د. آندي حجازي/ أكاديمية في مجال التربية والتعليم
كثيرًا ما يشعر الأطفال بالخوف، ويأتون للجلوس بجانب أحد والديهم طلبًا للشعور بالأمان، وتكون وجوههم محمرة، وفرائصهم ترتعد، وكلامهم يتلعثم، فيشعرون بالدفء والأمان بجانب من يرعاهم وتهدأ نفوسهم.
فالخوف شيء طبيعي في نمو الطفل حيث يبدأ يدرك ما حوله، ولكنه لا يميز بعقله المحدود في خبراته بين الأشياء المتخيلة والحقيقية، حيث تظهر الدراسات ومراقبة الأطفال أن (90%) من الأطفال تحت سن السادسة يظهر لديهم خوف محدد من شيء معين ثم يزول تدريجيًا بمرور الوقت. وأنّ حوالي نصف الأطفال في عمر (2-6) سنوات تظهر لديهم مخاوف من «الظلام، والكلاب، والرعد، والأشباح»، وأن (10%) من هؤلاء يعانون خوفًا شديدًا من شيئين أو أكثر من هذه الأشياء. وتغلب المخاوف بين عمر سنتين وأربع سنوات من «الحيوانات، والأصوات الغامضة، والظلام، والغرباء»، وتبلغ المخاوف المتخيلة مثل الأشباح والوحوش ذروتها في عمر6 سنوات، وتختفي تدريجيًا بعد عمر10سنوات حينما يبدأ الطفل مرحلة التفكير المنطقي. أما الخوف من الأخطار الجِسميّة كالحوادث، والسقوط من الأماكن المرتفعة، والحروق، والموت، والجِراح.. فيتميز به الأطفال فوق سن10سنوات. وتشير الدراسات إلى أن (20%) من الأطفال يخافون الامتحانات بحيث ينخفض أداؤهم المدرسي بسبب هذه المخاوف. ولا تُظهر الدراسات فرقًا بين الذكور والإناث في أنواع الخوف(1).
إنّ الخوف هو انفعال قوي غير سار ينتج عن الإحساس بوجود خطر أو توقع حدوثه، ولكن للخوف فائدة حيث يساعد في الحفاظ على البقاء، وذلك بتنبيه الأشخاص إلى مصدر الخطر وتهيئة أنفسهم للحماية منه والتصدي لمصدره، حيث يعمل هرمون الإدرينالين على زيادة الإفراز في حالات الخوف مما يساعد الجسم على اتخاذ القرار بما يجب فعله لمواجهة موقف الخوف كالمهاجمة أو الهروب، فنحن مثلًا نريد من الطفل الخوف من مصادر النار فلا يقترب منها، والخوف من الأفاعي والحيوانات المفترسة، والخوف من السيارات من أجل تفاديها ولكن ليس الخوف المَرَضي. ويسمى الخوف الذي يؤدي إلى كراهية مواجهة الموقف والامتناع عن ذلك بالرهبة «Dread» وهو خوف طبيعي ومقبول، ولكن إذا استمر الخوف بدرجة شديدة وغير منطقية ومع صراخ يصبح خوفًا مَرَضيًا ويسمى الفوبيا «Phobia» ويحتاج إلى علاج نفسي متخصص. وبعض الأطفال خوّافون يعانون من الخوف بمعظم المواقف، وهؤلاء يعانون من ضعف الثقة بالنفس، وعدم الشعور بالأمن والطمأنينة، وعدم القدرة على الكلام والتأتأة والانطواء والخجل والتشاؤم مع أنهم لم يصلوا لمرحلة الفوبيا.
ما أسباب الخوف لدى الأطفال؟ هناك أسباب متعددة للخوف لدى الأطفال وأهمها كما أظهرت الدراسات:
< الخوف من الغرباء: حيث يبدأ الطفل الصغير (أقل من سنتين) في اكتشاف أن هناك أشخاصًا قريبين منه كأفراد أسرته، وآخرين ليسوا كذلك، يشعر بالخوف منهم والبكاء أو الصراخ عند رؤيتهم، وهذا ما يسمى بالخوف من الغرباء، وهو طبيعي لعمر معين أقل من سنتين، ولكن بعض الأطفال وبعمر أكثر من ست سنوات قد يستمر لديهم الخوف من أي شخص لا يعيشون معه كأقربائهم، ويشعرون بالرهبة من مواجهتهم، وهذا خوف غير محبب لأنه لا يساعد على النمو الاجتماعي للطفل. بينما الخوف من الأشخاص الغرباء تمامًا كالباعة وسائقي السيارات الغرباء مطلوب من أجل حماية أنفسهم من مخاطر هؤلاء الغرباء.
