محمد العمر
الكثير من الآباء يشكون سوء تصرفات أطفالهم تجاه أقرانهم الآخرين المتمثلة بالأنانية الزائدة التي باتت تتحول يوماً بعد يوم إلى عادة شبه يومية، ليتقاذف كل من الأب والأم مسؤولية هذه التصرفات الغريبة حيث أصبحت على حد قولهم كابوساً مرعباً ومخيفاً من أن ترافق هذه العادة أعمارهم فيصعب السيطرة عليها عند الكبر، في وقت راح أساتذة الصحة النفسية يقولون «إن على كل أب وأم أن يلتزم بقواعد سلوكية سليمة تساعد الطفل على النشأة في جو توازن نفسي سليم» كما يجب ألا يمنح الآباء الطفل قدراً كبيراً من الحرية والسلطة التي تجعله أكثر أنانية، ومحاولة تنفيذ كل طلباته دون ممانعة أو اعتراض!
تربية خاطئة
وهناك البعض من حمل الأبوين المسؤولية الكاملة وراء هذه الأنانية فالأب مشغول بنفسه وذلك لأن ليس لديه متسع ليجلس مع أسرته أو ليخرج معهم، والأم مشغولة بنفسها لأنها تريد أن تشاهد البرامج والمسلسلات التي تناسبها في التلفاز ولا تريد أن تتنازل لطفلها ليشاهد فيلم الكرتون الذي يحب، كما أنها لا تهتم إلا بنفسها ومجالسة صديقاتها والحديث معهم والتفكير في أجمل الأزياء وأشهى الأكلات ومتابعة الموضة أما إخوته الكبار فكل واحد يبحث عن مصلحة نفسه فمنهم من يريد أن يشتري اللعبة التي يحب والثاني يريد أن ينازعه في لعبة والثالث يريد أن يأخذ منه الحلوى التي بيده والرابع يريد أن يلبس ملابسه الكل يبحث عن نفسه وعن مصلحة نفسه.. لذلك فحجة هؤلاء من العامة تكمن بأن الطفل الأناني نشأ في بيت الأنانية. بحيث إنه تعلم الأنانية بالمحاكاة وقد تلقنها وتجرعها منذ نعومة أظفاره.. ووفقا لدراسة حديثة أجرتها جامعة ميامي الأميركية فإن الطفل يكتسب صفة الأنانية من والديه عن طريق أسلوب التربية الذي يلعب دوراً كبيراً في تنمية هذه الصفة بعيداً عن الجينات الوراثية. مشيرة إلى أن ردود فعل الآباء تجاه بعض تصرفات أبنائهم، وتلقين الطفل العادات الخاطئة في الأعوام الأولى تؤثر في شخصيته وخاصة خلال العام الثاني من عمره. وتؤكد أن المشاركة في بعض الأنشطة هي مفتاح التغلب على الأنانية لدى الطفل، فهي تساعد على تعلم صفات مهمة كالتعاون والاعتماد على النفس وعدم التفكير بالذات فقط، ويكون ذلك من خلال الرسم الجماعي أو الألعاب الجماعية، والتي تساعد أيضاً على الاستمتاع وسط حضور الأصدقاء.
دلال مفرط
لمياء أم لخمسة أولاد، لها تجربة بتربية الأطفال تقول: ننصح الآباء والأمهات ببعض السلوكيات لتجنب الإفراط في دلال الأطفال في ظل الخلافات الزوجية ومنها إلزام الطفل بالاستجابة لقواعد تهذيب السلوك التي تم وضعها وعدم الاستجابة لجميع نوبات الغضب والاستسلام لها وضرورة استشارة الطفل بعد الرابعة وتعليمه كيفية التغلب على الملل والتعامل مع ضغوط الحياة والمعاناة وعدم تجنيبه مواجهة تحديات الحياة العادية وعدم الإفراط في مدح الطفل، وتشجيعه على القيام بأشياء جديدة وخوض المهام الصعبة وأولا وأخيراً لابد من تعليمه ضرورة احترام حقوق الوالدين والآخرين.
وتتفق مع هذا الرأي سيدة أخرى (ميسون) بأن الدلال المفرط كثيراً ما ينزع الطفل وينزل به إلى أدنى السلوكيات فإعطاء الطفل كل ما يريد من دون حساب ودون نظام يؤدي إلى الأنانية، حيث أن الإفراط في الدلال أو الحرمان نتيجته سيئة والاعتدال هو الطريق الأفضل دائماً إلى التربية السوية. مضيفة لابد من الحزم عند إعطاء الأوامر والتعليمات وخاصة تجاه السلوكيات الفوضوية أو المنافية للسلوك الحسن وعدم استجداء الأوامر والتوسل إليهم في ذلك.
