عادل بترجي
لكي يتضح للقارئ مدى أهمية المكتبات العامة في دول العالم الأول، أورد إحصائيات نشرت في دراسة لمعهد خدمات المتاحف والمكتبات الأمريكي لعام 2010 ميلادية، تشير الإحصائيات الواردة في التقرير السنوي إلى أن عدد المكتبات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية للعام المذكور بلغ 8951 مكتبة، إضافة إلى ما يزيد على 17 ألف فرع ومكتبة متنقلة، مما يعني توفر ثلاث مكتبات عامة، و5.8 فرع لكل مائة ألف مواطن، وتفيد نفس الدراسة أن معدل زيارة المواطن الأمريكي للمكتبات العامة بلغ 5.3 زيارة في العام، بمعدل زيادة 21.7% خلال عشر السنوات الأخيرة، كما قدمت المكتبات العامة 3.75 مليون برنامج موجه نحو الجمهور في مجالات شتى لها علاقة بالثقافة والقراءة، 61.5% منها موجه نحو الأطفال. ووزعت المكتبات العامة في نفس الفترة 2.5 بليون مادة مطبوعة، وهو الرقم الأعلى خلال السنوات العشرة الأخيرة، على الرغم من المشكلات الاقتصادية التي مرت بها البلاد في ذلك العام. ولقد ارتفع نصيب الأطفال من المادة الموزعة بنسبة 28.3% خلال السنوات العشرة الأخيرة. أما من حيث الإيرادات والمصروفات فقد حققت المكتبات العامة فائضا في مواردها المالية إذ بلغت إيراداتها 11.3 بليون دولار، بينما بلغت مصروفاتها 10.8 بليون دولار، لنفس الفترة مما يعني أن المواطن الأمريكي يدفع من موارده الخاصة مقابل الخدمة التي توفرها له المكتبات العامة، الأمر الذي يدل على الوعي بالفوائد المرجوة من هذه الخدمات. هذه الإحصائيات نموذج على الوعي بأهمية القراءة في دول العالم الأول.
ماذا عن مجتمعنا؟ باستخدام نفس نسب الإحصائيات الأمريكية نجد أن المملكة بحاجة إلى حوالى 1950 مكتبة وفرعا لمكتبة عامة. وبنفس طريقة الحساب تحتاج محافظة جدة إلى 225 مكتبة وفرع لمكتبة عامة. وبنفس الطريقة أيضا يمكن حساب ما يجب إنفاقه وتحصيله على المكتبات العامة، وكمية البرامج الواجب طرحها للمجتمع لتثقيف أبنائه وتربيتهم على حب القراءة، لنجد مدى فقر مجتمعنا في كل هذه الروافد المعينة على حب القراءة.
يصعب إيفاء أهمية القراءة وأثرها على التعلم حقها في عجالة، وخصوصا في مرحلة ما قبل المدرسة، ولكن يمكن في هذا الحيز المختصر التأكيد على أن القراءة خارج الإطار المدرسي، والتي تأتي بمبادرة من القارئ، ولا تستوجب تقييما من أحد، لها أثر إيجابي على التعلم، وعلى مستوى التحصيل الدراسي. ولقد بينت دراسات عديدة حول أثر القراءة على التحصيل الأكاديمي، وجود عوامل مشتركة بين البرامج المنفذة لنشر ثقافة القراءة في المجتمع؛ فقد وجد أن لكمية القراءة الحرة خارج المدرسة علاقة منتظمة ومستمرة بمستوى الإنجاز في المفردات اللغوية، ومستوى الاستيعاب، والطلاقة اللغوية، وكم المعلومات العامة. فمن دلالة ذلك أن إنجاز الطالب في القراءة له ارتباط بالنجاح في المدرسة، وكمية القراءة الحرة التي يقوم بها. كما وجد أن الكثير من الطلاب لا يختارون قراءة أعداد كبيرة من الكتب ولا يمارسون الكثير من القراءة، مما يستوجب العمل على تغيير هذا السلوك من خلال التثقيف، ولقد اتضح بجلاء أن الفترة العمرية للطفل التي تسبق دخوله للمدرسة هي مرحلة حاسمة لتطوره اللغوي والمعرفي، ولذلك يجري التأكيد دوما على أهمية إيجاد، وتفعيل برامج تشجع الأطفال والآباء على التوجه القوي نحو القراءة من خلال المكتبات العامة ــ إن وجدت ــ أو من خلال مؤسسات المجتمع المدني الأخرى التي تهتم بالقراءة.
ومما يدل على حاجة المجتمع وتعطشه لهذه البرامج الإقبال الكبير على الملتقى القرائي الأول للطفل الذي افتتح مساء الأحد الموافق 18 جمادى الآخرة، واستمرت فعاليته لخمسة أيام. فقد زار مقر الملتقى وشارك في البرامج الموجهة لتحبيب الطفل في القراءة ما يزيد على خمسة آلاف طفل اطلعوا على نماذج رائعة من الكتب المطبوعة والرقمية، وشاهدوا مسرحيات عدة قام بها نخبة من أطفال المجتمع هدفها تنمية الإقبال على القراءة من سن مبكرة، وشاركوا في ألعاب تنمي القدرة على الاطلاع حتى تصبح القراءة تسلية ومرح فيقبل عليها الأطفال. هذه المبادرة قادتها مؤسسة كادي ورمادي، بمساعدة عدد كبير من المتطوعين المحبين للقراءة، وبدعم من رعاة اقتنعوا بالهدف فساندوه. مثل هذه المبادرات التي تطرحها مؤسسات المجتمع المدني رافد مهم في تطوير قدرات أطفال المجتمع، وتحتاج إلى أن تضاعف عشرات المرات في العام الواحد حتى تعطي أثرا ملموسا في المجتمع، فليس أبلغ من أن يكون أول أمر في رسالة الإسلام هو قول المولى عز وجل: «اقرأ ....».
القـراءة رافـد أساسي للتعلـم
- التفاصيل