< خوف الانفصال عن الأم: الخوف من الغرباء قد يتحول إلى خوف من الانفصال عن الأم أو عن الشخص الذي يرعى الطفل، والخوف من بيئة جديدة لم يعتد عليها، وخاصة عند بداية دخول الروضة، فغالبًا ما يبكي الطفل نتيجة خوفه من الابتعاد عن أمه. والخوف من الانفصال يكون طبيعيًا في مرحلة الروضة وبداية دخول المدرسة، ولكن إن استمر بعد سن السادسة وهو يرفض يوميًا الذهاب إلى المدرسة يتحول إلى «فوبيا المدرسة» ويصبح مرضًا وليس مجرد خوف. حيث يجب أن تختفي «فوبيا المدرسة» في أول سنتين من دخول الطفل المدرسة، وإذا لم ينتهِ ذلك الخوف فقد يحتاج الأمر لعلاج نفسيّ متخصص.
< الخوف المتعلَّم: الخوف من الأشباح، والظلام، والأصوات العالية، والحيوانات، والحشرات، والمرض، والمرتفعات.. هي غالبًا مخاوف متعلّمة، ولتقليد الآخرين دور مهم في تعلّم الخوف، فعندما ترى الأم قطة مثلًا فتصرخ هاربة منها أمام طفلها، فإنه سيتعلم هذا السلوك ويصبح كلما رأى قطةً أو أرنبًا فإنه يخاف ويصرخ ويجري فارًا منها، وهذا ما يسمى بالخوف المتعلّم، بينما لو رأى الطفل أمه تقترب من القطة وتلمسها وتربّت عليها فإنه حتمًا لن يخاف وسيجرّب الاقتراب منها ولمسها كما فعلت أمه. ووجد أنّ الأطفال الذين يعيشون في الريف لا يخافون من حيوانات الحقل لأنها حولهم في كل مكان، ولكن قد يخافون من الأشباح، فإذا كانت الأم تريد إخافة ابنها من الأشباح أو الظلام وهي تهدده بهم كأن تقول «إن الشبح سيأتي للقضاء عليك إن لم تذهب للنوم باكرًا» فإنه سينشأ على الخوف الشديد من الظلام وممّا يسمى الأشباح، وبما أن الظلام يهدد بصر الطفل فسيهدد شعوره بالأمان لأنه اعتاد على رؤية الأشخاص الذين يعرفهم ويشعر بالأمان معهم.
< نقص المعرفة: عندما يتعرض الطفل لسماع قصص مخيفة سواء من الوالدين أو المعلمة أو من يقوم برعايته فإنه يصدقها ويشعر بالخوف، وكذلك عندما لا يشرف الأبوان على ما يشاهده الطفل في التلفزيون أو بالإنترنت من أفلام رعب فتنتقل مشاعر الخوف إلى الطفل نتيجة قلة المعرفة لديه وعدم فهمه للأمور بشكل جيد، وعدم تمييزه بين الحقيقي من الخيالي أو المبالغ به. وقد لا يستوعب الطفل النكتة، فقد يداعبه شخص كبير ويقول له إنه معجب بيده الصغيرة وأنه سيأخذها معه، فهنا قد يفهم الطفل هذا الكلام على أنه حقيقة ويصبح خائفًا من ذلك الشخص ومن الموقف أن يحصل.
< التجارب والخبرات الأليمة: إن تعرّض الطفل لتجربة أليمة مثل مرض أحد أفراد الأسرة، أو دخول الطفل المستشفى لعملية، أو حدوث وفاة في الأسرة، أو حدوث حريق، أو تعرض بيته للسرقة.. قد يسبب له الخوف، بل قد يكون سببًا في إصابته باكتئاب وخوف وقلق مستمر من التعرض للمرض أو الموت أو لحادث ما. وكذلك حدوث الصراعات الأسرية والخلافات الزوجية أمام الطفل من أهم الأسباب وراء عدم شعوره بالأمان وإشاعة جو التوتر والخوف في حياته، وتزيد مخاوف الطفل من انفصال الوالدين كلما زادت حدة التوتر بينهما أثناء النقاشات والخلافات. وهذا الخوف من التجارب الأليمة يشمل مجالات متعددة فمثلًا تعرض الطفل لعضة من حيوان ما يجعله يخاف الاقتراب من أي نوع من الحيوانات حتى وإن كان أليفًا كالقطة، وكذلك قد يصبح يخاف الاستحمام نتيجة انزلاقه في الحمام مرة أو لسع الصابون لعينيه، فهذه خبرات أليمة مخزنة في ذاكرته تخيف الطفل من تكرار الفعل.
