تحقيق – فاطمة الغامدي
دهشت إحدى الأمهات اثناء رؤيتها لمقطع فيديو صوره لها احد أبنائها اثناء حوار عائلي يستهدف تحسين مستواهم الدراسي ، فشكلها متغير كلياً، والغضب يطغى على كل ملامحها ، وهنا قررت ارتياد مراكز التدريب على الحوار حتى تتحكم بانفعالاتها وتجيد إدارة الحوار الاسري ، خاصة بعد ان اطلعت على تجارب الحوارات السلبية لبعض من الأمهات ، وكان من ابرز سلبياتها التباعد العاطفي والانحراف الفكري ، هذا ما اتفقت عليه ضيفات التحقيق و أضفن ل " الرياض " نعت أبنائنا لنا بالعصبية أو التخلف" تسميات مؤلمة "، ولا يمكن تجاوزها إلا بالتدريب والتثقيف على الحوار فهم لا يقبلون إلا الإقناع دون الانصياع .

تصحيح فكري

بداية تحدثت سارة القليص موظفة وأم لثلاث أبناء، عن حوارها مع ابنائها ، وقالت : ان الحوار مع الأبناء حاجة ملحة في الوقت الحاضر فكثرة المعلومات التي تتزاحم على الأطفال ، قد تؤثر بشكل سلبي على توجههم السلوكي مستقبلا ، وهنا تكون الأم المسؤولة عن تقنين هذه المعلومات بتوجيههم وتوضيح ايجابيات وسلبيات الكثيرمن المفاهيم المغلوطة حولهم ، على ان تختار من الألفاظ الأقرب فهما للأطفال حسب اعمارهم، وأكبر عقبة أواجهها مع أبنائي هي اختيار الوقت فعادة تكثر أسئلتهم وسرد القصص بعد عودتي من العمل مباشرة مما يضطرني لتسكيتهم وهذا يثير غضبهم ، اما إذا كان ردي سريعا وغير مقنع رسخ في أذهانهم ومن الصعب تغييره مستقبلا .

وتابعت القليص: كثير من الأمهات لا يجدن لغة الحوار والسبب الرئيسي غياب مفهوم الحوار لديهن وهذا يرجع للعديد من الأسباب منها تعليمية و أسرية ، فمناهجنا التعليمية لا توضح ولا تطبق الحوار ، ولكن الأبناء الآن هم من ينادون بالحوار والنقاش ويطالبون بالإجابة الفورية على استفساراتهم ومحاورتهم برقي، فهم أكثر إجادة للحوار من آبائهم وهذا مالاحظته في عملي كمرشدة طلابية فالطالبة تحضر للاستفسار عن شتى المواضيع بكل ثقة وتجيد الإنصات للحديث حتى أنها تجبر معلماتها لإعطائها مساحة اكبر للحوار برحابة صدر ، بل ولا يكتفون بالحوار فقط بل يطالبون بالإقناع ، مما خلق أزمة عند الآباء، منها أزمة استثمار الوقت للأم العاملة ، وربة المنزل كذلك تقع في نفس المشكلة ، فيجب ان تقدم القليل من التنازلات حتى تحتوي ابناءها وتقترب منهم أكثر، و للأسف اغلب الأمهات يشغلن أنفسهن اختياريا بالنت والزيارات وغيرها .

تصوير

وتابعت منال خضر ربة منزل وأم لأربعة أبناء :قررت ان أناقش أبنائي عن تدني مستواهم الدراسي وما ان مضت الدقائق الأولى في الحوار حتى ضقت ذرعا بهم وأصبحت اوجه لهم الاتهامات بالإهمال والتقصير ، و بعد ان هدأت ، قال احد أبنائي في المرحلة المتوسطة ، أمي لدي مقطع مضحك في الجوال شاهديه ، و عندما شاهدته ذهلت لأن المقطع مسجل للحوار مع أبنائي وانا في قمة غضبي وصدمت من شكلي ووعدتهم بان اسيطر على غضبي ، وبعد تفكير مطول قررت ان التحق بالدورات الحوارية التدريبية ، واثقف نفسي عن طريق القراءة ومشاهدة البرامج الحوارية المنوعة .

