إعداد: كارمن العسيلي
الابنة الصغرى تتبع أختها الكبرى أينما ذهبت، تردد كلامها وتقلد أفعالها لدرجة باتت تزعجها. والابن الأكبر يشكو شقيقه الأصغر الذي يقلده في كل شيء حتى ولو كان سيئاً. الوضع يبدو مرهقاً، لكن كيف السبيل للتوفيق بين الأشقاء؟ إليك النصائح التي تساعدك على تخطي هذه المرحلة الضرورية في حياة أطفالك.
لاحظت منذ فترة أن الصغرى تمضي وقتها في تقليد شقيقتها ونسخ كل حركة من حركاتها وتصرفاتها، وهذا ما يفسر ربما سرعة اكتسابها مهارات عدة وتطور لغتها وقدراتها الحركية بشكل كبير. في الواقع، هي قادرة على تدبير شؤونها أكثر من الكبرى عندما كانت في مثل سنها، وهذه نتيجة حتمية لوجود طفلين في العائلة الواحدة من الجنس ذاته ومتقاربين في العمر أيضاً. هذه الميزة إذا صح القول، تسهل على الأم الكثير من الأشياء، فهي لن تجد صعوبة مثلاً اقتراح القيام بالأنشطة ذاتها، وحتى شراء الملابس لا يعود يشكل مصدر قلق لها، فالذي لا يناسب الأكبر يمكن أن يلائم الأصغر. إضافة إلى كل ذلك، هناك إيجابية أساسية في هذا النوع من العائلات وهي أن الطفل الأصغر يستقل بشكل أسرع ويكتسب المهارات المختلفة في وقت أبكر، مثلاً فهو سيمشي باكراً مقارنة بشقيقه الذي تأخر في اكتساب تلك المهارة، وسيطلق العنان للسانه ويغني قاموسه اللغوي سريعاً وسيأكل ويلبس من دون مساعدة والدته، ما يسهل عليه الحياة ويجعلها تختبر الفرق بين الطفل الأول والطفل الثاني. لكن مقابل هذه الحسنات والإيجابيات هناك سلبيات عدة لهذا الموضوع. صحيح أنك في البداية ستفرحين لدى سماع ابنتك الصغرى تطلب شرب الحليب في الكوب وتناول الطعام بالملعقة، بمفردها، تماماً كشقيقتها الكبرى، وستندهشين من سماعها تتلو أحرف الأبجدية التي تعلمتها الكبرى في المدرسة، إلاّ أنك سرعان ما ستقعين في دوامة الشكاوى والبكاء والشجار الناتجة عن عملية التقليد تلك.
- مثال يحتذى به ويقلد:
قبل فترة كانت الصغرى تحاول التشبه بأمها، لكنها سرعان ما ستدرك أن شقيقتها الكبرى تشكل مثالاً نموذجياً يشبهها إلى حد ما ويناسب حجمها، فقد لاحظت أن أختها تفهمها بشكل أفضل ولغتها قريبة من لغتها وهي تعشق أسلوبها في اللعب وتتشارك معها الاهتمامات ذاتها، تمضي معها أغلبية الأوقات وهذا ما يقربهما من بعضهما بعضاً. هكذا تحظى الصغرى بكل الفرص لمراقبة شقيقتها الكبرى والسير على خطاها أو تقليدها.
أحياناً كثيرة تردد الصغيرة عبارات تقولها الكبرى، أو تعيد تكرار القصة التي أخبرتها. عليك كأم أن تدركي أن هذه الفترة الخاصة بتحديد شخصية الطفل تعد مرحلة ضرورية جداً له شرط ألا تدوم لفترة طويلة، لأن الطفل لا يفرق بين التصرفات الجيدة أو التصرفات الخاطئة التي يرتكبها شقيقه. لن تسعدي حتماً برؤية ابنك الأصغر يرفض تناول صحن الفاصولياء التي يعشقها أصلاً، لمجرد أنه وأي شقيقه الأكبر يبعد الصحن ما أمامه ويعلن رفضه تناول هذه الوجبة، كما لن تفرحي أمام مشهد رفض الصغرى النوم باكراً لأن شقيقتها الكبرى لاتزال صاحية.
