مجدي محمد عطية
قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (سورة طه : الآية 132)
أولادنا فلذات أكبادنا، أمانة عندنا، فهل نضيع الأمانة؟ والله عز وجل جعل أولادنا في رعايتنا، ونحن مسؤولون عنهم، يقول عليه الصلاة والسلام: "كلُّكم راع، وكلُّكم مسؤول عن رعِيَّته" حديث متفق عليه.
وأولادنا في رعايتنا، ونحن محاسبون عنهم يوم القيامة، وستأتي هذه الأعمال الصالحة في ميزان الحسنات يوم الحساب، يقول الله عز وجل:﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ (سورة الطور : الآية 21، بل وتنفع الوالدين في الدنيا بدعاء الابن الصالح الذي اجتهد في تربيته وتعليمه الصلاة، كما في الحديث: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له"( رواه مسلم).
وبعض الآباء يجتهد كثيرا في تربية أولاده، والإنفاق عليهم، ولا يبخل على تعليمهم، وإذا بدأ الابن في الفهم فنجد الآباء يوفرون لهم اللعاب المنوعة، وإذا كبر قليلا يوفر لهم الألعاب الإلكترونية، أو يتركهم يشاهدون الأفلام الكرتونية، وذلك بهدف إلهائهم عن مضايقة الأم أو الآخرين، أو بهدف تعليمهم عن طريق الألعاب الإلكترونية، والأفلام الكرتونية، وإذا بلغ الطفل سن دخول الحضانة نجد كثيرا من الآباء يسارع بإلحاق ابنه ويحجز له مكانا قبل فوات الأوان، ثم يدخلهم مدارس أجنبية (لغات) أو عالمية للحصول على أعلى الشهادات الجامعية أو العليا، ويقول: أريد تأمين مستقبلهم، ونحن لا نحكم على هذا بالخطأ، بل نريد أن نلفت الانتباه إلى عدم نسيان تعاليم الإسلام، وبيان أهمية التركيز عليها لتكوين شخصية الطفل القوية والمناسبة، فلا مانع من اللعب، ولا مانع من دخول المدارس الأجنبية أو اللغات، ولكن توجد مدارس تجمع بين الأمرين، بين تعلم الدين الصحيح، وتعلم العلوم الحديثة والمعارف النافعة.
فلا تنسى أيها الأب أن تلحق أولادك بمدارس تهتم بتعاليم الدين، وتربية الأولاد على الصلاة والخوف من الله، مع عدم إهمال التعليم والحصول على الشهادات، بل ويهمل بعض الآباء في تعويد الطفل على الصلاة منذ صغره، وفي بيته، فتربية الأبناء على العقيدة السليمة، وعلى العبادة متقنة، وعلى الأخلاق كريمة، وأن يكون عنصراً نافعاً في المجتمع، هذا أعظم عمل يقوم به الأب، كما في قوله تعالى: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا" سورة طه : الآية 132، ولا ننس وصية النبي عليه الصلاة والسلام عند انتقاله إلى الرفيق الأعلى: "الصلاةَ وما ملكت أيمانكم" أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني.
تعويد الطفل على الطهارة و الصلاة:
تعويد الطفل على الصلاة له شأن كبير في مستقبل حياته، والطفولة ليست مرحلة التكليف، إنما هي مرحلة إعداد وتعويد وتدريب، حتى إذا وصل إلى مرحلة التكليف، كان مستعدا للقيام بالواجبات وتحمل التكاليف.
ومن البداية يحاول الآباء تعويد الأبناء على الصلاة في المنزل مع الوالدة بالوقوف بجوارها أو بأداء حركات الصلاة مع المصلين. بل وتبدأ مرحلة تعويد الطفل على الطهارة والاستنجاء والوضوء مبكرا، يعني قبل سن السابعة، ينبغي أن تعلمه بعض أحكام الطهارة اليسيرة، مثل أهمية التحرز من النجاسة، وتعلم الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة الجسم والملابس، مع شرح علاقة الصلاة بالطهارة، ويكون التعليم بطريقة لطيفة رقيقة، مع الصبر وتحمل الأخطاء.
والأب الذي يحافظ على الصلاة بالمسجد، يمكن أن يؤدي صلاة السنة بالمنزل، ويحاول أن يدرب ابنه على الصلاة، واحترام وقتها، والتعرف على آدابها، وعدم اللعب أثناء الصلاة. وإذا وصل الولد الذكر لسن سبع سنوات، فيمكن للأب أن يصطحبه معه إلى المسجد، وأن يراقب وضعه في المسجد، وأن يكون إلى جنبه في المسجد أثناء الصلاة؛ ليألف ويتعود على بيوت الله عز وجل، ويتعلم إقامة هذه الفريضة.
مع الحرص على تعلّم الطفل قبل سن السابعة سورة الفاتحة، وبعض قصار السور استعداداً للصلاة، وأن يواظب على تعلم الوضوء، وأن يتدرب عليه عملياً بتقليد الآخرين. وقبيل السابعة نبدأ بتعليمه الصلاة بالتدريج، ونصبر عليه إذا أدى بعض الحركات الخطأ، ونشجعه على الصلاة ولو ركعة واحدة، ثم تزداد، فلا نطالب الابن بالفرائض كلها، ونذكّر الآباء أن يصطحبوا أولادهم إلى صلاة الجمعة بعد أن يعلموهم آداب الجلوس في المسجد، وخاصة إذا استطاعوا التحكم في تصرفاتهم.
كيفية التمرين على المواظبة على الصلاة
أما مرحلة ما بعد السابعة إلى العاشرة، فنطبق هذا الحديث الشريف: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أَبناءُ سبع، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشْر، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع"رواه أبو داود، وحسنه عدد من العلماء. ينبغي أن نعلِّم الطفل هذا الحديث، حتى يعرف أنه قد بدأ بمرحلة المواظبة على الصلاة؛ ولهذا ينصح بعض المربين أن يكون يوم بلوغ الصبي (بالسنوات الهجرية) سن السابعة حدثاً كبيراً وفريداً في حياته.
فبعد سن السابعة ينبغي أن يتعلم الطفل ويتقن أحكام الطهارة، والصلاة مع استمرار اللين والرفق و يتعلم بعض الأدعية الخاصة بالصلاة، وأن نحثه على الانضباط أو الخشوع، وقلة الحركة في الصلاة، مع الترغيب في بيان ثواب من يواظب على الصلاة في الدنيا والآخرة، و التلويح بالعقاب على الإهمال في ترك الصلاة في الدنيا وخطورة ذلك في الآخرة.
والمسألة بإذن الله ستكون يسيرة مع من يحافظ على الصلاة، ويكون الأب قدوة لابنه أو تكون الأم قدوة لابنتها، فالطفل الصغير سيرتبط بالصلاة، ويحرص عليها، ولاسيما إذا شجعته تشجيعاً معنوياً ومادياً.
ونستكمل في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى كيفية ترغيب وتدريب البناء على الصلاة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تربية الأولاد على الصلاة(1ـ 2)
- التفاصيل