طفل خائف
فاتن مربية أطفال في روضة خاصة تقول: إنه قد يتعلم الطفل الأنانية من إخوته الذين يستحوذون على الأشياء ويمنعونه من المشاركة معهم، ولأن الآخرين قد لا يهتمون به فيستمتع هو بكل ما يحصل عليه ولأطول وقت ممكن لعدم إحساسه بالأمان وخوفا من ألا يحصل عليه مرة أخرى. مضيفة إن الطفل الأناني طفل خائف يشعر بالضعف والعجز، والأشياء التي يحتفظ بها ما هي إلا أداة تمنحه القوة والثقة لأنه لا يثق بنفسه، وعندما يكبر يصبح بخيلا أو شحيحا في العطاء وعلاقاته الاجتماعية قصيرة المدى ومحدودة لأنه يركز على ذاته فقط ولا يعرف التضحية فيبتعد عنه الآخرون.
نظرة اختصاصي
شذى مروان اختصاصية اجتماعية تقول إن الأطفال الأنانيين هم من يهتمون بأنفسهم أو بمصالحهم دون الاهتمام بمصالح الآخرين، حيث إن نظرة الأنانيين تقتصر على حاجاتهم الخاصة واهتمام الطِفل الأناني مركز على نفسه فقط وهذا ما يميزه عن بقية الأطفال العاديين. مضيفة إن مفهوم الأطفال الأنانيين عن أنفسهم مفهوم غير وضح، ونظراتهم للآخرين هي نظرة سالبة، حيث ينقصهم الانتماء للجماعة ويجدون صعوبة في علاقاتهم مع الأطفال الآخرين ومع الأقران لذلك فإن الطفل وحتى سن العام والنصف يظن أن كل ما تمتد إليه يده ملكه فمن الطبيعي أن يكون أنانيا قبل أن يكتسب أي خبرات مع العالم الخارجي، ومع بدء نموه يبدأ إدراكه وتفكيره وقدراته في التطور فيفصل بين الأنا والأنت ويتعرف على بعض القيم والأعراف الاجتماعية، كما يتعرف على ما هو ممنوع وما هو متاح فيبدأ بالتنازل تدريجيا عن أنانيته. وفي عامه الثاني يتنازل عنها في سبيل أبويه، وفي عامه الثالث في سبيل إخوته، وفي عامه الرابع يشارك بشكل إيجابي مع الأطفال الآخرين، إلا أن الاستمرار في الإصرار على الاحتفاظ بملكيته للأشياء يبدأ بعد بلوغه سن الخامسة، وعادة ما يكتسب الطفل تلك الصفات السيئة من خلال القدوة والتعليمات التي يتلقاها، إضافة إلى إهمال الآباء وعدم وجود من يعتمد عليه فيلجأ إلى الأنانية كوسيلة يحمي بها نفسه من المجتمع الجاف أو الصارم متسائلة: لماذا نجد أن الولد الوحيد أكثر بخلاً أو أنانية بعض الشيء من أطفال آخرين؟ هذا أمر طبيعي، فالولد الوحيد الذي لم يعتد مشاركة إخوته في شتى الأمور، يملك صعوبة في مشاركة الآخرين أمورهم.
على عاتق الأهل
من هنا ترى الأستاذة شذى أنه يجب على الأهل التشديد في أهمية دور الحضانة التي يتعلم فيها الطفل الكثير من المشاركة مع الآخرين، فيتعلم أن ألعاب الصف تكون لكل المجموعة، لكل فرد، ويجب المحافظة عليها ومشاركتهم فيها جميعاً أما الأهل فيقع عليهم دور تعليم أولادهم الابتعاد عن الأنانية بطرق عدة ليست صعبة، على سبيل المثال تعليم الطفل الكرم بوسائل الإيضاح وذلك كلما اشترى شيئاً من الحلوى.. أن يفرغ الحلوى التي اشتراها في طبق ويدعو جميع إخوته ليأكلوا معه.. في البداية سيكون الأمر صعباً على الطفل ولكن مع مرور الوقت سيتعلم الطفل أن يكون كريماً.. وخاصة إذا استخدمت معه أسلوب التشجيع كأن تقول مع كل ثلاث مرات تأكل مع إخوتك تحصل معهم على علبة حلوى جديدة. كما من خلال استخدام القصة الشيقة التي تتحدث عن الكرم والفيلم الفيديو المؤثر الذي يتحدث عن نفس الموضوع فمع كثرة الطرق يوشك الباب أن يفتح ويتحسن حاله.
جريدة الوطن السورية