- ساعة المنافسة:
اعلمي أن الصغرى لن تتوقف عند فعل التقليد إذ إنها ستدرك لاحقاً أن في إمكانها منافسة نموذجها الأعلى والتغلب عليه أيضاً. ستلاحظ مثلاً أن شقيقتها الكبرى تثير إعجاب أهلها أيضاً وهذا أمر لا تستسيغه الصغرى دوماً، ما يجعلها تتجهز لانتزاع هذه المكانة منها من خلال القيام بالأشياء الحقيقية بالنسبة إلى الطفل الأصغر، لأنه سيواجه صعوبة في تقليد بعض الحركات والأفعال الأكثر تعقيداً، مثل الذهاب بمفرده إلى الحمام وتقطيع اللحم في الصحن وقراءة القصص، هذه التحديات الكبيرة عليه ستزيده حنقاً وغضباً. في المقابل، سيبدأ طفلك الأكبر بالتذمر والانزعاج من هذا الصغير الذي يلاحقه كظله. صحيح أنه في البداية شعر بالفخر بكونه مثالاً له، إلاّ أن تكرار كل ما يقوله والاستيلاء على ألعابه ومطالبته بالأشياء ذاتها هي أمور لا تطاق ومثيرة للإحباط، والأسوأ من ذلك اتهامه لك بمساندة شقيقه الأصغر وتشجيعه على تقليده. فجأة أصبح وضع البكر أمراً لا يطاق لا بل يحمل الكثير من السلبيات، إذا ما إن يرتكب الأصغر أي فعل خاطئ حتى يهرع الجميع إلى إلقاء اللوم عليه وتحميله مسؤولية ما جرى، إذ عليه أن يكون قدوة حسنة لشقيقه الأصغر. هذا الأمر يدفعه إلى الاستياء من شقيقه فتقع الخلافات والمشاجرات بينهما وتطفو مشاعر الغيرة على علاقتهما ويعلو الصراخ وتدب الفوضى، ما يدفعك إلى اليأس.
- شجعي اختلافهما:
من خلال تقليد شقيقه الأكبر أو شقيقته الكبرى، يخاطر الطفل الأصغر بحرق مراحل نموه وتضييع ملامح شخصيته وموقعه في الأسرة. من هنا ضرورة الاهتمام بكل طفل على حدة ومدح خصاله وإبراز خصائص شخصية كل واحد منهما، فهذه الخطوة تساعد الطفل الأصغر على الوثوق بذاته وبقدراته الخاصة وتدفعه إلى التخلي عن عملية تقليد شقيقه الأكبر. هكذا يقتنع بأن اختلاف الشخصية أمر طبيعي لا بل ضروري وأن لكل واحد منهما ذوقه وهواياته وأهواءه وهي محط إعجاب من قبل الجميع.
كلما كان فارق العمر بينهما قليلاً وجب الانتباه أكثر في التعامل بينهما. على الأم هنا أن تحرص على التصرف بشكل مختلف مع كل واحد منهما، مثلاً عليها أن تسمح فقط للطفل الأكبر بقراءة القصص مدة أطول في المساء، قبل إطفاء الأنوار. في المقابل، يجب أن تمضي وقتاً مع كل واحد منهما على انفراد، ما يتيح لكل طفل فرصة التحدث بحرية وتأكيد شخصيته بعيداً عن تأثيرات شقيقه. يجب تشجيعهما على القيام بأنشطة مختلفة، كأن يترك الطفل الأكبر يشاهد التلفزيون في الوقت الذي يرسم شقيقه الأصغر في غرفة الطعام. في النهاية، لا يمكن تفادي المشاجرات والمشاحنات بين الأشقاء على الرغم من كل الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها، فهي من ضروريات الحياة وتطوير مهارات التواصل الاجتماعي، إلاّ أنه عند وقوع الشجار وجب معاقبة أو تأنيب الطفل الأصغر وليس الأكبر، لسببين أولاً لأنه ارتكب فعلاً مشيناً، وثانياً لأنه قلد شقيقه في ارتكاب الخطأ ولم ينتقده ويتدارك الأمر بحسه المنطقي. بالتأكيد الطفل في هذه السن يكون صغيراً جداً، على الاعتماد على حسه الإدراكي والانتقادي للخطأ، إلاّ أن التدريب باكراً على هذا الأمر يفيد في وقت لاحق.
www.balagh.com
"وأنا أيضاً" عبارة الطفل الأصغر المفضلة
- التفاصيل