د. أحمد عيسى
انتشرت الآن مقولة أضيق بها «أمة اقرأ لا تقرأ»، فهل هي مقولة صحيحة، وما السبب؟ هل طرد الكتاب الورقي من عالمنا وحل محله القراءة الرقمية (الإلكترونية)؟ هل يقع اللوم على الأسرة التي لا تشجع الأبناء على القراءة، أم هو ارتفاع أسعار الكتب؟ وما دور السياسات التعليمية والمناهج الدراسية؟ وما مصير تربية أطفال العرب وسط اضطراب بلدانهم وهيمنة العولمة وتغلغل الحداثة؟ أسئلة ملحة تدعو لمحاولة إلقاء الضوء عليها احتفال «اليونسكو» في 23 أبريل باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف؛ من أجل تعزيز القراءة ونشر الكتب وحماية الملكية الفكرية، والتاريخ رمزي في عالم الأدب العالمي، ففي هذا اليوم من عام 1616م، توفي أدباء كبار منهم «وليم شكسبير»، وكان من الطبيعي بالتالي أن تخصص «اليونسكو» هذا اليوم لإبراز مكانة المؤلفين وأهمية الكتب، ولتشجيع الناس عموماً، والشباب على وجه الخصوص، وقد تم اختيار مدينة بانكوك عاصمة للكتاب هذا العام؛ اعترافاً ببرنامجها الرامي إلى تنمية القراءة لدى الشباب والفئات المحرومة، يأتي ذلك ومازال هناك 800 مليون شخص في العالم لا يستطيعون القراءة، و100 مليون طفل لا يذهبون للمدارس! مقارنة كما دعاني أيضاً ما نشر عن دراسة صادرة من بيروت عن «مؤسسة الفكر العربي» بأن نسبة القراءة في العالم العربي بلغت مستويات متدنية تبعث على القلق، وأوضحت الدراسة أن كل الدول العربية مجتمعة لا تنشر سوى 10% مما تنشره بريطانيا من كتب سنوياً، أما بريطانيا فيباع فيها كما في العام الماضي 202 مليون كتاب في العام الواحد، دفع فيها القراء 1.5 مليار جنيه إسترليني، وللأطفال جاز لي أن أستعير وصف الأديب عبدالتواب يوسف: «إن أطفالنا يعيشون مجاعة قرائية كبيرة»، ولا شك أن المقارنة ظالمة حيث مازال أهل الفصحى يعانون من أثر الاستبداد السياسي على مسيرة الثقافة، والأمل أن يتغير ذلك، وأن تتطور وتتجدد التربية والثقافة مع مساحة الحرية والعودة إلى الإسلام دين التعليم والعلم والعلماء.

بدائل الكتاب: في استبيان لأكثر من ألفي طفل وشاب بريطاني تتراوح أعمارهم بين 8 - 18 عاماً، وجد أنهم يقضون الأوقات الآتية أمام أنواع الشاشات المختلفة يومياً: ما يقرب من 7.5 ساعة باستخدام وسائل الترفيه الإعلامية، منها 4.5 ساعة مشاهدة التلفزيون، وساعة ونصف الساعة على الكمبيوتر، وأكثر من ساعة في ألعاب الفيديو، في حين كانت مدة القراءة يومياً من المطبوعات 38 دقيقة فقط (230 ساعة سنوياً). عالم التكنولوجيا الرقمية وفي متابعة لمستخدمي الكمبيوتر العام الماضي، وجد أن البريطانيين يقضون 24 ساعة كل شهر على الإنترنت (يوم كل شهر!)،  ووجد أن 22% من الوقت يُقضى في مواقع التواصل الاجتماعي، و15% للترفيه، و10% للتسوق الإلكتروني، و5% للأخبار، 5% مواد للبالغين، 3% رسائل الإنترنت.. بالنسبة للأطفال، فآخر الإحصاءات البريطانية (استبيان 21 ألف طفل ومراهق عن طريق الأمانة القومية للقراءة) يقول: إن 30% فقط يقرؤون في منازلهم، و54% يفضلون مشاهدة التلفزيون على القراءة والخُمس لا يقرؤون مواد ورقية أبداً، و18% لا يقرؤون إلا المواد الورقية.

