معتز شاهين
المراهق يعيش بشخصيتين في جسد واحد، شخصية الفرد البالغ الناضج الذي يرى أنه قد وصل إليها ويجب أن يُعامل على أساسها.
وشخصية الطفل الذي مازال لا يستطيع أن يعتمد اعتمادًا كليًا على نفسه نتيجة لظروف الواقع والحياة، وبين تلك الشخصيتين تتأرجح مشاعر وانفعالات المراهق، فلا هو يرضى بالعيش في كنف والديه ويرضخ لطلباتهما، ولا يستطيع أن ينفصل عنهما اجتماعيًا وانفعاليًا أو ماديًا.
وينتج عن التضارب بين الشخصيتين ذلك الصراع الذي يتأجج في نفس المراهق، وتنتج عنه ما يمكن أن نسميه (أزمة )، ولا يجد المراهق وسط تلك الأزمة من يمد له يد العون، وسط أهل مشغولين كل بنفسه، ومجتمع مازال يعامله كطفل – وهو بالطبع لن يقبل هذا - ، لذا فهو ينفر من الأسرة والمجتمع ويلجأ لجماعة الرفاق أو القرناء الذي يجد معهم التقدير الذي يفتقده بالبيت والشارع.
وأنت - أيها المربي - قد بنيت آمالا كبيرة على ذلك "الرجل الصغير" ، فوقع منه النكوص عن تلك الرجولة بأفعال صبيانية وعدم تحمل للمسؤولية ورجوع عن الوعود التي قطعها لك، ونسيت أنه مازال يحتاج إلى تمرين وتدريب حتى يستطيع تحمل مشقات الحياة والاعتماد على نفسه.
لذا يجب عليك أن تراعي أنه يحتاج إلى بعض المعاني في تعاملك معه مثل:
الحاجة إلى الأمان: فهو يحتاج إلى أن تشعره بالأمان، فلا تسفه له قولاً ولا فعلاً حتى ولو كان خطأ، وذلك حتى لا يحجم عن فتح قلبه لك وجعلك كاتم أسراره، ويلجأ إلى القرناء الذين يكونون – في غالب الأحيان – في مثل عمره وليس عندهم الخبرة الكافية؛ مما يؤدي للمشاكل المعهودة في مثل تلك المرحلة من الوقوع في بعض الانحرافات مثل: سرقة، شرب دخان أو مخدرات، علاقات مع الجنس الأخر، وغيرها .
الحاجة إلى التقدير: فالمراهق يعاني من ضعف في ثقته بنفسه؛ نتيجة للمشاعر المتضاربة التي تجتاحه، لذا الشخص الذي سيعطيه ذلك التقدير والثقة فيه؛ سيملك مفتاح قلبه، لأنه سيشعره بأهميته وبقدره في ذلك المجتمع، لذا حاول – أيها المربي - تشجيعه والثناء على مواقفه الإيجابية وتجنب الخوض – مؤقتا – في تصرفاته السلبية.
الحاجة إلى الحرية: فالمراهق حاله كحال كل البشر، إذا توافر له مناخ مناسب من الحرية؛ تكون هذه الحرية عاملا محفزا ودافعا إيجابيا يدفعه لتحمل مسؤولية أفعاله ونضوجه، لذا تجنب التوجيه المباشر له فهذا لن يجدي نفعًا معه.
الحاجة إلى الاستشارة: إن المراهق يكون في حالته تلك كالغريق لا يجد من ينقذه؛ فهو يريد الاستقلال والاعتماد على نفسه في كل شؤون حياته، ولكنه لا يملك ذلك الرصيد من الخبرات والتجارب التي تساعده ويؤهله لذلك، وحينما تُحقق له الحاجات التي ذكرتها من قبل؛ ستجده قد اتجه إليك ليطلب منك رأيك ومشورتك في حل المشكلات التي ستقابله في تلك المرحلة دون أي توجيه منك.
الحاجة إلى الضبط: والضبط هنا لن يكون بشكل مباشر لأنه لن يقبل هذا، فحاول أن يكون ذلك التوجيه والضبط عن طريق مجموعة الرفاق لأنهم الأكثر تأثيرا فيه منك.
وبالنسبة لموضوع الجانب المالي للمراهق: يجب العناية به، وحاول التوسط فيها، فلا تضيق عليه فينحرف؛ ليحصل على المال أو يشعر بالدونية بين أقرانه، ولا تسرف في إعطائه فينحرف أيضا.
وهذا سيقودنا إلى نقطة مهمة جدا،
ماذا أفعل إذا وجدت رفقاء ابني أو أخي المراهق رفاق سوء؟!
أولا : لا تحاول أن تأمر المراهق بتجنب أو ترك أولئك الرفاق (فجأة) ؛ فهو لن يستجيب، ولكن ينبغي تغيير الرفاق من حوله بالتدريج، ولا تستعجل وخذ الوقت الكافي لهذا.
ثانيا: حاول أن تقلل الفرص التي يلتقي بها بهؤلاء الرفاق، واشغله بأمور ونشاطات أخرى معك تشعره فيها بأهميته وأهمية رأيه، واستهجن تصرفاتهم وحدد أخطاءهم بشكل واضح ومحدد أمامه، ولكن دون استخفاف بهم، فهو مازال متأثرا بهم ويرى أنهم أوفى الناس له.
ثالثا : حاول أن توفر البدائل الصحية للمراهق من رفقاء صالحين مشابهين له في الميول والاهتمامات والسن، وشجعهم على التقابل والتعارف من خلال رحلات مشتركة وزيارات.
رابعا : شجع المراهق على نقد السلوك السيئ، واجعله يحتكم إلى عقله، ولا يخضع لمعايير الجماعة التي ينتمي إليها بدون تمييز أو نقد (اجعل له شخصية).
وأخيرًا:
اعلم أخي المربي أن الدعاء سلاح المؤمن، ولن يرد هذا البلاء عنا وعن أبنائنا وإخواننا إلا الله – عز وجل - ، فأكثر من الدعاء بالصلاح والتقى لأبناء المسلمين جميعًا .. اللهم آمين.
لها أون لاين