محمد أبوعمارة
كثيرون منا يدمرون فلذات أكبادهم دون أن يعرفو، مظاهر كثيرة تدعوني للكتابة بهذا الموضوع وأنا أرى مخلفات التشويه التربوي هنا وهناك، وثقافة الحرص الزائد التي تميز هذا الشعب عن غيره، والحرص الشديد قد يكون قاتلاً في كثير من حالاته...
أحدى المشاهد التي دعتني للكتابة، مشاهدتي لأحد أولياء الأمور رافق ولده ذا الخمسة عشر ربيعاً للمدرسة، وفي أول يوم وكان يمسكه من يده ويكأنه سيطير منه، وأوصله لباب المدرسة وتحدث مع مدير القسم وأوصاه عليه بشدة وأنه يجب أن يراعي مشاعره والتعامل منه، وبعد ذلك تركه ليعود ليناديه... ومرة أخرى أوصله إلى الباب وظلّ يراقبه وهو يدخل المدرسة ثم طلب من مدير القسم مرافقته إلى الداخل... وهنا تدخلت وقلت له اتركه يا أخي أتركه أرجوك دعه يخوض

التجربة بنفسه ويتعرف على الآخرين ويتفاعل معهم ... «ولكني أخاف عليه» أجاب الأب،
-مم تخاف عليه؟!!!
-لا أدري ولكن أخاف أن يتعرض لمشكلة ما لا أعرف ما هي!
-أنصحك عزيزي ضع ابنك في صندوق من الزجاج وأحمله معك أينما تذهب لأنه بغير ذلك لا بُدّ وأن يتعرض للهواء وقد يمرض أو قد يصافحه أحدهم وينقل له مرضا ما، أو قد يصطدم بالمارة فيُكسر فيه ضلع. أو قد تتسرب إلى مسامعه ألفاظ نابية أو تؤذي عينيه مناظر قبيحه، ضعه في صندوق زجاجي وكمم على عينيه علك تحافظ عليه أكثر لا بل وأغلق أذنيه حتى لا يرى ولا يسمع... وتأتي بعد عشرات الأعوام لتقول لِمَ أصبح إبني هكذا؟!! تشعر بالندم وأنت ترى إبنك ذا العقد الثاني أو الثالث لا يستطيع أن يتحمل أي مسؤولية ولا تستطيع أن تركن إليه أدني أنواع المهمات!! وتتسائل بكل تعجب واستغراب لِمَ هذا ؟!! هذا لأنك يا سيدي عملت بطريقة ممنهجة لطمس هويته، حرصك وحبك الزائد قتل عنده روح المسؤولية، وحب المغامرة، واتخاذك القرارات عنه طمس هويته وقتل القدرة فيه على اتخاذ القرار وحوله من إنسان منتج إلى إنسان مستهلك وليست لديه أي قدرة على انتاج أي شيء ولا حتى اتخاذ أي قرار... فهكذا إذاً ندمر نحن أبناءنا، حرصنا الزائد وحبنا القاتل وخوفنا الشديد هي من أهم الأسباب لهذه المشاهد التي نراها هنا وهناك، الآف حالات الطلاق يومياً، لماذا؟! لأن الزوج والزوجة غير مسؤولين، عشرات حالات الإنتحار لماذا؟! لأن اليأس لا يتملك إلا النفوس الضعيفة الخالية من الإيمان!! عشرات الاف من حالات البطالة لماذا؟! لأن روح الإبداع والمبادرة غير موجودة أصلاً فالكل ينتظر تلك الوظيفة المعدة له خصيصاً... ولو أردت أن أستعرض لعرضت مئات الحالات الآن... فلنترك أبناءنا يعيشون حياتهم تحت أعيننا نقوم سلوكياتهم ونرشدهم دون أن ندمرهم....
قيل قديماً: لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم.

JoomShaper