أما واسطة القراءة فهي بالترتيب: الرسائل النصية (63%)، المواقع الإلكترونية (51%)، الرسائل بمواقع التواصل الاجتماعي (50%)، أما القراءة الورقية: المجلات (57%)، القصص الخيالية (47%)، وأوضحت أن 73% يقرؤون مواد ورقية، و64% الكمبيوتر، 56% الهاتف، 20% آيباد، 9% كاندل، وفي تقرير سابق أوضحت أن ثلث أطفال بريطانيا (4 ملايين) لا يمتلكون كتباً خاصة. المشكلات المشكلات تبدأ من المدرسة والأسرة والمجتمع، وكذا المشكلات التي أفرزها عصر العولمة، حيث أفضى النقص في الكتب العربيّة الموجّهة للأطفال إلى تبعيةٍ للكتب الأجنبيّة، لم تخرج عن إطار التبعيّة الاقتصادية والسياسية والثقافية للحضارة الغربيّة، التي لا تفضي بشكل عام إلى الابتكار، ناهيك عن أن الطفل كفئة اجتماعيّة مهمَّشة، لم تُستدرك أهميتها إلا في العقود الأخيرة، وهناك أيضاً عوائق اقتصاديّة وقانونيّة وثقافيّة وإبداعية تعيق حركة التأليف والنشر، وتؤدي البيئة المحيطة التي تقرأ وتشجع وتناقش القراءة، والتي تتشكّل من الأهل والأصدقاء والزملاء من الصغر، إلى اكتساب عادة القراءة في الصغر وتستمر القراءة في مراحل العمر المختلفة (صناعة الكتاب في لبنان، مؤسّسة البحوث والاستشارات، مارس2010م)، وقد يمنع الآباء أولادهم من القراءة «الاطّلاعيّة»، ففي دراسة حديثة قامت بها «مؤسّسة البحوث والاستشارات» في لبنان اعتبر 73% من المستجوبين عن مخاوفهم من أن القراءة قد تأخذ من وقت دروس الطفل.

وقد لخص أحد الباحثين الأسباب المؤدية للتخلي عن الكتاب والعزوف الجماعي عنه فيما يلي:

أولاً: غياب القدوة داخل المنزل، فكثير من الآباء والأمهات في مجتمعنا لا يعطون الكتاب الاهتمام الكافي، ولم يسبق لكثير من الأبناء أن شاهد أحد والديه ممسكاً بكتاب.

ثانياً: غياب المكتبة المنزلية، حيث إن كثيراً منا يهتم بجمع مرافق المنزل ويتجاهل مسألة توفير مكتبة منزلية.

ثالثاً: إغفال أهمية التوجيه المستمر من قبل الآباء والمعلمين للأبناء بضرورة الاطلاع وأهميته، وحثهم وتشجيعهم على ارتياد المكتبات، وأن الكتاب وسيلة مهمة للتحصيل العلمي والثقافي.

رابعاً: وجود المكتبات العامة بمنأى عن الأحياء السكنية في غالب المدن.

خامساً: وجود وسائل الترفيه والقنوات الفضائية التي أصبحت في كثير من المنازل حيث أصبح الأبناء يقضون جل وقتهم في متابعتها.

أمة اقرأ وبعد، نحتاج إلى سخرية د. عائض القرني حتى نفيق إذ يقول: بيننا وبين الكتاب عقدة نفسية، ونحن أمة «اقرأ»، ولكن ثقلت علينا المعرفة، وخف علينا القيل والقال، ولو سألت أكثر الشباب: ماذا قرأت اليوم؟ وكم صفحة طالعت؟ لوجدت الجواب: صفر مكعَّب! ثم يقول: يحتاج شبابنا إلى دورات تدريبية على القراءة..

الإنسان بلا قراءة قزم صغير، طالعت سِيَر العظماء العباقرة فإذا الصفة اللازمة للجميع مصاحبتهم للحرف، وهيامهم بالمعرفة وعشقهم للعلم، حتى مات الجاحظ تحت كتبه، وتوفي مسلم صاحب «الصحيح» وهو يطالع كتاباً، وقال المتنبي: وخير جليس في الزمان كتاب، وقال الروائي الروسي «تيولوستي»: قراءة الكتب تداوي جراحات الزمن، وقال الطنطاوي: أنا من ستين سنة أقرأ كل يوم خمسين صفحة ألزمت نفسي بها، ويقترح القرني أن يكون لنا يوم في الأسبوع يخصص للقراءة، وأن نبدأ بمشروع القراءة الحرّة النافعة عشر صفحات كل يوم تُقرأ بفهم من كتاب مفيد لنحصد في الشهر كتاباً، وفي السنة اثني عشر كتاباً، ولتكن قراءة منوّعة فيما ينفع.. فيا أمة «اقرأ» هيا إلى قراءة راشدة، واطلاع نافع، وثقافة حيّة، ومعرفة ربانية. وأقول: فهناك منا العاجز عن القراءة يحتاج إلى التعليم وتوفير الوسائل، ومنا التارك لها الذي يحتاج إلى جذبه إلى جمالها، أما من يحبها فهنيئاً له طريق المجد والريادة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المجتمع

JoomShaper