< التهديد بأشياء مخيفة كعقاب: كأن يُطلب من الطفل القيام بواجباته المدرسية أو المحافظة على نظافة البيت أو الالتزام بالهدوء وتقليل اللعب والحركة ليتمكن الأب من متابعة التلفاز أو الأم من الحديث في الهاتف.. وإلا فإنه سوف يعاقب بالضرب بالعصا أو بالحزام أو بالحبس في غرفة مظلمة أو غرفة الفئران أو غرفة الأشباح أو العفاريت.. فخضوع الطفل للتهديد المستمر يجعله ينشأ جبانًا ضعيف الشخصية مهزوزًا، فهذه سلوكات خاطئة ومخالفة لحقوق الطفل. ومن الخطأ تهديد الطفل بأشياء مفيدة كالطبيب والدواء والحقنة على أنها أدوات تخويف، وكذلك التسلية بتخويف الطفل والضحك على انفعالاته من جراء الخوف, فليس هناك أسوأ من حالة طفل يصرخ وكبير يضحك.
كيف نهدئ مخاوف أطفالنا؟
تتساءل الأمهات ماذا أفعل حينما يخاف ابني كثيرًا من الظلام ويرفض النوم بغرفته وحده ولا يقبل إلا بالنوم بجانبي، أو كيف أخلص طفلي من الخوف الزائد من الناس أو من الأشباح..؟ وهنا نقترح بعض الاقتراحات:
- استمعا لطفلكما: على الأم والأب الاستماع لابنهما وإعطائه الوقت للتعبير عما يشعر به ويخاف منه حينما يلجأ إليهما وهو خائف، دون مقاطعته ودون الاستهزاء به، لأن ما يعبر عنه يعد بالنسبة له مخاوف حقيقية، وبعد الانتهاء عليهما طمأنته ومناقشته من أن لا شيء مخيف وأن هذه أوهام وستزول وهي غير قادرة على القضاء عليه أو إيذائه، ويمكن تحويلها لأشياء مضحكة أمام الطفل للتقليل من شأنها، فبهذه الطريقة سيتمكن الطفل من التحكم في الشيء الذي يخيفه، وبذلك يستطيع فهم مخاوفه والتعامل معها. ويمكن جعل الأطفال ينهمكون بأي نشاط ممتع أثناء الخوف، كاللعب أو الخروج من البيت، فجميع أشكال المخاوف المحددة أمكن محوها بهذه الطريقة. ولا بأس في حالة الخوف الشديد من السماح للطفل بالنوم في غرفة الوالدين حيث يشعر بالأمان، ولكن دون تعويده على ذلك، فالأفضل تعويده النوم مع إخوته وإقناعه حينها بأنه ليس وحده بل مع الآخرين.
- لا تستخدما أسلوب التهديد بأشياء مخيفة مع طفلكما: فمنذ البداية يجب ألا تستخدما مع أطفالكما أساليب مرعبة لهم، كنوع من العقاب مهما كان ما يفعلونه من سلوكات خاطئة، فعليْكما إيجاد بدائل لشغل الطفل بأمور مفيدة بدلًا من التخويف بأوهام أو خرافات، لأن الطفل في مرحلة نمو عقلي ونفسي واجتماعي، وهو يصدق كل ما يقدّم له من قبل الوالدين لثقته بهما، فهو يصدق وجود الأشباح والكائنات المخيفة، وقد يصل لمرحلة الفوبيا من تكرار هذا التهديد أو ممارسته بالفعل كحبسه في مكان مظلم أو موحش مما يؤثر كثيرًا على عقله ونموه المعرفي والانفعالي، وهذه خبرات لا تمحى من ذاكرة الطفل، ولذلك يجب تجنبها من قبل الوالدين، وهي من الأساليب القديمة التي أثبتت فشلها عبر الزمن، وأثرها السلبي على شخصية الطفل ومستقبله.