الحوارات الدينية

ندى الدوسري قالت:ان الانشغال الوقتي عن الأبناء لا يخص المرأة العاملة فقط بل ان كثيراً من الأمهات غير العاملات مشغولات عن أبنائهن اختياريا إما بالنت أو الزيارات وغيرها ولا يستقطعن جزءا من الوقت للحوار مع أبنائهن .

واكدت ان الحوار والنقاش الايجابي يقوي شخصية الأبناء وينمي فكرهم ويصبحون شخصيات أكثر اتزانا وتفاعلا مع المجتمع ، ولا نحمل الأم انحراف الحالات الشاذة الفردية وهي شخصيات عنيفة بطبعها وتحتاج الى متخصصين . مؤكدة على ان الحوار مهارة مكتسبة يمكن التدريب عليها وتنميتها بشكل مستمر وليست دراسة أكاديمية كما ان الاسرة في السابق تمارس الحوار بشكل فعلي ، برغم محدودية قنوات المعرفة وامكانية السيطرة عليها ومن ثم يكون الحوار اسهل واقصر .

أطراف مختلفة

واوضحت حياة الدهيم مدربة بمركز الحوار الوطني ان طبيعة الأمومة التي تحملها الأمهات تجاه أبنائهن تدفعهن إلى الحرص والبحث عن كل ما يحسن الاتصال والعلاقة بينهن وبين الأبناء وهذا في الحقيقة دورالأم الحقيقي والأساسي هو التربية كما انه يوجد لدى الأمهات الرغبة في التعديل والتحسين والتطوير.

والأم ليست وحدها السبب في غياب الحوار وإنما أيضا الأب والمدرسة وكل من له دور في الحوار مع الأبناء كأسره وكمجتمع والأبناء يحتاجون لهذا التنوع والاختلاف والثراء في بيئة الحوارمع أطراف مختلفة. وهناك سؤال يأتي أولا: متى يبدأ الحوار ؟ وجوابه إن الحوار يبدأ بين الأم وطفلها منذ إن يكون الطفل جنينا في رحمها ويستمر إلى مالا نهاية ، وحتى يكون الحوار فعالا لابد أن تمتلك الأم المهارات الحوارية المهمة وهي الإنصات الفعال ونعني بالإنصات مستوياته الايجابية ومبادئه وأدواته وكذلك استخدام المهارات اللفظية ولغة الجسد الايجابية وكذلك بيئة الحوار الفعالة وهذا يعتبر الجزء الوقائي من الحوار والتي نقضي فيها على سلبيات سلوكية كثيرة عند الأبناء.

الأبناء يتعلمون بالقدوة ويكتسبون أساليب الحوار وآدابه بالنمذجة فإذا أنصت الوالدان إلى أبنائهما فالناتج أن الأبناء ينصتون إلى آبائهم وهكذا لكل مهارة حوارية وبمعنى اشمل لكل السلوكيات الايجابية . والحوار مع الأبناء هو جزء من السلوكيات والأفعال التي تندرج ضمن التعامل مع الأبناء وهناك مقولة تقول عامل أبناءك كأصدقائك ولاتعامل أصدقاءك كأبنائك وهذا يدل أن الحوار مع الأبناء ليس له قالب معين خاص بهم وإنما للحوار مهارات مثل مهارة الإنصات والحديث . ويمر الحوار بدورة تسمى دورة الحوار مع استخدام ثلاثية التأثير أثناء الحوار مع الأبناء . ويرتبط الحوارايضا بالحاجات النفسية في هرم ماسلو فهو أي الحوار مرتبط بالحاجة إلى الأمن والحاجة إلى الانتماء وحاجه تعزيز الذات .

 

جريدة الرياض

JoomShaper