة الطَوِيَّة، يقول محمد بن كعب القرظي -رحمه الله-: "إذا أراد الله بعبده خيرًا جعل فيه ثلاث خصال: فقهًا في الدين، وزهدًا في الدنيا، وبصرًا بعيوب نفسه".
والضابط فيما لا يعني هو ضابط الشرع، وليس داعي الهوى ورغبات النفس؛ فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاحتساب، ومسؤولية المرء عمَّا استرعاه الله في أهله، ومسؤولية المرء عما استرعاه الله في أهله، وسُوقه، ومدرسته، ومكتبه، وعمله، والاهتمام بأمر المسلمين، هذا كله مما يعني، وداخلٌ في المسؤولية والواجب المطلوب.
فاتقوا الله وميِّزوا بين ما يعني وما لا يعني؛ فإن من علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله فيما لا يعنيه.
للشيخ:  صالح بن حميد –حفظه الله-

JoomShaper