- استخدما أساليب تربوية حديثة مع طفلكما: استخدما مع طفلكما أسلوب التعزيز، وذلك لتشجيع الطفل على التخلص من المخاوف التي يعاني منها؛ فمثلًا إن كان يخاف من الحيوانات الأليفة فشجعانه على الاقتراب منها وإطعامها وقدّما له المكافأة في حال تمكنه من ذلك، وكُونا له نموذجًا في ذلك، وهذا يتم تدريجيًا وبالتمرين المتكرر. وكذلك شجّعانه على عدم الخوف من الظلام بتقديم جائزة له كلما شعرتما أنه يبدي تقدمًا في التخلص من أي نوع من الخوف. وفي حال شعوركما بالغضب من الطفل أو بضرورة معاقبة ولديْكما على خطأ ارتكبه فهنا يمكن استخدام أسلوب الحرمان من أشياء يحبها الطفل (لا التخويف)، كحرمانه من زيارة أصدقائه أو حرمانه من الخروج للتنزه أو اللعب بالحديقة لفترة ما، أو حرمانه من المصروف لمدة محددة، أو من شراء حلوى يحبها، فهذه أساليب مفيدة في التربية وهي أفضل كثيرًا على المدى البعيد من التخويف بأشياء مخيفة ومرعبة للطفل.
- تعرفا مصادر الخوف من المدرسة: تعرّفا كوالديْن إلى مصادر خوف طفلكما المتعلقة بالمدرسة، ثم التعاون مع مسؤولي المدرسة لمعالجة الأمر، كتعرّف ما إذا كان أحد يتربص بطفلكما في المدرسة، أو ما إذا كان أحد مدرسيه يعامله بعنف، أو أن طفلكما يشعر بعدم التقبل من قبل زملائه.
- تخلصا من مصادر الخوف في البيت: حاولا التعرف على الأشياء التي تخيف طفلكما للحد منها؛ مثل الأصوات المزعجة، أفلام الرعب، القصص الخرافية كالعفاريت، الخلافات الزوجية المستمرة، التخويف من الفشل.. تخلصا منها وأبعدا الطفل عنها، مع توفير جو عائلي هادئ ومستقر يشبع حاجات الطفل النفسية.
- كُونا نموذجًا أمام طفلكما في عدم الهلع: يجب على الوالدين أن يكونا على دراية بمخاوفهما وأن يتعاملا معها بشكل مدروس بحيث يخفضان من مخاوفهما أمام أطفالهما ولا ينقلاها لطفلهما، فخوف الأم من الظلام مثلًا ونومها والنور مضاء.. وصراخ الأم من حشرة كبيرة تراها ينتقل لطفلها.. أو تحدث الأم عن خوفها الشديد من المرتفعات أو ركوب الطائرات.. قد ينتقل بسهولة إلى الطفل لأنه أمر متعلّم، فلابد من الاتزان والهدوء بلا هلع ولا فزع في المواقف المختلفة كمرض الطفل.. وإذا انتقل هذا الخوف للطفل، فيجب أن يتولى التعامل مع هذا الموقف الطرف الآخر الذي لا يعاني من ذلك الخوف.
- شجعا طفلكما على الانخراط في الأجواء العائلية والنشاطات الاجتماعية، وذلك من أجل التخلص من الخوف المبالغ به من الغرباء، والذي قد يتطور إلى الخجل والرهاب من مواجهة الناس ويستمر مع الطفل حتى في سنوات المراهقة.
- علّما الطفل الخوف من الله تعالى وحده وقراءة المعوذات: على الوالديْن تعليم أولادهما دائمًا الخشية من الله عز وجل وحده، وأن الله القادر على حماية الإنسان وحفظه أو ضرّه، وتعويد الطفل قراءة القرآن الكريم كالمعوذات وآية الكرسي والأدعية المختلفة والبسملة في حالة خوفه، وخاصة بالليل قبل النوم، لأنها تقلل كثيرًا من الخوف وتهدئ من روعه. ولا يُترك الأطفال دون تحصين وتعليم لأذكار الصباح والمساء، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ " صلى الله عليه وسلم" يُعَوّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ». وجاء رجلٌ إلى رسول الله فشكا له أنه يفزعُ في منامه، فقالَ " صلى الله عليه وسلم" : «إذَا أويْتَ إلى فِرَاشِكَ فَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَمنْ شَرّ عِبادِهِ، وَمِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضرُونِ» فقالها، فذهب عنه ما يجد (رواه أبوداود والترمذي وأحمد).
طفلي كثير الخوف.. ماذا أفعل؟
- التفاصيل