تُعَدُّ تربيةُ الأطفال من أصعبِ ما يواجِهُه الأهل؛ ولكن عند معرفة كيفيَّة استخدام عقل الطفل، الذي هو صفحةٌ بيضاءُ يكتبون فيها ما يتوجَّب عليهم تُجاه الطفل بشكل صحيح، سيكون الأمرُ أسهلَ عليهم، كما أنَّ ثمارها في المستقبل ستكون يانعةً، ونتائجُها إيجابيَّةً؛ لأن ما تزرعه ستحصده بالتأكيد.

مفهوم تربية الطفل:
إن التربية التي تعني التنشئة والتنمية والرعاية، هي ظاهرةٌ اجتماعية - كما يرى بعض العلماء - لكونها لا تَتِمُّ في فراغ، حيث لا وجودَ لها إلا بوجود مجتمَع؛ ذلك أن الإنسان يكتسب من محيطه ويتعلَّم، إذ لا يوجَدُ إنسانٌ يكتسب وهو بعيدٌ عن الاحتكاك بالآخرين من خلال الروابط العائلية والعلاقات الاجتماعية؛ فالتربية بكل خطواتها وأُسسِها تَعتمِد على محيط الطفل، وهذا المحيط نفسُه يمكِّنُنا من تقييم الطفل أيضًا، وهنا يبدو الرابط القويُّ بين المجتمَع والفرد، وتواصلهما إيجابًا أو سلبًا.

والجديرُ بالذكر أنَّ الأُسرة هي أوَّلُ مجتمَع يحتكُّ به الطفل، فالثقل الأكبرُ يقع عليها، فلا بدَّ أن تكون الأسرةُ على قدر من الوَعْيِ بأصول التربية السليمة، التي يمكِنُ تلخيصُها في النقاط التالية:
التقليد:
عندما يدرك الطفلُ محيطَه، فإنه يبدأ بتقليد كل شيء، هكذا هي فِطرة الطفل، إنه لا يقوم فقط بتقليد الأمور المباشرة معه؛ بل حتى تلك التي تدور مع غيره، فهو يراها ويدرك ما يحدث في محيطه؛ لذا كان لزامًا على العائلة أن تكون على وَعْيٍ بتصرُّفاتها، وعلى معرفة بالتواصل الصحيح مع الطفل، ويكون ذلك باختيار عبارات أو أفعال مناسبة وصحيحة.

العناد:
يتولَّد العنادُ عند أغلب الأطفال بشكل طبيعيٍّ، وتختلف طرق التربية من طفل إلى آخَرَ، فهناك الطفل الهادئُ، والطفلُ الكثير الحركة، والطفل المشاغب، والطفل الضعيف الاستيعاب، وأكثر ما يَزيد العنادَ لدى الأطفال مواجهتُهم بكلمة "لا". ومن طرق علاج العناد: محاولةُ تجنُّب كلمة "لا"، و"فعل الأمر"، إلا فيما تقتضيه الضرورةُ، ومِن طرق العلاج أيضًا: تركُ الطفل يقوم بالأمور دون مَنْعِه أو زجره، ما دامت ضِمْنَ المعقول، ولا تسبِّب الأذى؛ لأنه في عُمرٍ يحب الاستكشاف والتعرُّف على كل شيء، كما أنَّ مِن طرق العلاج كذلك: عَدَمَ التفضيل أو المقارنة بينه وبين الآخرين؛ وبهذا نكون قد بدأنا بدايةً تساعدنا كثيرًا في إيصال أفكارنا إليه، مع تنمية طرق التفكير لديه، وبناء شخصيَّته المستقلَّة.

التواصل:
إنَّ قضاء الوقت مع الطفل والتحدُّث إليه من خلال النظر في عينيه، له تأثيرٌ كبير في توصيل الفكرة ووضوح الاهتمام، وهو طريقة فعّالة للحفاظ على الطفل من تعرُّضه لمرض التوحُّد.

الحب:
ليس المهم أن نحبَّ أطفالنا في مكنونات أنفسنا فحسب؛ بل الأهمُّ أن نوضِّح ذلك ونقوله بالكلام والأفعال، وذلك من خلال تخصيص وقت كافٍ لهم، باللعب معهم أو التنزُّه، أو سماعهم والاهتمام بمتطلَّباتهم، والتجاوب معهم، وكل ما من شأنه إدخال السرور على قلوبهم.

العقاب:
كثيرًا ما يلجأ الأهل إلى الضرب - وهذا مما يؤسَف له - والضربُ لا يأتي بنتيجة البتَّةَ، فضلًا عن كونه - غالبًا - ما ينبع عن غضَب وردَّة فعل، لا عن وَعْيٍ وتربية، وقبل كل شيء لا بد من مناقشة الطفل حول الخطأ الذي ارتكبه، وبيانِه له؛ حتى يعرف الطفل سبب كونه خطأً فيتجنَّب تَكراره، ثم لو تكرَّر منه، فيَحسن تذكيره ومعاتبته. بعد ذلك يمكِنُ مثلًا إجراء عقوبة تربويَّة مناسبة، كحذف نقطة من نقاط المكافآت التي كان ينالها عن ممارساته الجيِّدة، أو حرمانه من شيء مرغوب، أو عزله فترةً من الزمن محدودةً بالعدِّ الرقميِّ المسموع، فيوضع في مكان منعزل كأن يكون زاويةً أو كرسيًّا مع البَدْءِ بالعدِّ، فإن زاد في صراخه أو استمرَّ في عناده، نعيد بَدْءَ العدِّ من جديد؛ حتى يدرك ويستجيب، على أنَّ لكلِّ مرحلة عمرية تعاملاً يناسبها، فلا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار.

قد يتساءل الكثيرون عن سلوكيَّاتٍ أخرى لدى الطفل أو لدى الأهل، ولا سيَّما في عُمر المدرسة، ولا يجدون جوابًا هنا؛ ولكن الحقيقة أنهم لو راعَوا هذه الأصول المذكورة لَتَبيَّن لهم أنَّ أغلب الأمور مندرِجةٌ تحتَها، أو متفرِّعة عنها، أو مبنيَّةٌ عليها.

JoomShaper